Quantcast
Channel: Nietzsche mephistopheles
Viewing all 80 articles
Browse latest View live

قوائم ميترلينج/ وودي آلان

$
0
0


ترجمة
محمد سيد عبد الرحيم

أخيرا وبعد طول انتظار، أصدرت دار نشر فينيل وأبناءه الجزء الأول من قوائم غسيل ميترلينج (المجموعة الكاملة لقوائم غسيل هانز ميترلينج، الجزء الأول، 437 صفحات، زائد 32 صفحة كمقدمة، زائد كشوف وفهارس، 18.75 دولارا)، ويحتوي الكتاب تعليقات مسهبة للأستاذ جونتر ايزنبد المتخصص بأعمال ميترلينج. لقد رحبنا أشد الترحيب بخطوة نشر هذا العمل بشكل مستقل قبل اكتمال الأعمال الكاملة (أربعة مجلدات ضخمة)، فهي خطوة ذكية لأن هذا الكتاب القاسي والرائع سوف يوقف تماما الإشاعات غير السارة التي تقول أن فينيل وأبناءه قد حصدوا الكثير من الجوائز الكبيرة من روايات ومسرحيات ومفكرات ومذكرات وخطابات ميترلينج وأنهم بنشرهم لقوائم غسيله يريدون فقط جني مكاسب أخرى من نفس الذخيرة الوافرة. وكم كانت تلك الهمسات خاطئة! بالتأكيد، تبين قائمة غسيل ميترلينج الأولى في الكتاب مقدمة واضحة وشبه كاملة عن هذا العبقري المضطرب والمعروف بين أقرانه المعاصرين له "بغريب براغ".

القائمة الأولى
6 بنطلونات قصيرة
4 قمصان داخلية
6 جوارب زرقاء
2 قميص أبيض
6 مناديل
ملحوظة: لا تستخدم النشا

يرجع تاريخ تلك القائمة لزمن كتابة ميترلينج عمله اعترافات قطعة جبن ضخمة، ويحمل هذا العمل فلسفة مدهشة حيث أثبت أن كانط كان خاطئا حول الكون وفوق ذلك أثبت أنه لم يختبر أبدا نظرياته عمليا. إن كره ميترلينج لاستخدام النشا في الغسيل لسمة ارتبطت بتلك المرحلة، ولكن حينما عادت تلك الكومة من الغسيل متيبسة أكثر من اللازم أصبح ميترلينج كئيبا ومحبطا. قالت السيدة ويزر صاحبة البيت الذي كان يسكن به لأصدقائه "أن السيد ميترلينج كان يحبس نفسه بغرفته لأيام عدة باكيا على غسل بنطلوناته القصيرة بالنشا". بالتأكيد، أشار من قبل بروير عن العلاقة بين الملابس الداخلية المتيبسة والإحساس الدائم لميترلينج أن شخص ما ذو فك ضخم يهمس له (انظر ميترلينج: هوس البارانويا الاكتئابية والقوائم الأولى، دار زيس للنشر). ولقد ظهر موضوع فشل إتباع التعليمات هذا في مسرحية ميترلينج الربو حينما يخطئ نيدلمان فيدخل إلى مثوى الشهداء حاملا كرة التنس الملعونة.

القائمة الثانية
7 بنطلونات قصيرة
5 قمصان داخلية
7 جوارب سوداء
6 قمصان زرقاء
6 مناديل
ملحوظة: لا تستخدم النشا

يظهر شيء غريب بهذه القائمة وهو السبعة جوارب السوداء حيث من المتعارف عليه منذ وقت طويل ولع ميترلينج باللون الأزرق. وبالفعل، نعرف أن مجرد ذكر أي لون آخر يثير غضبه، حتى انه في إحدى المرات قد دفع بريلكه[1]حتى انقلب برطمان من العسل عليه لأن الشاعر قال له أنه يفضل النساء ذوات العيون العسلية. ووفقا لآنا فرويد[2]("جوارب ميترلينج كتعبير عن الأم القضيبية"،جريدة التحليل النفسي، نوفمبر، 1935)، فأن القفزة المفاجأة التي جعلت ميترلينج يرتدي جواربا أكثر كآبة تتعلق بحزنه الشديد بعد "حادثة بايرويت". ولقد جرت تلك الحادثة خلال عرض الفصل الأول من مسرحية تريستان حيث عطس ميترلينج فأدت عطسته إلى وقوع باروكة شعر واحد من أغنى رعاة المسرح. امتعض الحضور أشد الامتعاض ورغم ذلك دافع فاجنر[3]عن ميترلينج بمسرحيته التالية والمسماة "كلنا نعطس".وعندما شاهدت كوزيما فاجنر[4]المسرحية، انفجرت في بكاء مرير متهمة ميترلينج بتخريب أعمال زوجها.
ما يشاع عن عشق ميترلينج لكوزيما فاجنر هو حقيقة لا غبار عليها، فنحن نعرف مثلا أنه قد ضم يدها لراحة يده بمدينة لايبزغ وفعلها مرة أخرى بعدها بأربع سنوات بوادي روهر. ولكنه قال لها أثناء إحدى العواصف الممطرة بمدينة دانزيج أن ساقها مقوسة وحينما سمعت منه تلك الإهانة، قررت أن لا تقابله مرة أخرى. بعدها عاد ميترلينج إلى بيته وهو في قمة الإرهاق والقلق فكب إرهاقه وقلقه في كتابة كتابه أفكار دجاجة وعندما أنهاه أهدى مسودته الأولى إلى آل فاجنر. وعندما عرف أنهم قد استخدموا كتابه كدعامة لساق مائدة الطعام القصيرة، أمسى مزاجه أكثر تجهما وأكثر انجذابا للجوارب الداكنة. ولقد حاولت مديرة منزله أن تقنعه بأن يستعيد لونه الأزرق الذي يحبه أو على الأقل أن يجرب ألوان أخرى كاللون البني مثلا، لكنه لعنها قائلا لها، "يا فاجرة! ولماذا لا أجرب الكروهات مثلا، هه؟"

القائمة الثالثة
6 مناديل
5 قمصان داخلية
8 جوارب
3 ملاءات
2 أكياس مخدات

تذكر الملاءات لأول مرة في القائمة الثالثة: كان ميترلينج مولعا أشد الولع بالملاءات خاصة أكياس المخدات حيث كان يضعها هو وأخته - عندما كانا صغارا – فوق رؤسهما وهم يلعبان لعبة العفاريت حتى وقع يوما بين حاجز حجري. يحب ميترلينج النوم على ملاءات جديدة ونظيفة ويتبعه في ذلك شخصياته الخيالية. يقتل هورست وزيرمان صانع الأقفال العنين في عمله عصب الرنجة مقابل ملاءات، وتريد جيني في عمله أصبع الراعي أن تنام مع كلينمان (الذي تكرهه بسبب أنه لطخ أمها بالزبدة) "إذا كان النوم معه يعني أنها ستنام فوق ملاءات طرية". المأساة أن المغسلة لم تستطع أبدا أن تغسل الملاءات بالشكل الذي يرضي ميترلينج، لكن الإشاعات التي تقول أن خوفه على تلف ملاءته قد منعه من إكمال عمله حيث جوست، يوجد النقص، كما فعل بفالتز، هو محض كلام فارغ. لقد استمتع ميترلينج برفاهية إرسال ملاءاته إلى المغسلة ولكنه رغم ذلك لم يعتمد أبدا على جودتها.
ما منع ميترلينج من إنهاء ديوانه الشعري الذي خطط له طويلا هي قصة الحب الفاشلة التي نستطيع استنباطها من القائمة "الرابعة الشهيرة":

القائمة الرابعة
7 بنطلونات قصيرة
6 مناديل
6 قمصان داخلية
7 جوارب سوداء
ملحوظة: لا تستخدم النشا
خدمة مستعجلة

قابل ميترلينج لو أندريه-سالومي[5]عام 1884، وبسبب ذلك طلب من المغسلة أن تغسل حاجاته يوميا. في الواقع، لقد تعرفا على بعضهما البعض عن طريق نيتشه[6]، الذي قال للو أن ميترلينج إما عبقري أو معتوه وأن عليها أن تعرف بنفسها أي صفة تنطبق عليه. في هذه الفترة، انتشرت الخدمة المستعجلة في القارة الأوربية خاصة بين المثقفين وقد رحب ميترلينج بتلك البدعة. فلقد كان يحب ميترلينج دائما فكرة الاستعجال والعجلة هي ما تقدمه هذه الخدمة. فدائما ما كان يصل إلى مواعيده قبل الوقت المحدد لدرجة أنه كان يصل قبلها بأيام حتى أن مستقبليه يضطرون أن ينزلوه بغرفة الضيوف. تحب لو مثل ميترلينج شحنات نظيفة من الغسيل يوميا. كانت كالطفلة الصغيرة حينما تبتهج، ولطالما ما اصطحبت ميترلينج للتنزه بالغابة حيث يفض كل واحد منهما شحنة غسيل الآخر اليومية. لقد أحبت قمصانه الداخلية ومناديله، لكن أكثر ما أحبت كانت بنطلوناته القصيرة. لقد كتبت لنيتشه تخبره أن بنطلونات ميترلينج القصيرة هي أكثر الأشياء جلالا من الأشياء التي صادفتها بحياتها وأنها تفوق حتى هكذا تكلم زرادشت. بالتأكيد كان رد فعل نيتشه دبلوماسيا إلا إن هذا لا ينفي أنه كان دائم الغيرة من ملابس ميترلينج الداخلية وقد أسر لأصدقائه المقربين أنه كان يجدها "هيجلية متطرفة". انفصلت لو سالومي عن ميترلينج بعد قحط الدبس[7]العظيم عام 1886، وبينما عزر ميترلينج للو فرقتها تلك، إلا أنها كانت تقول عنه دائما أن "عقله يحتوي كل الأمراض التي على وجه الأرض".

القائمة الخامسة
6 قمصان داخلية
6 بنطلونات قصيرة
6 مناديل

لقد أربكت القائمة الخامسة الباحثين؛ مبدئيا بسبب الغياب التام للجوارب. (بالتأكيد، كتب توماس مان[8]بعدها بعدة سنوات عن هذه المعضلة التي استغرقت تفكيره حتى أنه كتب مسرحية كاملة حول هذا الموضوع، وهي مسرحية جوارب موسى، والتي للصدفة تلفت عندما سقطت منه بخزان وقود). السؤال: لماذا أسقط فجأة هذا العملاق الأدبي الجوارب من قوائمه الأسبوعية؟ بالتأكيد، ليس مثلما قال بعض الباحثين أنه دليل على جنونه المرتقب رغم أن ميترلينج بالفعل كان يمارس حينها سمات سلوكية شاذة وغريبة الأطوار. فلقد كان يعتقد أنه مراقب أو أنه يراقب شخص ما. ولقد أسر لأصدقائه المقربين بوجود مؤامرة حكومية لسرقة ذقنه. وفجأة وبينما هو قي إجازة بمدينة جينا، امتنع عن التفوه بأي كلمة لمدة أربعة أيام متواصلة سوى بكلمة واحدة وهي "باذنجان". إلا أنه لا تفيدنا كل هذه الإيضاحات المتفرقة لحل إشكالية الجوارب المفقودة. ولا حتى اقتداءه بكافكا[9]، الذي توقف عن ارتداء الجوارب لفترة وجيزة من حياته بسبب إحساسه بالذنب. لكن ايزنبد يؤكد لنا أن ميترلينج لم يتوقف عن ارتداء الجوارب. بل توقف فقط أن يبعثهم إلى المغسلة! لماذا؟ لأن بدأ في هذه الآونة من حياته يستخدم مديرة منزل جديدة وهي السيدة ميلنر والتي قبلت أن تغسل جواربه يدويا – وهي لفتة أثرت أشد التأثير في ميترلينج لدرجة أنه ترك لها كل ثروته التي كانت تتكون من قبعة سوداء وبعض التبغ. ولقد جسدها أيضا في إحدى شخصياته وهي شخصية هيلدا في قصيدته الساخرة، دم الإلهة الأم براندت.
إن ما يمكن استنتاجه من القائمة السادسة هو بداية تشظي شخصية ميترلينج بدءا من عام 1894:

القائمة السادسة
25 منديل
1 قميص داخلي
5 بنطلونات قصيرة
1 جورب

وليس مستغربا أن نعرف أنه قد ولج بتلك الفترة مجال التحليل النفسي عن طريق فرويد. كان قد قابل فرويد منذ عدة سنوات في فيينا، بينما كانا يحضران عرضا لمسرحية أوديب حيث كان فرويد غارقا في عرقه. كانت جلساتهما عاصفة وكان ميترلينج عدائيا، هذا إذ ما صدقنا مذكرات فرويد. لقد هدد ميترلينج يوما بأن ينثر النشا على لحية فرويد، التي كانت تذكره بمدير مغسلة الملابس. بدأت علاقة ميترلينج غير المعتادة بأبيه تظهر تدريجيا. (كان يعرف تلامذه ميترلينج أبيه جيدا، فهو موظف تافه دائم السخرية من ميترلينج عبر مقارنته بالأسوأ[10].) ولقد كتب فرويد عن حلم محوري قد حكاه له ميترلينج فقال:

كنت في حفل عشاء مع بعض الأصدقاء حينما دخل فجأة رجل يدفع بمائدة متحركة عليها سلطانية شوربة. اتهم الرجل ملابسي الداخلية بالخيانة العظمى وعندما حاولت إحدى النساء الدفاع عني سقطت جبهتها. وكنت سعيدا بما رأيت، فبدأت في الضحك. فجأة، تبعني الجميع ضاحكين سوى مدير المغسلة التي أتعامل معها الذي بدا عابسا وقد أخذ يصب الشوربة بأذنيه. دخل أبي، التقط جبهة المرأة ثم فر بها. وصل إلى ميدان عام وأخذ يصيح "أخيرا! أخيرا! امتلكت جبهتي الخاصة! الآن ليس علي أن أعتمد على ابني الغبي هذا." ولقد أصابني هذا بالإحباط بالحلم، فأصررت بإلحاح أن أُقبل غسيل عمدة المدينة. (عندما وصل المريض في حكيه إلى هذه الواقعة، بدأ في البكاء حتى نسى بقية الحلم.)

وبسبب الأفكار التي وصل إليها فرويد من هذا الحلم، أستطاع أن يساعد ميترلينج وبناء عليه أصبحا أصدقاء خارج حقل التحليل النفسي رغم أن فرويد لم يدع ميترلينج أبدا يقف وراء ظهره خوفا من شيء ما.
أعلن ايزنبد أنه سيتناول في المجلد الثاني القوائم من 7 إلى 25 التي تتضمن السنوات التي استخدم فيها ميترلينج "امرأة لتغسل له ملابسه" وأيضا تتضمن سوء الفهم المثير للشفقة مع الرجل الصيني الذي تقع مغسلته بناصية الشارع.



[1]شاعر ألماني.
[2]محللة نفسية وهي ابنة سيجموند فرويد المحلل النفسي الشهير.
[3]مؤلف موسيقى وكاتب مسرحي ألماني.
[4]زوجة ريتشارد فاجنر وابنة المؤلف الموسيقي فرانتز ليست.
[5]كاتبة ومحللة نفسية روسية.
[6]فيلسوف ألماني.
[7]شراب عسل السكر.
[8]كاتب ألماني.
[9]كاتب تشيكي.

[10]في الأصل يكتب المؤلف كلمة (الأسوأ) بشكل خاطئ ليوصل لنا مفارقة وهي أنه رغم أن الأب يسخر من ابنه وينعته بالسيئ إلا أنه هو نفسه يخطئ في الكلام.

بهية/ أحمد فؤاد نجم

$
0
0




الليل جزاير جزاير
يمد البحر يفنيها
و الفجر شعلة ح تعلا و عمر الموج ما يطويها
و الشط باين مداين
عليها الشمس طوافة
ايدك في ايدنا
ساعدنا
دي مهما الموجة تتعافى
بالعزم ساعة جماعة
و بالأنصاف نخطيها

***
مصر يا امّة يا سفينة
مهما كان البحر عاتي
فلاحينيك ملاحينيك
يزعقوا للريح يواتي
اللي ع الدفة صنايعي
و اللي ع المجداف زناتي
و اللي فوق الصاري كاتب
كل ماضي و كل آتي
عقدتين و التالته تابتة
تركبي الموجة العفية 
توصلي بر السلامة
معجبانية و صبية.. يا بهية

***
و يعود كلامنا في سلامنا يطوف ع الصحبة حلواني
عصفور محني يغني
على الأفراح ومن تاني
يرمي الغناوي تقاوي
تبوس الأرض
تتحنى
تفرح
و تطرح
و تسرح
و ترجع تاني تتغنى
اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني







أحمد فؤاد نجم


1969م 

الظل والصليب - صلاح عبد الصبور

$
0
0


هذا زمان السأم
نفخ الأراجيل سأم
دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل ..
سأم
لا عمق للألم
لأنه كالزيت فوق صفحة السأم
لا طعم للندم
لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة ..
… ويهبط السأم
يغسلهم من رأسهم إلى القدم
طهارة بيضاء تنبت القبور في مغاور الندم
نفن فيها جثث الأفكار و الأحزان ، من ترابها ..
يقوم هيكل الإنسان
إنسان هذا العصر و الأوان
(أنا رجعت من بحار الفكر دون فكر
قابلني الفكر ، ولكني رجعت دون فكر
أنا رجعت من بحار الموت دون موت
حين أتاني الموت، لم يجد لديّ ما يميته،
وعدت دون موت
أنا الذي أحيا بلا أبعاد
أنا الذي أحيا بلا آماد
أنا الذي أحيا بلا ظل .. ولا صليب
الظل لص يسرق السعادة
ومن يعش بظله يمشي إلى الصليب، في نهاية الطريق
يصلبه حزنه، تسمل عيناه بلا بريق
يا شجر الصفصاف : إن ألف غصن من غصونك الكثيفه
تنبت في الصحراء لو سكبت دمعتين
تصلبني يا شجر الصفصاف لو فكرت
تصلبني يا شجر الصفصاف لو ذكرت
تصلبني يا شجر الصفصاف لو حملت ظلي فوق كتفي، وانطلقت
و انكسرت
أو انتصرت
إنسان هذا العصر سيد الحياه
لأنه يعيشها سأم
يزني بها سأم
يموتها سأم
2
قلتم لي :
لا تدسس أنفك فيما يعني جارك
لكني أسألكم أن تعطوني أنفي
وجهي في مرآتي مجدوع الأنف
3
ملاحنا ينتف شعر الذقن في جنون
يدعو اله النقمة المجنون أن يلين قلبه، ولا يلين
(ينشده أبناءه و أهله الأدنين، و الوسادة التي لوى عليها فخذ زوجه، أولدها محمداً وأحمداً وسيدا
وخضرة البكر التي لم يفترع حجابها انس ولا شيطان)
(يدعو اله النعمة الأمين أن يرعاه حتى يقضي الصلاة،
حتى يؤتى الزكاة، حتى ينحر القربان، حتى يبتني بحر ماله كنيسة ومسجداً وخان)
للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان
ملاحنا يلوي أصابعاً خطاطيف على المجداف و السكان
ملاحنا هوى إلى قاع السفين ، واستكان
وجاش بالبكا بلا دمع .. بلا لسان
ملاحنا مات قبيل الموت، حين ودع الأصحاب
.. والأحباب و الزمان و المكان
عادت إلى قمقمها حياته، وانكمشت أعضاؤه، ومال
ومد جسمه على خط الزوال
يا شيخنا الملاح ..
.. قلبك الجريء كان ثابتاً فما له استطير
أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحو المشرق البعيد
ثم قال :
- هذي جبال الملح و القصدير
فكل مركب تجيئها تدور
تحطمها الصخور
وانكبتا .. ندنو من المحظور، لن يفلتنا المحظور
- هذي إذن جبال الملح و القصدير
وافرحا .. نعيش في مشارف المحظور
نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير و التوقع المرير
وبعد آلاف الليالي من زماننا الضرير
مضت ثقيلات الخطى على عصا التدبر البصير
ملاحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نلامس الجبل
وطار قلبه من الوجل
كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم
حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحو القاع
ولم يعش لينتصر
ولم يعش لينهزم
ملاح هذا العصر سيد البحار
لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم
لأنه يموت قبل أن يصارع التيار
4
هذا زمن الحق الضائع
لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك!

الطيب والشرس والسياسي

$
0
0



"امرأتي المثالية الألمانية" هو اللقب الذي أطلقه هتلر على ليني ريفنشتال المخرجة الألمانية التي قامت بإخراج خمسة أفلام تسجيلية عن الحقبة النازية بألمانيا. وأهمها فيلما انتصار الإرادة والأولمبياد والأخير في جزئين (عيد الشعب وعيد الجمال). وقد اتسمت هذه الأفلام بعدم السعي وراء الحيادية التي تميز الأفلام التسجيلية، فانتقلت بذلك إلى خانة الأفلام الدعائية الموجهة التي تريد تمجيد مرحلة ونظام معين بشكل عام وهو النظام النازي الديكتاتوري وشخص محدد بشكل خاص وهو هتلر.
يعرض هذه الآونة الفيلم التسجيلي "التحرير 2011 – الطيب والشرس والسياسي" الذي يتكون من ثلاثة أجزاء لثلاثة مخرجين مختلفين، ومع ذلك يتناول الفيلم موضوع واحد من ثلاثة وجهات مختلفة وهو موضوع ثورة 25 يناير.
الجزء الأول: الطيب إخراج تامر عزت يتناول الثورة من جهة الشعب. والثاني: الشرس إخراج آيتن أمين يتناولها من جهة الشرطة. أما الأخير: السياسي إخراج عمرو سلامة فيتناولها من جهة الرئيس السابق حسني مبارك.
استدعيت ليني ريفنشتال عند مشاهدتي فيلم "الطيب والشرس والسياسي"، خاصة بسبب عدم السعي وراء الحيادية، فيقول مثلا أحد ضيوف الجزء الأول من فيلم "الطيب والشرس والسياسي"، وهو مصور فوتوغرافي، أنه عندما سئل لماذا لم يستطلع آراء مناصري مبارك أثناء موقعة الجمل، كان رده أنه لم يحتاج لذلك بسبب تأكده أنهم بلطجية مأجورين. هنا يظهر التخلي عن الموضوعية من أجل الإعلاء من ثوار التحرير وبالتالي ثورة 25 يناير مع نفي أن الآخر له آراء ودوافع فعلية، فحتى لو كانوا بلطجية فكان على المخرج محاولة نقل الصورة من الجانبين وليس من جانب واحد تحول إلى دعاية موجَهة وموجِهة لجهة تمثل الثورة. أيضا نجد في الجزء الثالث شكل آخر من أشكال عدم السعي وراء الحيادية وهو طريقة سرد الفيلم شديدة السخرية من السياسي/ الديكتاتور بواسطة الرسوم المتحركة والتي تعتمد على منهج إعلاني - تنموي بشري؛ وهي: كيف تصبح ديكتاتورا في عشر خطوات؟ فأخرج لنا الرئيس السابق كشخص مختل عقليا بدون أن يحاول مجرد محاولة رصد الرأي الآخر وتقديمه وبالتالي أخذ الفيلم منحنى دعائي موجَه ضد الرئيس السابق.
نجد المفارقة في أن أكثر المخرجين الثلاثة سعيا وراء الحيادية هي آيتن أمين مخرجة الجزء الثاني الذي يتحدث عن الشرطة فلقد قامت بالفعل بنقل كلا الرأيين من داخل ومن خارج مؤسسة الشرطة، الذي ضد ممارسات الشرطة العنيفة والفاسدة والذي مع هذه الممارسات. أيضا قامت بإشراك المشاهد معها في التقييم، فهي تطرح والمشاهد يختار ما يقتنع به بخلاف المخرجين الآخرين اللذين قدما للمشاهد صورة تحمل آراءهما فقط بلا قبول للآخر ورأيه. وبذلك نجحت آيتن أمين في تلافي أخطاء جدتها ليفي ريفنشتال التي تعتبر من رواد العمل النسائي بالسينما، بينما سقط تامر عزت وعمرو سلامة في شَرك العصبية الديكتاتورية الموجَهة التي ينتقداها بفيلميهما.
من جهة أخرى، لم يوفق المونتير في خلق إيقاع واحد للأفلام الثلاثة مجتمعة، أيضا ومن وجهة نظري لم يوفق المخرجون في اختيار إيقاع مناسب لكل فيلم من الأفلام على حدا. فلقد بدأ الجزأين الأول والثاني بإيقاع سريع ثم أخذ يهدأ رويدا رويدا. وهو ما لا يناسب أحداث الثورة المتلاحقة من جهة الشعب الثائر ومن جهة الشرطة الهائجة خاصة مع سرعة أحداث الثورة، فمنذ اندلاع الثورة ظهر يوم 25 يناير 2011 حتى يومنا هذا تتلاحق وتتسارع الأحداث المختلفة والمتباينة والمفاجئة حتى أن المرء ليلهث من مجرد محاولته متابعتها واللحاق بها. أما عن الفيلم الثالث فاختار مخرجه أن يقدم إيقاع سريعا جدا يتناسب مع منهجه الإعلاني/ تنموي البشري، لكنه لا يتناسب بالمرة مع الشخصية التي يتحدث عنها وهو حسني مبارك بكل قراراته وطريقة أداءه البطيئة الباردة العقيمة.
فيلم "الطيب والشرس والسياسي" هو أول فيلم تسجيلي يعرض بدور العرض التجارية، إذا استثنينا النشرات الإخبارية المصورة أثناء الحرب العالمية الثانية وفيلم مايكل مور الأمريكي "فهرنهايت 9/11". ولذلك فهو تجربة تستحق التقدير والتشجيع خاصة أنه فيلم جيد صنعه شباب موهوب ينبئ أن المخرجين الذين ظهرت أفلامهم الأولى قبيل الثورة ببضعة سنوات يستطيعون تقديم أفلاما تنهض بالسينما المصرية بشقيها التسجيلي والروائي لتأخذ مكانها الذي تستحقه بين السينمات العالمية. فهنيئا للسينما.
محمد سيد عبد الرحيم

العُلْجُوم والسرطان

$
0
0


قالَ ابنُ آوي: زَعَموا أنَّ عُلجُومًا عَشَّشَ في أجَمَةٍ كثيرَةِ السَّمَكِ. فكانَ يختلِفُ إلي ما فيها مِنَ السَّمَكِ فيأكُلُ منه. فعاشَ بها ما عاشَ ثم هَرِمَ فلم يستَطِعْ صَيدًا فأصابَهُ جوعٌ وجَهدٌ شديدٌ. فجَلَسَ حزينًا يَلتَمِسُ الحِيلَةَ في أمرِهِ. فمَرَّ به سَرطانٌ فرأي حالتَهُ وما هو عليه مِنَ الكآبَةِ والحُزنِ. فدَنا منه وقالَ له: ما لي أراكَ أيُّها الطَّائِرُ هكذا حزينًا كَئيبًا?
قالَ العُلجومُ: وكيفَ لا أحزَنُ وقد كنتُ أعيشُ من صَيدِ ما ههُنا مِنَ السَّمَكِ، وإني رأيتُ اليومَ صَيَّادَينِ قد مَرَّا بهذا المكانِ فقالَ أحدُهُما لصاحِبهِ: إنَّ ههُنا سَمَكًا كثيرًا أفَلا نَصيدُهُ أَوَّلاً? فقالَ الآخرُ: إني قد رأيتُ في مكانِ كَذَا سَمَكًا أكثَرَ من هذا السَّمَكِ، فلنَبدأ بذلك فإذا فَرَغنا منه جِئنا إلي هذا فأفَنيناهُ. وقد عَلِمتُ أنَّهُما إذا فَرَغا ممَّا ثَمَّ  انتَهيَا إلي هذه الأجَمَةِ فاصطادا ما فيها. فإذا كانَ ذلك فهو هلاكي ونَفادُ مُدَّتي
فانطَلَقَ السَّرَطانُ إلي جَماعَةِ السَّمَكِ فأخبَرَهُنَّ بذلك. فأقبَلْنَ علي العُلجُومِ فاستَشَرنَهُ وقُلنَ له: إنَّا أتَيناكَ لتُشيرَ علينا، فإنَّ ذا العَقلِ لا يَدَعُ مُشاوَرَةَ عَدُوِّهِ، وبقاؤُكَ ببقائِنا. قالَ العُلجومُ: أمَّا مُكابَرَةُ الصَّيَّادَينِ فلا طاقَةَ لي بها. ولا أعلَمُ حِيلَةً إلاَّ المَصيرَ إلي غَديرٍ قريبٍ من هنا فيه سَمَكٌ ومياهٌ كثيرَةٌ وقَصَبٌ. فإن استَطَعتُنَّ الانتِقالَ إليه كانَ فيه صَلاحُكُنَّ وخِصبُكُنَّ  .
فقُلنَ له: ما يَمُنُّ علينا بذلك غيرُكَ. فجَعَلَ العُلجومُ يَحمِلُ في كلِّ يومٍ سَمَكَتَينِ حتي ينتهي بهما إلي بعضِ التِّلالِ فيأكُلُهُما. حتي إذا كانَ ذاتَ يومٍ جاء لأخذِ السَّمَكَتَينِ فجاءهُ السَّرَطانُ فقالَ له: إني أيضًا قد أشفَقتُ  من مكاني هذا واستَوحَشتُ منه، فاذهَبْ بي إلي ذلك الغَديرِ. فقالَ له: حُبًّا وكرامَةً. واحتَمَلَهُ وطارَ به، حتي إذا دَنا مِنَ التَّلِّ الذي كانَ يأكُلُ السَّمَكَ فيه نَظَرَ السَّرَطانُ فرأي عِظامَ السَّمَكِ مجموعَةً هنَاكَ فعَلِمَ أنَّ العُلجومَ هو صاحِبُها وأنَّه يُريدُ به مثلَ ذلك. فقالَ في نفسِهِ: إذا لَقِيَ الرجلُ عَدُوَّهُ في المَواطِنِ التي يَعلَمُ أنَّهُ فيها هالِكٌ سَواءٌ قاتَلَ أم لم يُقاتِلْ كانَ حَقيقًا أن يُقاتِلَ عن نفسِهِ كَرَمًا وحِفاظًا، ولا يُمَكِّنَهُ من نفسِهِ حتي يَستَفرِغَ ما عندَهُ مِنَ الحِيلَةِ في قِتالِهِ. لأنَّه قد بَني أمرَهُ علي التَّلَفِ فلعلَّ خَلاصَهُ في ذلك القِتالِ، والهَلاكُ واقِعٌ به كيفَ كانَ. فلم يَزَلْ يَحتالُ علي العُلجومِ حتي تَمَكَّنَ من عُنُقِهِ فأهوي بكَلبَتَيهِ  عليها فعَصَرَها فماتَ وتخلَّصَ السَّرَطانُ إلي جماعَةِ السَّمَكِ فأخبَرَهُنَّ بذلك.

عن التَّصوّف/ فضل الله خيري

$
0
0


ترجمة محمد سيد عبد الرحيم




استخدم مصطلح (التَّصوّف) على مرّ العصور باستفاضة وبمعانٍ عدّة. ويتكون جذر كلمة (تَّصوّف) من ثلاثة أحرف عربيَّة؛ هى: (ص و ف). وثمّة العديد من الآراء يتم تناقلها حول سبب تكوّن هذه الكلمة من الأصل (ص و ف)؛ فبعضهم يقول أنّها مشتقّة من (صفاء)، بينما آخرين يقولون أنّها اشتقّت من الكلمة العربية (صفوة)؛ أي الذين تم اختيارهم، وهذا المعنى الأخير كثيرًا ما يُشار إليه في الأدب الصوفي، والبعض الآخر يدّعي أنّ الكلمة قد اشتُقّت من كلمة (صف)، نسبة إلى المسلمين الأوائل الذين كانوا يقفون في الصفوف الأماميّة من الصلاة أو أثناء الابتهالات أو الغزوات، هناك أيضًا من يدّعي أنّها مشتقّة من كلمة (صفة)؛ وهي شرفة طينيّة مرتفعة قليلا عن الأرض خارج مسجد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالمدينة، حيث غالبًا ما كان يجلس فوقها الفقراء وطيبو القلب، البعض الآخر افترض أنّ أصلها جاء من كلمة (صوف)؛ وهذا يدلّل على أنّ مَنْ كانوا مهتمّين بالمعرفة الباطنيّة كانوا أيضًا غير مهتمين بمظهرهم الخارجي، وغالبًا ما كانوا يلبسون ثوبًا صوفيًّا واحدًا بسيطًا طوال العام.
أي كان أصل المصطلح؛ فقد أجمع العلماء على أنّه يُشير إلى هؤلاء الراغبين في الوصول إلى المعرفة الباطنيّة، هؤلاء الراغبين في العثور على طريق أو مران لإيقاظ الباطن وتنويره.
من الأهمية بمكان أن نلاحظ أنّ هذا المصطلح لم يُستخدم خلال القرنين الأولين من الإسلام، فكثير من نقّاد المتصوّفة أو أعدائهم يذكّروننا بأنّ هذا المصطلح لم يُسمع خلال حياة محمد -صلّى الله عليه وسلّم- أو مَنْ عاشوا بعده أو مَنْ عاشوا بعدهم.
علي أيّة حال، فخلال القرنين الثاني والثالث بعد مجيء الإسلام -عام 622- بدأ البعض يُطلق على نفسه مصطلح (المتصوّفة)، أو يستخدمون مصطلحات شبيهة تتعلق بالصوفيّة، حيث تبيّن أنّهم يتبعون طريق تصفية النّفس، وتصفية القلب، وتحسين خصالهم الشخصيّة والسلوكيّة كي يبلغوا مبلغ هؤلاء الذين يعبدون الله وكأنّهم يرونه، مدركين أنّه -رغم أنّهم لا يرونه- فهو يراهم، وهذا ما يعنيهمصطلح التصوّف الذي امتد طوال عصور الإسلام حتى الآن.
أورد هنا بعض تعريفات كبار المتصوّفة للتصوّف:
يجد الإمام الجنيد البغدادي (ت910) أنّ التصوّف هو: "إتيان مكارم الأخلاق، وتجنّب سفسافها"، أمّا الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ت1258) -وهو من المتصوفة الكبار بشمال أفريقيا- فيجد أنّ التصوف هو: "تمرين النّفس بالعبادة لإرجاعها إلى طريق الله عزّ وجلّ"، والشيخ أحمد زوروق المغربي (ت1494) يجد أنّ التّصوف هو: "العلم الذي عن طريقه تستطيع أن تضع القلبفي موضعه كليًّا لله تعالى، باستخدام معرفتك لطريق الإسلام، خاصة بإقامة الشرائع والإلمام بالمعارف المتعلّقة بها؛ من أجل تحسين أعمالك والالتزام بحدود الإسلام لتنكشف لك الحكمة".
وأضاف: "إنّ أساسها معرفة الواحد، وتحتاج بعد ذلك إلى حلاوة الثّقة واليقين، وإلا فلن تكون قادرًا أن تُحقق شفاء القلب".
أمّا الشيخ ابن عجيبة (ت1809)، فيقول:
"التصوّف علم يعرّفك كيف تسلك لتصير بحضرة الله الحاضر دومًا، عن طريق تصفية باطنك بالأعمال الصالحة، إنّ طريق التصوّف يبدأ بالعلم وينتهي بالعطايا الإلهيّة، ويمتلئ بالأعمال الصالحة".
قال الشيخ السيوطي: "المتصوّف هو الذي يستمر في الصفاء مع الله، وبالصفات الحسنة مع الخلق".
توجد الكثير من المقولات المتناقلة والمكتوبة عن التصوف كهذه المقولة السابق ذكرها، وبالتالي نستنتج أنّ أسس التصوّف هي صفاء القلب ووقايته من أيّ حزن، وأن ناتج هذا هو العلاقة المتناغمة والحقيقيّة بين الإنسان وخالقه؛ لذا فالمتصوف هو الشخص الذي قدّره الله أن يُصفّي قلبه وأن يؤسّس هذه العلاقة معه ومع خلقه بالسير في طريق الحق، وأفضل مثال على ذلك هو محمد صلّى الله عليه وسلّم.
إنّ التصوّف مؤسَّس في التراث التقليدي للإسلام على الاحترام، فهو يؤدي إلى الاحترام والوعي الكلّي، فالاحترام يبدأ من الخارج، فالصوفيّ الحقيقي يُمارس الطهارةَ الظاهريَّة، وأيضًا يظلّ متّبعًا للأوامر والنواهي التي وضعها الله، فطريق التصوّف يبدأ بإتباع شرائع الإسلام التي تعني طريق الطاعة لله؛ لذلك يبدأ المتصوّفُ باكتسابَ معرفة الشعائر الظاهريَّة من أجل تطوير وتنمية وإحياء حالة يقظته الباطنية.
من الخطأ أن نظنّ أنّ المتصوّف قادر على تذوّق ثمار التصوّف -النور الباطني واليقين ومعرفة الله- بدون أن يُحافظ على (الصدفة) الظاهريّة التي تحميه، والتي تتأسس على  الالتزام بالشرائع، وهذا السلوك الظاهري الحق -السلوك البدنيّ- يتأسّس على الدعاء والصلاة، وأيضًا على كل الشعائر التي تعتمد عليها العبادة التي أرساها محمد -صلّى الله عليه وسلم- من أجل تحقيق يقظة القلب، وبعدها يستطيع المرء أن يصل إلى الصفاء، متدرّجًا من نوايا المرء السابقة إلى المطامح العليا، ومن مخابرة الطمع والغرور إلى التواضع والرضا، ويحتاج هذا الفعل الباطني إلى أن يستمر في احتوائه والحفاظ عليه في حالة باطنيّة جيدة.

نظرة على الجريمة المنظمة/ وودي آلان

$
0
0

وودي آلان
ترجمة 
محمد سيد عبد الرحيم



ليس سرا يذاع لأول مرة أن أخبركم أن الجريمة المنظمة بالولايات المتحدة الأمريكية تربح سنويا أكثر من أربعين مليار دولار. هذا المبلغ هو بالتقريب إجمالي المكسب فقط، وستزداد دهشتكم عندما أخبركم أن المافيا تنفق أقل القليل على تجهيزات مكتب أعمالها. تفيد مصادر موثوق بها أن كوسا نوسترا[1]قد أنفقت العام الفائت أقل من ستة آلاف دولار على الأدوات المكتبية الخاصة، أيضا أنفقت مبلغا أقل على وجبات العاملين. وفوق ذلك، يستخدمون سكرتيرة واحدة فقط لتقوم بكل أعمالهم  المكتبية، ولديهم ثلاثة غرف صغيرة فقط كمركز رئيسي لأعمالهم ناهيك عن أنهم يقتسمونها مع ستوديو فريد برسكاي للرقص.
كانت الجريمة المنظمة مسئولة في العام الماضي عن أكثر من مئة حادثة قتل، ولقد كان نصيب المافيا[2]منها، بشكل غير مباشر، عدة مئات عبر إقراض القاتلين أجرة الركوب أو الحفاظ على معاطفهم بينما يقومون بالمهمة. تعلقت نشاطات محظورة أخرى بأعضاء الكوسا نوسترا ومنها المقامرة وتجارة المخدرات والدعارة وخطف الأفراد والربا ونقل السمك الأبيض عبر الحدود لأغراض غير أخلاقية. ولقد وصلت أيادي هذه الإمبراطورية الفاسدة إلى الحكومة نفسها. فمنذ بضعة أشهر، قضى اثنين من زعماء العصابات الموضوعين تحت المراقبة الفيدرالية ليلة كاملة في البيت الأبيض؛ نام على الكنبة أثناءها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

تاريخ الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية

بدأ توماس كوفيلو (المشهور بالجزار) وسيرو سانتوسي (المشهور بالترزي) عام 1921 في تنظيم مجموعات عرقية مختلفة من عالم الجريمة وهكذا استطاعوا أن يسيطروا على ولاية شيكاغو. ولكن خططتهم أحبطت حينما اغتال البرت كوريلو (المشهور بالوضعي المنطقي[3]) الفتى ليبسكاي عندما حبسه في خزانة ملابس وبدأ في امتصاص الهواء منها بواسطة ماصة. انتقم مندي أخو ليبسكاي (المشهور بمندي لويس، المشهور بمندي لارسن، المشهور بمندي المشهور) من البرت كوريلو عندما خطف جايتانو أخو سانتوشي (يعرف جايتانو أيضا بتوني الصغير أو الحاخام هنري شاربستين) وأعاده بعد عدة أسابيع في سبعة وعشرين برطمانا مختلفا. وقد كانت تلك الحادثة بداية حمام الدم.
أطلق دومنيك ميون (المشهور بعالِم الزواحف) النار على لورنزو المحظوظ (أطلق عليه هذا الاسم عندما فشلت قنبلة مزروعة في قبعته أن تقتله) خارج حانة بشيكاغو. في تلك الآونة، قامت عصابة فيتال التي يقودها جوسبي فيتال (اسمه الحقيقي هو كونسي بيديكر) بالسيطرة على تجارة الخمور المحظورة في حي هارلم بعد أن أقصت منها لاري دويل الايرلندي – وهو شخص انتهازي وشديد الارتياب حتى أنه يمنع أي شخص بنيويورك كلها أن يقف وراءه، ولهذا السبب تراه دائم الدوران حول نفسه وهو يسير بالشارع. قُتل دويل عندما قررت شركة سكويلانت للتعمير أن تبني مكاتبها بمنطقة نفوذه. فأخذ مكانه مساعده بيتي روز الصغير (المشهور ببيتي روز الكبير)؛ قاوم سيطرة الفيتال ودعاهم للذهاب إلى جراج فارغ بوسط المدينة مدعيا أنه قد أقام لهم حفلة تنكرية. لم يكن فيتال يتوقع أي شر لذا دخل إلى الجراج متنكرا في صورة فأر ضخم ولكنه تحول إلى غربال فجأة من قبل رصاص رشاش آلي. وبسبب ولاءهم التام لزعيمهم المسلوخ، تحول جميع رجال فيتال ليعملوا تحت أمرة روز. وقد فعلت بالمثل خطيبة فيتال بيا موريتي، وهي فتاة استعراض ونجمة في عرض برودواي الموسيقي الذي يدعى أتلوا إحدى الصلوات، حيث أصبحت زوجة روز إلا أنها، وبعد آونة قصيرة، قد رفعت عليه قضية طلاق متهمة إياه أنه قد كب عليها في إحدى المرات مرهما بشعا.
وخوفا من التدخل الفيدرالي، استدعى فينسنت كولمبرارو الذي يعرف أيضا بملك توست الزبدة، كي يعقد هدنة بينهم. (يتحكم كولمبرارو تحكما تاما في كل سوق توست الزبدة المستوردة أو الموردة من لوس أنجلوس لدرجة أنه قادر أن يفسد وجبة إفطار ثلثي سكان الولايات المتحدة الأمريكية بكلمة واحدة منه.) دعا كل أعضاء عالم الجريمة يوما إلى حفل عشاء في بيرث امبوي حيث أخبرهم أن على الحرب الداخلية التي تحدث بينهم أن تتوقف وأن عليهم منذ تلك اللحظة أن يرتدوا ملابس ملائمة وأن يتوقف تسحبهم الدائم في الشوارع. أيضا يجب عليهم أن يوقعوا رسائلهم الرسمية بحبر أسود وأن تنص نهايته على "مع أطيب الأماني". ثم اخبرهم أن كل الولايات ستقسم بينهم بالتساوي باستثناء ولاية نيو جيرسي التي ستصبح من نصيب أمه. ومنذ هذه الليلة، ولدت المافيا أو الكوسا نوسترا (والتي تعني حرفيا "معجون أسناني" أو "معجون أسنانا"). بعدها بيومين، وضع كولمبرارو جسده في حوض استحمام مملوء بالماء الساخن كي يستحم ومن ها الحين وهو مفقود منذ ستة وأربعون عاما.

هيكل العصابة
تتأسس الكوسا نوسترا - كأي حكومة أو شركة كبيرة – من مجموعة من العصابات. في القمة يقع الكابو دي توتي كابي أو رئيس كل الرؤساء. تعقد كل الاجتماعات ببيته، وهو مسئول مسؤولية كاملة عن تقديم اللحوم الباردة ومكعبات الثلج. والفشل في القيام بتلك المهمة يعني موته الفوري. (وبالمناسبة، فالموت من أسوأ ما يمكن أن يحدث لعضو من أعضاء كوسا نوسترا، لذا يفضل الكثير منهم أن يدفعوا كفالة بدلا من مواجهة الموت.) ويقع تحت رئيس الرؤساء مباشرة مساعديه، كل واحد فيهم يدير هو و"عائلته" إحدى المقاطعات بالمدينة. لا تتكون عائلات المافيا من زوجة وأطفال يريدون الذهاب دائما إلى أماكن مثل السيرك أو لنزهات ترفيهية. هم بالأحرى مجموعات من الرجال الجادين جدا والذين يستمتعون أيما استمتاع عندما يرون كم من الوقت يستطيع أشخاص معينين أن يبقوا تحت الماء بنهر الإيست قبل أن يبدأوا في البقبقة.
الانضمام إلى المافيا هو شيء معقد جدا. فالعضو المرشح للانضمام عليه أن يضع عصابة للعينين وأن يساق إلى غرفة مظلمة. أيضا توضع قطع من شمامة كرانشو بجيوبه، وعليه أيضا أن يحجل على قدم واحدة صارخا "تودال[4]! تودال!" بعدها، تشد شفته السفلي فينهشها كل أعضاء المجلس أو اللجنة؛ وقد يرغب بعضهم في نهش شفته السفلى أكثر من مرة للتأكد. بعدها، يوضع بعض الشوفان على رأسه. وإذا اشتكى، يستبعد في الحال. لكن إذا رد قائلا "رائع أني أحب الشوفان على رأسي"، فيتم الترحيب به فورا كعضو قي المافيا. ويتم إظهار ذلك بتقبيله على خده ومصافحته. ومن هذه اللحظة، فهو ممنوع من أكل صلصة التوابل أو أن يسلى أصدقاءه مقلدا دجاجة، أو أن يقتل أي شخص يدعى فيتو.

الخلاصة
الجريمة المنظمة آفة بلادنا. يستدرج الكثير من الشباب الأمريكيين إلى عالم الجريمة عن طريق وعدهم بحياة سهلة، إلا أنهم لا يلقون ما وعدوا به، فعلى معظم المجرمين أن يعملوا لساعات طويلة في بنايات غير مكيفة. أيضا نستنبط مما فات أنه من السهل على أي شخص التعرف على المجرمين. إما بسبب القيود التي بأيديهم أو بسبب فشلهم في أن يتوقفوا عن الأكل عندما يضرب الشخص الجالس بجانبهم بسندان. أما عن أفضل الطرق لقتل الجريمة المنظمة فهي:
1-   أن تخبر المجرمين أنك لست موجودا بالبيت.
2-   أن تستدعي الشرطة عندما تجد مجموعة كبيرة من رجال شركة الغسيل الصقلية يغنون بطرقة منزلك.
3-   التصنت على مكالمات الهاتف.
4-   لا يمكن استخدام التصنت على مكالمات الهاتف بلا تحديد، ولكي يتضح تأثيرها ها هي نسخة من محادثة بين رئيسين لعصابتين مختلفتين بمنطقة نيو يورك والتي كانت هواتفهم مراقبة من قبل الإف بي أي.

انتوني: ألو. ريكو معي؟
ريكو: ألو.
انتوني: ريكو معي؟
ريكو: ألو.
انتوني: ريكو معي؟
ريكو: لا أستطيع سماعك.
انتوني: ريكو معي. لا أستطيع سماعك.
ريكو: ماذا؟
انتوني: هل تستطيع سماعي؟
ريكو: ألو.
انتوني: ريكو معي؟
ريكو: لدينا عطل ما في الاتصال.
انتوني: هل تستطيع سماعي؟
ريكو: ألو.
انتوني: ريكو معي؟
ريكو: ألو.
انتوني: نداء إلى عامل السنترال. لدينا عطل في الاتصال.
عامل السنترال: أغلق الخط، وحاول مرة أخرى يا سيدي.
ريكو: ألو.

وبسبب هذه الواقعة، تمت إدانة انتوني روتونو (المشهور بالسمكة) وريكو بانزيني وهما الآن مودعان بسجن سينج سينج لمدة خمسة عشر عاما لحيازة غير قانونية لبنسونهورست[5].


[1]Cosa nostra: الاسم الإيطالي للمافيا وتعني بالإيطالية "ما يجمعنا". ولقد أطلقت الصحافة الإيطالية هذا الاسم على المافيا حتى تستطيع أن تفرق بينها وبين منظمات الجرائم المنظمة الأخرى.
[2]ذكرت في النص الأصلي بالإيطالية.
[3]مذهب فلسفي.
[4]إحدى شخصيات سلسلة توم وجيري.
[5]منطقة بجنوب غرب نيو يورك، يطلق عليها إيطاليا الصغرى لأنها كانت مأوى للمافيا وحتى الآن يسكن بها الكثير من الأمريكيين ذوي الأصول الإيطالية.

الفانلة الجديدة

$
0
0



ابتاعت لولدها فانلة نادي الزمالك بدلا من فانلة نادي الأهلي التي كان يحلم بها. نبذها لفترة طويلة ثم بدأ يرتديها داخل البيت؛ لكنه ما لبث أن توقف عن مسها. فشكته لأبيه فرد عليها أنها لم تضع خيارا بالسلطة فجاوبته بأن الخيار غال كفانلة الأهلي ثم ختمت حديثها مؤنبة إياه على منظر الثلاجة التي امتلأت بزجاجات الخمر المملوءة بعينات بول ودماء الحيوانات التي يجري أبحاثه عليها. وعندما لم تحصل منه على جواب بسبب استغراقه بمتابعة أخبار الأخطبوط بول، أخذت الفانلة فاستخدمتها كسدادة للبالوعة التي انكسر غطائها حينما كانت تلقي فيها بتفل الشاي.
محمد سيد عبد الرحيم

عن الرجال الذين لا يمكن قتلهم

$
0
0



رأيت نجيب محفوظ. كان يجلس فوق جريدة الأهرام مرتديا بدلة وقابضا بشفتيه سيجارة وبيده فنجان قهوة، يرشف منه كل بضعة ثوان. عيناه واسعتان مملوءتان بالفرحة والشجن وهو يشاهد مظاهرة التحرير. لوحت بيدي المتشبثة بحجر جهته منبها لوجوده. أحاطوا به، رفعوه على الأعناق. وعندما لم يغني معهم، طرحوه على تهوية أنفاق المترو. فطارت قبعته فأخذ يركض وراءها حتى خرجت من تخوم الميدان، حتى خرج من تخوم الميدان، حتى هوت بالوادي، حتى هوى بالوادي. فجرفهما التيار ليأخذه إلى أعماق النهر حيث رجل أحمر الوجه يرتدى التاج المزدوج جالس فوق عرش مرصع بنجوم ذهبية ويتشكل ظهره من جناحي نسر، يبتسم الرجل بهدوء وهو يلحظ اقتراب نجيب منه أكثر فأكثر بلا قصد. تمسك أربعة قطط بيضاء فجأة بأطراف نجيب ليمنعونه عن السيلان أقرب، وعندما يتركونه يبدأ جسده في الطفو فيجد أن سطح النيل مملوء عن آخره بكتب طافية تقف عليها طيور متباينة الأشكال والأحجام تحمل بمناقيرها حجارة دقيقة. يجرفه التيار مرة أخرى إلى القرافة حيث مظاهرة أكبر من مظاهرة التحرير. تغيرت ملابسه فأرتدى بنطلون جينز وتي شيرت الأهلي بدلا من البدلة الصيفية. طرح نفسه وسط الجماهير، فأخذ يسلم عليه ويحتضنه الكثير من الناس حالقي الشعر ومكحلو العيون والذين يرتدون رجالا ونساء ثيابا سوداء كثيابي. بدأ في الهتاف مع المحيطين به على أنغام الفرقة العسكرية بكشك الموسيقى وهو يحاول التملص منهم كي يصل إلى مركز المظاهرة، إلى المركز الذي يتحلق حوله الناس، إلى سعد زغلول الذي كان يرتدي رداء أزرقا مرسلا ويغير لطفلين توأمين كفولتهما والذي عندما رآه نجيب ركع على رداءه ثم نام فوقه نومة الجنين. تحسس الزعيم الإعلانات البارزة التي تملأ ظهر ووجه تي شيرت نجيب ثم قص رداءه تاركا نجيبا الذي انتفخت بطنه فوق قطعة صغيرة من رداءه متجها إلى ضريحه الذي كانت تظله الطيور.
محمد سيد عبد الرحيم

مذكرات شميد/ وودي آلان

$
0
0

وودي آلان 
ترجمة 
محمد سيد عبد الرحيم



مرة أخرى، يفيض علينا نبع أدب الإمبراطورية الثالثة الذي يبدو أنه لا ينضب ولا يخمد. وفي هذه المرة يطل علينا عبر مذكرات فريدريش شميد التي ستنشر في القريب العاجل. قام شميد، وهو أشهر حلاق بألمانيا أثناء الحرب، بخدمة هتلر والكثير من رجال الحكومة والجيش ذوي النفوذ والمكانة العالية. وكما لوحظ خلال محاكمات نورمبرج، كان شميد دائم التواجد في الأمكنة المناسبة وأيضا كان يمتلك "ذاكرة قوية" ولذا كان مؤهلا تماما لكتابة هذا الدليل القاطع والعميق عن ألمانيا النازية. وفيما يلي بعض المقتطفات الموجزة:
في ربيع 1940، وقفت سيارة مرسيدس أمام محل الحلاقة الذي املكه والكائن في 127 شارع كوينجستراس، نزل من هذه السيارة هتلر ودخل إلى محلي. قال "أريد أن أقص شعري قصة خفيفة، ولا تحاول أن تقص الكثير من الشعر أعلى الرأس". قلت له أن عليه أن ينتظر قليلا لأن فون ريبنتروب قد جاء قبله. فرد قائلا أنه في عجلة من أمره وطلب من ريبنتروب أن يأخذ دوره لكن ريبنتروب أصر على دوره قائلا أن الجميع سينظر للمكتب الأجنبي بنظرة دونية إذ ما تم تجاوز دوره. حينها قام هتلر بمكالمة تليفونية، فسرعان ما نقل ريبنتروب إلى الفيلق الأفريقي، حينها فقط استطاع هتلر أن يحصل على قصة الشعر التي يريدها. كانت تحدث مثل تلك المنافسات طوال الوقت. يوما، أبلغ جورينج الشرطة ببلاغ كاذب أدى إلى اعتقال هيدريتش حتى يستطيع أن ينال المقعد الذي بجانب النافذة. كان جورينج خليعا ولذا كان يفضل أن يجلس على الحصان الخشبي بينما أقوم بقص شعره. بالتأكيد قد أحرج ذلك القائد الأعلى للنازية لكنه لم يستطع أن يفعل أي شيء حيال ذلك. يوما، تحداه هيس قائلا "أريد الحصان الخشبي اليوم يا سيادة المشير".
رد عليه جورينج قائلا "مستحيل، لقد حجزت المقعد منذ الأمس". فقال له هيس "لدي أوامر مباشرة من المستشار تنص علي أن أجلس على الحصان بينما يقص الحلاق شعري". ثم أخرج خطابا من هتلر يثبت قوله. حينها تلون وجه جورينج باللون الشاحب، ولم يسامحه أبدا على ذلك الموقف وقد قال يوما أنه سيقص شعر زوجة هيس في مطبخها بالسلطانية. ضحك هتلر عندما سمع بذلك، لكن جوينج كان بالفعل جادا في قوله وكان مصمما على تنفيذ قوله لولا أن وزير الحربية قد رفض طلبه لاستعارة مقص يمزق به شعرها.
سؤلت يوما إذا كنت واعيا بالمشاكل الأخلاقية التي نتجت عن أفعالي. ومثلما قلت لهيئة المحكمة في نورنبرج، لم أكن أعرف أن هتلر نازيا. الحقيقة، أنني لسنوات عدة كنت أظن أنه يعمل في شركة التليفونات. وعندما أدركت أخيرا أنه وحش، كان الوقت قد فات لاتخاذ أي موقف، حيث كنت قد دفعت مقدما لشراء بعض الأثاثات. يوما، وقرب نهاية الحرب، فكرت أن أرخي فوطة الحلاقة قليلا حتى تسقط بعض الشعيرات الصغيرة من قفاه لأسفل ظهره لكنى تراجعت في آخر ثانية، بكل صراحة لم تأتيني الجرأة لفعل ذلك.
يوما في برشتيسجادن، فاجئني هتلر بسؤاله "كيف سأبدو إذ ما ربيت سوالفي؟" وحينما سمع سبير ذلك ضحك، فأحس هتلر بالإهانة. فأردف "أنا جاد في قولي هذا يا سيد سبير، أعتقد أني سأبدو في مظهر جيد إذ ما ربيت سوالفي". لحظتها، وافقه جورينج، هذا المهرج الخاضع لهتلر دوما، قائلا "المستشار بسوالف – يا لها من فكرة رائعة!" ورغم ذلك استمر سبير في عدم موافقته على تلك الفكرة. في الواقع، لقد كان سبير الوحيد الذي لديه الجرأة الكافية ليقول للمستشار أنه قد آن الأوان ليقص شعره. أردف سبير قائلا "بهرجة زائدة، إن السوالف هي الشيء الذي من الممكن أن أقرن به تشرشل". فأغتاظ هتلر من قوله هذا. وبدأ يتسأل هل ينوي تشرشل أن يربي سوالفه؟ وكم عدد السوالف التي ينوي تربيتها ومتى سيحدث ذلك؟ استدعى بعدها مباشرة هملر المسئول عن المخابرات. كان جورينج منزعجا من موقف سبير فهمس في أذنه "لماذا تعترض على قوله، هه؟ إذ ما أراد أن يربي سوالفه فليربي سوالفه. لا تتدخل." فنعت سبير، وهو دائما سريع الغلط، جورينج بالمنافق و"أنه كمثل بقايا مياه الفول على بذلة الجيش الألماني". فاقسم جورينج أنه سوف ينتقم منه، وكان يشاع أن جورنج قد أمر بوضع قوات S.S. (قوات الشرطة الخاصة النازية) تحت سرير فرنش سبير.
وصل هملر مذعورا. كان في وسط درس الرقص بنقر الحذاء على الأرض حينما رن الهاتف يستدعيه إلى برشتيسجادن. كان خائفا أن يكون الموضوع بخصوص خطأ في شحن حمولة سيارة بعدة آلاف من قبعات الاحتفالات المصنوعة على شكل مخروطي والتي وعد روميل أن يزوده بها لأجل الهجوم الذي سيشنه الشتاء التالي. (لم يكن هملر متعودا على الحضور إلى برشتيسجادن بسبب قصور في نظره حيث يظل هتلر يتفرج عليه وهو يرفع شوكة الطعام إلى وجهه محاولا أن يضع الطعام في مكان ما على خده). عرف هملر أن شيئا ما قد حدث لأن هتلر كان يدعوه بـ"الأزعر" وهي كلمة لا يناديه بها إلا إذا كان متضايقا من شيء ما. فجأة، استدار له المستشار وقال زاعقا "هل ينوي تشرشل أن يربي سوالفه؟"
أحمر وجه هملر ثم خرج من فمه صوت لا محدد.
ثم سكت قليلا ثم قال أنه يشاع أن تشرشل يفكر في تربية سوالفه لكنها أخبار غير مؤكدة. أما من جهة الحجم والعدد، فمن المحتمل أن يربي سالفين متوسطي الحجم، لكن لا أستطيع تأكيد هذه المعلومات حتى تصلني أخبارا مؤكدة. صرخ هتلر مغتاظا وهو يخبط المائدة بقبضة يده. (كان هذا انتصارا لجورينج على سبير). بعدها بقليل اخرج هتلر خريطة وأخذ يشرح لنا كيف يريد أن يقطع مئونة الفوط الساخنة عن انجلترا، حيث يستطيع دوينتز عن طريق محاصرة مضيق الدردنيل أن يمنع الفوط من الوصول إلى الشاطئ حيث ستعبر أمام وجوه البريطانيين المنتظرة القلقة. لكن يظل السؤال الأساسي مطروحا: هل يستطيع هتلر أن يهزم تشرشل في ميدان السوالف؟ قال هملر أن تشرشل له الأسبقية وأنه من المستحيل أن نلاحقه في السوالف. رد جورينج - المتفائل ببلاهة - أن المستشار يستطيع بالتأكيد أن يربي سوالف أسرع من تشرشل خاصة إذ ما ركزنا كل القوة الألمانية لإنجاز تلك المهمة. قال السيد رندستيدت في اجتماع الهيئة العامة أنه من الخطأ أن نحاول أن نربي سالفين في نفس الوقت ونصح قائلا أنه من الحكمة أن نركز القوى على تربية سالف واحد فقط. فرد هتلر على دعواه تلك قائلا أنه يستطيع أن يربي سالفين على خديه في نفس الوقت. ضم روميل رأيه إلى رأي رندستيدت. قائلا "لن ينمو أبدا بنفس الطول يا سيادة المستشار خاصة إذا كنت تستعجل نموهم." استشاط هتلر غضبا ثم انهي قوله بأن هذه المسألة تخصه هو وحلاقه وحدهما. وعد سبير أنه سيضاعف من إنتاج كريم الحلاقة قبل الخريف القادم، فابتهج هتلر من سماع ذلك. بعدها، قام الروس في شتاء 1942 بهجوم مضاد فتوقف مؤقتا أمر السوالف. اكتئب هتلر بسبب خوفه أن تشرشل سوف يصبح مظهره رائعا بينما سيصبح مظهره هو "عاديا"، لكن بعدها بفترة وجيزة وصلتنا أخبارا جديدة أن تشرشل قد صرف نظرا عن أمر السوالف بسبب تكلفتها العالية. ومرة أخرى أثبت المستشار أنه على حق.
وبعد غزو الحلفاء، كشف هتلر عن قصة شعره الجديدة السيئة والتي جعلت شعره جافا وجامحا. كان هذا بسبب نجاح الحلفاء وأيضا كان بسبب نصيحة جوبيلز بأن يغسل شعره يوميا. وعندما عرف الجنرال جودرين بذلك، رجع فورا إلى الوطن من الجبهة الروسية ليخبر المستشار أن عليه ألا يغسل شعره بالشامبو أكثر من ثلاثة مرات أسبوعيا. وأضاف قائلا أن هذا هو الإجراء الذي اتبعته بنجاح باهر الهيئة العامة في حربين سابقتين. إلا أن هتلر - للمرة المليون - فرض سلطانه على جنرالاته واستمر في غسل شعره يوميا. ساعد بورمان هتلر في شطف شعره ودائما ما كان متواجدا حوله حاملا مشطا. وبنهاية الأمر، أصبح هتلر معتمدا تماما على بورمان، وحتى قبل أن ينظر إلى المرآة كان يجعل بورمان ينظر فيها أولا. وكلما توغلت قوات الحلفاء أكثر من ناحية الغرب كلما ساء مظهر شعر هتلر حتى أصبح شعره جافا وأشعثا، فلقد كان دائم القول أنه سيقص شعره ويحلق ذقنه عندما تنتصر ألمانيا في الحرب ومن الممكن أيضا أن يلمع حذاءه بالمرة. الآن أدركت أنه لم تكن أبدا لديه النية لفعل أي من هذا.
يوما، أخذ هيس زجاجة مقوي الشعر الخاصة بهتلر وأستقل الطائرة مسافرا إلى انجلترا. ومن جراء ذلك، استاءت القيادة العليا الألمانية أشد استياء. فلقد قدروا الموقف بأن هيس يخطط أن يهدي الزجاجة للحلفاء مقابل العفو التام عنه. وقد غضب هتلر، وهو توه خارجا من تحت الدوش في طريقه أن يستخدم الزجاجة، حينما سمع الأخبار. (برر هيس فعلته تلك في نورنبرج قائلا أن خططته كانت أن يعطي لتشرشل علاج لفروة الرأس في محاولة منه لإنهاء الحرب الدائرة. ولقد وصل بالفعل حتى تشرشل الذي كان منحنيا على حوض الحمام عندما اعتقلوه).
بنهاية عام 1944، ربي جورنج شاربه مما أدى إلى ذيوع إشاعات تقول أنه سيحل محل هتلر. غضب هتلر واتهم جورنج بالخيانة. صرخ فيه قائلا "لابد أن يتواجد شارب واحد فقط بين قادة الإمبراطورية، وبالتأكيد سيكون شاربي أنا!" برر جورنج موقفه قائلا أن شاربين قد ينميا لدى الشعب الألماني آمال أكبر عن الانتصار بالحرب، والتي كانت تسير في خطى وئيدة، لكن هتلر اعترض بحزم على كلامه. بعدها، فشلت خطة كان قد رسمها بعض الجنرالات. ففي يناير عام 1945، حاولوا قص شارب هتلر بينما هو نائم وتنصيب دوينتز كقائد بدلا منه. لكن السيد ستوفينبرج اخطأ بسبب عتمة غرفة نوم هتلر فقام بقص إحدى رموش المستشار بدلا من قص شاربه. فُعلت حالة الطوارئ بسرعة حتى وجدت جوبيلز في محلي. قال مرتعدا "لقد حدثت للتو محاولة لقص شارب المستشار، لكنها باءت بالفشل"، وقد خطط جوبيلز أن أذهب إلى الراديو لأخاطب الشعب الألماني ملقيا عليهم مذكرة بهذا الحدث، وقد فعلت. أكدت لهم أن "المستشار بخير، المستشار مازال يحمل شاربه. أكرر. مازال المستشار يحمل شاربه. محاولة قص شاربه قد فشلت".
قرب النهاية، ذهبت إلى مأمن هتلر. كانت قوات الحلفاء تحاصر برلين، قال هتلر أنه إذ ما وصل الروس أولا فسوف يحتاج إلى أن يحلق شعره تماما أما إذ ما وصل الأمريكان أولا فلن يحتاج سوى لقصة شعر خفيفة. ورغم أن الناس كانوا يقتلون بعضهم بعضا إلا أنني وجدت بورمان يخبرني أنه يريد حلاقة ذقنه فوعدته أن أذهب إلى عملي مستعينا بخطة ما. أصبح هتلر أكثر كآبة وتحفزا. تحدث عن ترك شعره ينمو من الأذن إلى الأذن وأيضا أدعى أن تطور ماكينة الحلاقة الكهربائية سيؤدي إلى انتصار ألمانيا بالحرب. تمتم قائلا "سنستطيع أن نحلق ذقننا في دقائق، أليس كذلك يا شميد؟" ذكر أيضا خطط أخرى مرعبة، فقال أنه سيشكل يوما ما شعره مثلما يريد ولن يستكفي بحلاقته أو قصه فقط. ولأنه مهووس دائما بالأحجام، أقسم أنه سيشكل شعره بتسريحة بومبادور الضخمة – "تسريحة ستجعل العالم كله يرتجف حيث ستحتاج إلى تشريفة عسكرية لتمشيطها". أخيرا، تصافحنا وقصصت له شعره. فأعطاني بفنينج[1]. ثم قال "كنت أتمنى أن أعطيك أكثر من ذلك، لكن منذ أن اجتاح الحلفاء أوربا وأنا مفلس".


[1]عملة ألمانية.

فلسفتي/ وودي آلان

$
0
0


ترجمة
محمد سيد عبد الرحيم

تطور فلسفتي جاء من جراء ما يلي: دعتني زوجتي لتجربة أول سوفليه[1]تقوم بطهيه، وبالمصادفة أوقعت ملعقة مملوءة بالسوفليه على قدمي، فكسرت بذلك عدة عظام صغيرة. اُستدعى الأطباء على الفور، فقاموا بعمل أشعة سينية وبعد فحصها، أمروني أن أمكث بالفراش لشهر كامل. وخلال فترة النقاهة تلك، اتجهت إلى قراءة أعمال بعض أهم مفكري المجتمع الغربي – كومة من الكتب كنت قد طرحتها جانبا حتى يجيء ظرف مثل هذا الظرف. واستخفافا بالترتيب التاريخي، بدأت بكيركيجارد وسارتر، ثم انتقلت سريعا إلى سبينوزا ثم هيوم ثم كافكا ثم كامو. لم أشعر بالملل مثلما كنت أظن، بالعكس لقد وجدت نفسي مشدوها بالهمة التي تعمل بها هذه العقول العظيمة لمهاجمة الأخلاق والفن والحياة والموت. أذكر تفاعلي مع ملاحظة معينة جد مضيئة لكيركيجارد قال فيها: "مثل هذه العلاقة التي تتصل بذاتها عبر ذاتها (وهذا ما نسميه بذات) إما أنها قامت على ذاتها أو قامت على ذات أخرى." فجلال الفكرة جعلها تملأ عيناي بالدموع. فحتى تلك اللحظة كنت أظن أنه لدي طريقة ماهرة في التعبير عن أفكاري! (فأنا رجل لديه عاجز أشد العجز عن كتابة جملتين كاملتين لهما معنى بأي موضوع "كيوم في حديقة الحيوان" كمثال.) بعيدا عن أن الفقرة بأكملها غير مفهومة لي، إلا أن ذلك لا يهم، ما دام كيركيجارد سعيد بها. فجأة، أيقنت أن الميتافيزيقا هي العمل الذي خلقت لأجله، التقطت قلما وبدأت في الحال تدوين أول تأملاتي. تقدم العمل بسرعة، وبيومين فقط – مع الوضع في الاعتبار أوقات القيلولة و الأوقات التي أصوب فيها مسدس البلي على عيني الدب – أكملت عملي الفلسفي الذي أتمنى ألا يكتشفه أحدا إلا بعد وفاتي، أو عندما نصل إلى عام 3000 (أيهما أقرب)، والذي، بكل تواضع، أرى أنه سيضعني في مكان محترم بين المفكرين الذين يتوجون التاريخ. وفيما يلي جزء صغير من الجزء الأساسي من الكنز الفكري الذي تركته للأجيال القادمة، أو الذي تركته حتى تأتي المرأة التي تنظف البيت.

أ‌-     نقد الفزع الخالص

الحيثية الأولى التي كان يجب علي التفكير بها عند صياغة فلسفتي هي: ما الذي يمكن معرفته؟ وهذا يعني، ما الذي من الممكن أن نتأكد من أننا نعرفه، أو نتأكد من أننا نعرف أننا نعرفه، إذا كان حقا يمكن معرفة أي شيء. أم أننا ببساطة قد نسينا ما عرفناه وخجلنا أن نعترف بذلك؟ لقد أشار ديكارت إلى هذه المسألة عندما قال "عقلي لا يمكن أن يعرف جسدي، رغم أنه يعرف قدماي تمام المعرفة." أنا لا أقصد إطلاقا "بالمعرفة" المعرفة التي تصلنا عبر الإدراك الحسي، أو التي يمكن فهما عبر الذهن، ولكني أقصد المعرفة التي تقال لتعرف أو لإظهار امتلاكك المعرفة أو القدرة على المعرفة، أو على الأقل أستطيع تعريف المعرفة بأنها شيئا يمكن ذكره لصديقك.
هل يمكن "معرفة" الكون؟ يا إلهي، أنه لمن الصعوبة بمكان أن لا تتوه في الحي الصيني فما بالك بالكون. المسألة على أي حال هي: هل يوجد أي شيء خارجنا؟ ولماذا؟ وهل عليهم أن يكونوا مزعجين لهذا الحد؟ أخيرا، لا يوجد شك أن الخصوصية الوحيدة "للحقيقة" أنها تفتقد الجوهر. وهذا لا يعني أنه ليس لها جوهر، لكن فقط يعني أنها تفتقد الجوهر. (الحقيقة التي أتحدث عنها هنا هي كالحقيقة التي وصفها هوبز، لكنها أصغر قليلا.) وبالتالي من الأفضل التعبير عن الكوجيتو الديكارتي "أنا أفكر، إذن أنا موجود" بقولنا "مرحبا، ها هي إدنا تمضي حاملة الساكسفون!" لذا، فإذا أردنا أن نعرف شيئا أو فكرة ما فعلينا أن نشك بها، وحينها يتم ملاحظة الصفات التي تحملها في حالتها الآنية، وهي بالفعل "في ذات الشيء"، أو "بذات الشيء"، أو بشيء أو لا شيء. ومن البديهي أننا مع وصولنا إلى هذه النقطة فعلينا أن نغادر نظرية المعرفة لبرهة.

ب‌-جدل علم الأخرويات كوسيلة للتغلب على الحزام الناري[2]
نعتقد أن الكون يتكون من مادة، وسوف نطلق على هذه المادة اسم "الذرات"، أو نطلق عليها "موندات". أطلق عليها ديمقريطس اسم الذرات. وأطلق عليها ليبنتز اسم المونودات. ولحسن الحظ أن كلا منهما لم يقابل الآخر وإلا لقام بينهما جدال ممل جدا. تتحرك تلك "الجسيمات" عن طريق محرك مباشر أو غير مباشر، أو ربما قد حدث شيئا ما في مكان ما لا نعرفه. الفكرة أنه من السابق لأوانه أن نفعل أي شيء يتعلق بهذا الموضوع، سوى أن نأكل كمية كبيرة من السمك النيئ. وهذا بالتأكيد لا يفسر لماذا النفس خالدة. وبالتأكيد لا يخبرنا عن أي شيء متعلق بالحياة الأخرى، أو عن شعور عمي سندر أنه مراقب من الألبان. العلاقة السببية بين المبدأ الأول (كمثال: الله، أو رياح قوية) وأي تصور غائي للوجود وهو وفقا لبسكال "سخيف جدا لدرجة أنه لم يصل أن يكون مضحكا." يطلق شوبنهاور عليها "الإرادة"، لكن طبيبه يشخصها بحمى القش. وفي آخر حياته، أصبحت تنغص عليه حياته، أو ربما بسبب شكه المتزايد أنه ليس موتسارت.

ج- معرفة الكون بلا تكلفة تذكر
إذن، ما هو "الجميل"؟ هل هو التوافق مع الحق، أو التوافق مع شيء ما "كالحق"؟ من المحتمل أنه التوافق مع "الأرض" وهذا ما يسبب لنا المشكلة. مرة أخرى هل الحقيقة هي الجمال – أم "الضروري"؟. إذن، فما هو خير أو يحمل صفات "الخير" ينتج عن "الحقيقة". وإذا لم يحدث ذلك، فتستطيع أن تراهن أن هذا الشيء ليس جميلا، رغم أنه مازال يحمل صفة الوقاية من الماء. بدأت أشعر أني كنت مصح منذ البداية وأن كل شيء عليه أن يتوافق مع الأرض. ممم. حسنا.

حكايتان رمزيتان
اقترب رجل من قصر. كان مدخله الوحيد محميا من قبل بعض الحراس الشرسين والذين لديهم أوامر محددة بأن لا يدخلوا أحدا سوى شخص يدعى يوليوس. حاول الرجل أن يرشو الحراس بإعطائهم مئونة سنة من قطع دجاج حسب اختيارهم. لم يزدروا عرضه ولكنهم لم يقبلوه، فقط التقطوا أنفه ولووها حتى بدت كمسمار مولي[3]. فقال لهم الرجل أن عليه الدخول إلى القصر لأنه قد أحضر معه ملابس الإمبراطور الداخلية. وعندما رفض الحراس مرة أخرى، بدأ الرجل يرقص رقصة الشارلستون. بدا أنهم قد استمتعوا برقصته إلا أنهم كانوا نكدي المزاج بسبب معاملة الحكومة الفيدرالية للنافاجويين[4]. وعندما انقطع نفسه، انهار الرجل أرضا. مات قبل أن يرى الإمبراطور ولقد كان مدينا لعائلة ستاينواي[5]بستون دولارا ثمن بيانو قد استأجره منهم في أغسطس الفائت.

*

أحمل رسالة للجنرال. أخذت أجرى وأجرى، لكن يبدو أن مقر الجنرال كان يبتعد أكثر فأكثر. أخيرا، انقض على نمر أسود ضخم والتهم عقلي وقلبي. وقد أنهت هذه الحادثة ليلتي نهاية سيئة. ومهما حاولت، لم أستطع أن ألحق بالجنرال والذي أراه على مرمى البصر لابسا بنطلونا قصيرا وهامسا لأعدائه بكلمتين فقط وهما "جوزة طيب".

حكم

من المستحيل أن يدرك المرء بموضوعية موته ورغم ذلك فلدى المرء موقفا محددا عن الموت.

*

الكون هو مجرد فكرة زائلة في عقل الله – بالتأكيد فكرة سيئة للغاية، خاصة إذ ا كنت قد دفعت مقدما لشراء منزلا جديدا.

*

من الممكن أن يكون العدم الأبدي شيء رائع، فقط إذ ما ارتديت ملابس ملائمة.

*

إذا كان ديونسيوس[6]حيا بيننا الآن! فتُري أين كان سيتناول طعامه؟

*

سأخبرك أن الله ليس موجودا، وأضيف على ذلك أن عليك أن تستأجر سباكا نهاية كل أسبوع.



[1]صنف من أصناف الكيك.
[2]مرض فيروسي مؤلم يتميز بظهور طفح جلدي على طول العصب المصاب.
[3]نوع مسامير.
[4]الذين ينتمون إلى قبيلة النافوجو وهي قبيلة من الهنود الحمر.
[5]ستاينواي وأولاده هي واحدة من أشهر الشركات التي تصنع البيانو.
[6]إله إغريقي.

مدن العدم

$
0
0





فاصل و نواصل:
"جلوبل جيليت" واحدة من مجموعة شركات "بروكتر أند جامبل". أنها الوريث لشركة "جيليت" الشهيرة التي أسست بواسطة كنج كامب جيليت عام 1910 كمصنع لأمواس الحلاقة الأمنة. أنشئت فى بوسطن بولاية مسوشتيس بالولايات المتحدة الأمريكية.
فى الأول من أكتوبر عام 2005 أنهت شركة "جيليت" صفقتها مع "بروكتر أند جامبل" و نتيجة لذلك تقرر اندماجها تحت مسمى "بروكتر أند جامبل" و لذا لم تعد شركة "جيليت" موجودة. تعتبر شركة "بروكتر أند جامبل" من أكثر وأكبر الشركات وأقواها فى العالم الآن ومن منتجاتها أريل وتايد وفيرى.
قبل اندماج الشركتين وبيع الأولى بـ 57 مليار دولار، كانت شركة "جيليت" قد أصبحت علامة تجارية مرموقة تبيع منتجات متنوعة، فبالإضافة إلى منتج جيليت، كانت تسوق منتجات باسم براون ودوراسل وأورال–بى ومنتجات أخرى متعددة.
أما عن تراك تو بلس فهى ماكينة حلاقة للرجال تماما كماكينة تراك تو بإستثناء مساحة منزلقة فوق الموسى لتنعيم الوجه أثناء الحلاقة.

* * *


نواصل:
زغب

الاسم: يسرا.
السن: 14 عام (الأول الثانوي).
المواصفات: ستذكر تباعا.
الملاحظات: تراك تو بلس.

* * *

إذا كنت قد قابلتها أو رأيت لمحة أو صورة منها، فبالتأكيد كنت ستعجب بجمالها ولكنك ستتعجب عندما تعرف أنها لم تكن أجمل بنت فى المدينة القاهرة أو حتى فى مدرسة أم الأبطال الثانوية للبنات أو حتى أجمل بنت فى فصلها الدراسى بالدور الثالث. بل كانت أول من يستبعد عندما تحدث المقارنات الجمالية. ذلك لسبب وحيد ولكنه ضخم وهو هذا الزغب الذى يسيطر على أعلى شفتيها، كان واضحا لدرجة أن أى شخص يستطيع رؤيته بأول لمحة لوجهها ولهذا لا يطيل أحدهم النظر إليها، حتى لا يصيبه القرف والاشمئزاز وربما الغثيان؛ حتى يسرا نفسها لم تكن تحب إطالة النظر فى المرآة، بل دون بقية أصدقاءها لم تكن تحمل مرآة بحقيبتها المدرسية.
حدث يوما: أن صديقة حميمية لها تعرفت على فتى من مدرسة أحمد لطفى الثانوية بنين المجاورة لمدرستهم، فقررت أن تأخذ يسرا معها كى تحميها من الإغواء و لكن بمجرد أن رأى يسرا حتى إنهار ضاحكا و هو يسأل ساخرا "من هذا؟".
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها يسرا هذا التعليق المتكرر ولكنها كانت أول مرة تسمعه من فتى غريب عنها، فأخيها عندما يغضب منها كان يعيرها مشيرا إلى أنها تشبه الرجال وأنها ليست بالأنثى بل "رجل". فيضحك أبوها معلقا على قوله قائلا "بل إن يسرا أكثر منك رجولة". حينها فقط يتغير الموضوع والاتهام فيحاول أخوها أن يدافع عن رجولته المسلوبة.
فى ذلك اليوم تأملت يسرا وجهها فى مرآة حمام بيتهم. كانت كل ما تراه فى وجهها هو هذه الشعيرات الكثيفة التى تغطى وجهها مثل أصداف شاطئ لم يطأ من قبل. وكلما تأملت وجهها أكثر أنقشعت الشعيرات مبينة وجهها الأبيض وعيناها العسليتين و ذقنها الصغير، ولكن ما أعجبها حقا هو فمها، هذا الذى نسيت شكله من طول المدة التى لم تتأمله فيها. شفتان صغيرتان تعتلى العالية منهما السفلى لتبين أسنانها اللبنية المستقيمة. فى تلك اللحظة التى رأت فيها أسنانها، أرادت أن تقبل هاتين الشفتين، ولكنها لم تقبلهم بل بدلا من ذلك وقعت عيناها على ماكينة حلاقة أبيها، فألتقطتها وبدأت فى ممارسة هذه العادة الرجولية.

* * *


فاصل و نواصل:
يا أغلى اسم فى الوجود
يا مصر
يا اسم مكتوب له الخلود
يا مصر
نعيش لمصر
و نموت لمصر
مصر
مصر
تحيا مصر
* * *


نواصل:
 ميتا كتابة

الاسم: أحمد يونس.
السن: 24 عاما.
المهنة: صحفى.
الملاحظات: ما بين الشعراء و القصص.

* * *
لم يأت عمله كصحفي بمجلة الهلال كمصادفة. فلقد سعى بكامل جهده كى يعمل فى أى مجال يقترب من الكتابة أو بالأحرى من الأدب. كان يعرض الإصدارات الجديدة من الكتب والمجلات الأدبية المتخصصة، معظم هذه الإصدارات كان من إصدارات نفس المؤسسة "مؤسسة الهلال" وهذا بالتأكيد جعله يقضى معظم وقته بين القراءة ومصاحبة كتاب هذه الكتب التى يقرأها ويكتب عنها. نشر بعض قصائده فى مجلة الهلال الشهرية وأستطاع أن ينشر البعض الآخر لدى الصحف الأخرى التى يرأس تحريرها بعض الكتاب الذين يكتب عنهم وعن كتبهم. لم ينتقل اهتمامه من النظم إلى القص دفعة واحدة، بل بتأن و ملل، بعد ثلاث سنوات من العمل بنفس المهنة، أكتشف أنه قادر على كتابة روايته الأولى،  فكلما قرأ رواية جديدة يكتشف أنه قادر على "هذا"، سأل بعض الكتاب فأخبروه أن الرواية هى الأسهل فى العرض والأقرب إلى اهتمام وعقل أغلبية القراء بما تسودها من أحداث وشخصيات قريبة من عقلية العامة وميولهم ومللهم. بعدها قرر بالفعل أن يبدأ كتابة روايته الأولى، ولكنه لم يكن يعرف من أين يبدأ كما أنه لم يكن بخلده أى موضوع يصلح كرواية، سأل زملاءه فى العمل عن كتاب يشرح كتابة الرواية فدلوه على كتاب "كيف تكتب الرواية" للناقد الأمريكى جون براين وأيضا كتاب "عن كتابة الرواية" للكاتب والروائي يوسف عباس. بالتأكيد لم يكن قد سمع عن أى منهم من قبل، فالأول ناقد فشل فى كتابة الرواية فكتب كتاب عن كيفية كتابة الرواية والثاني روائي فاشل قرر أن يكتب عن كيفية كتابة رواية ناجحة.
التهم الكتب فى ساعات معدودة ثم جلس ليكتب. كتب مواصفات لشخصيات ثم وصف لبعض الأماكن ثم....... لا شئ.
كيف يبدأ، يؤرقه هذا السؤال أرق اليأس. كتب جملة تقول "هل عشقت إيزيس أوزوريس حقا أم أن لها نوايا أخرى؟"، و بعد تأمل، فقد شهيته لهذه الجملة، تقريرية جدا، حدث نفسه، شطبها ثم كتب بدلا منها بعد تأمل أطول "هل أحبت إيزيس أوزوريس أم أنها كانت ترغب فى شئ آخر؟"
نظر إلى فضاء الغرفة لبضع دقائق ثم زهق من تعاطى فعل الكتابة أو اللا كتابة.
سأل كاتبا شهيرا كيف يكتب رواياته التى قرأها وأعتبرها، جاوبه قائلا كحكيم فقد من برارى أزمان الصين "البداية دائما عسيرة". فكر "يا له من مبدع، أختياره للألفاظ يدل على إبداع حقيقى، فلقد أختار عسيرة ليحيل إلى فعل الولادة، هذا الفعل العسير ينجب فى النهاية أجمل المخلوقات، يا له من مبدع ". ولكن هذا المبدع لم يخترع هذه الجملة الحكيمة ولكنه سمعها يوما ما عندما كان كاتبا مبتدئا، بنفس النبرة ونفس التعبيرات ونفس الألفاظ..... ونفس النوايا.

* * *



فاصل و نواصل:
يحب القاهريون مدينة الإسكندرية، بحرها، جوها الساحلى، مأكولاتها البحرية، الحرية التى يفتقدونها ويظنون أنهم ممتلكوها مع لا نهائية الأزرقين. ولكن مثلما أشار جلال أمين فى كتابه "ماذا حدث للمصريين؟"، فقدت الإسكندرية إثارتها ورونقها واتجهت الأنظار إلى مناطق أبعد.......... فأبعد.......... مارينا.

* * *



نواصل:

بانتومايم

الاسم: موسى مهدى.
السن: 24 عاما.
المواصفات: The Rock.
ملاحظات: Troy و300.

* * *

كان موسى دائما ما يتغنى بأحمد يونس أمام ولاء. فمنذ صداقتهما التي بدأت في الصيف الما – قبل دخولهم الجامعة، لم يفترقا. رغم أن كلا منهما دخل كلية ومجالا مختلفا، أحمد يونس ألتحق بكلية الآداب، بينما موسى مهدى قد ألتحق بأكادمية الفنون.
هم مختلفان – تقريبا فى كل شئ – ولكن ما يربطهما جدا هو هذا الإختلاف ذاته والموسيقى. فكلاهما يحب الموسيقى خاصة موسيقى الروك.
إن حياة موسى كانت ستصبح عادية جدا لولا ولاء، فمنذ ألتحاقه بأكادمية الفنون ثم عمله بعد ذلك كمهندس صوت، أدى به ذلك إلى إقحامه بمجتمع الغناء، مجتمع المطربين و المطربات وخاصة المطربات.
فدائما ما كان ينجح فى التعرف على البنات بهذه الخدعة. يقنعهن أن أصواتهن جميلة وأنه قادر على جعلهن مطربات شهيرات كنانسى عجرم وهيفاء وهبى. يخرج مع أحداهن أكثر من مرة. يسجل صوتها على تليفونه المحمول، يعرفها ببعض الملحنين وشعراء الأغانى الأصدقاء له. يأخذها إلى الاستوديو مرة كى تتفرج عليه وهو يعمل، ثم يضاجع مؤخرتها، فإذا اكتشف أن مؤخرتها قد ضوجعت من قبل يتركها وإذا اكتشف أن مؤخرتها عذراء يتمسك بها لبعض الوقت..... ثم يتركها.
ولاء هى الوحيدة التى لم تقتنع أن صوتها جميل، فرغم أنوثتها المفرطة وجمالها وفتنتها الصارختين والبينتين، إلا أن صوتها كان يحمل بحة واضحة وجلية جعلتها مع مرور الوقت تقتصد فى إستخدام صوتها لتفرط فى إستخدام إيحاءتها الجسمانية الناجحة دوما.
ربما من الأسباب الوطيدة لتمسك موسى بولاء رغم عدم نواله ما يريده هو حادثة الأسبوع الماضى. وأيضا الحادثة التى سنروى تفاصيلها عما قريب.
الحادثة الأولى:  كانت فى السينما، ذهبوا ليشاهدوا فيلم "عمر وسلمى" وبينما تامر حسنى (عمر) يغنى لمى عز الدين (سلمى)، اقترب موسى من ولاء وحاول تقبيلها. أنتفضت فجأة ثم نظرت له بهلع – ظن خاطئا أن هذه النظرة دليل على اشمئزازها من ملامسة الرجال، فهو لم يكن متعودا على هذا النفور–، علقت شنطة يدها على كتفها ثم غادرت السينما بهدوء، وعندما وصل إلى بيته رن هاتفه المحمول، حدثته أنها تحبه بل تعشقه بل هو كل شئ فى حياتها وأنها لن ترضى أبدا بأن يلمس شعيرة منها قبل زواجهم!

* * *



فاصل و نواصل:
بدأ المزاد ملتهبا و وصل سعر أول فيلا تمت المزايدة عليها إلى 4 ملايين و106 ألف جنيه لمساحة 214 مترا مربعا، وازدادت السخونة مع عرض الفيلا الثانية التى تصل مساحتها إلى 267 مترا مربعا وتقع بمنطقة نادى السيارات، خاصة عندما تردد أنها كانت مخصصة لإقامة وزير الإسكان الأسبق د. محمد إبراهيم سليمان، مما رفع حدة المزايدة عليها لترسو فى النهاية على حسام بشير بمبلغ 4 ملايين و826 ألف جنيه!
والغريب أن الفيلا التالية لها أكبر فى المساحة – 270 مترا مربعا – ورغم ذلك تم رسوها على مليون و 520 ألف جنيه فقط!

* *



نواصل:
النص
الاسم: ولاء.
السن: 20 عاما.
المواصفات: ستذكر تباعا.
الملاحظات: روايات عبير.

* * *


عندما كلمها موسى قائلا أنه فى مارينا. انتشت. فهى رغم وجود ابنه خالتها يسرا إلا أنها أحست أن مارينا مملة. فأبيها مشغول بتقديس زوجته وبنفس الوقت يحاول أن لا يحمل ولاء أى مجهود، لأنه يعرف أنه إذا قصر، فمنزل أمها مفتوح لها بأى وقت.
أفاضت بمضمون المكالمة التليفونية إلى يسرا، ثم استأذنت أباها بأن يذهبا ليتنزها لبعض الوقت.
لم يكن عنوان الشقة التى استأجرها موسى بالصعب ولذا وصلت بسرعة بصحبة يسرا. احتضنها موسى ثم بدأ فى مداعبتها، فبدأت فى الإنبساط. قدم موسى أحمد ليسرا وبسرعة حاول أن يختلى بولاء.
كانت ولاء معجبة جدا بأحمد يونس، فعندما عرفها موسى بأحمد وأخبرها أنه شاعر وأنه يكتب روايته الأولى. انبسطت، فهى مدمنة لقراءة روايات عبير. سألته عن قصة روايته وعندما أخبرها أنها عن أن بينلوب لم تكن تحب أودسيوس ولكنها تريد فقط أن يثأر تليماخوس لها وليس لشرف أبيه. شعرت أن هذه الأسماء الكثيرة والمجهولة لها هى سر الكتاب الذين يعرفون الكثير والذين دائما ما يتكلمون بالحكم.

* * *


فاصل و نواصل:
اخترعا مصمما الأزياء الفرنسيين لويس ريارد وجاك هيم "البيكيني" الحديث عام 1946 أى بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة. اطلقوا على اختراعهم هذا اسم الموقع الذى أجرت به اختبارات للقنبلة النووية فى نفس  العام وهو "بيكيني أتول"، تيمننا بأن يثير البيكينى الجدل مثلما أثارت هذه الإختبارات الجدل المستمر بجميع أنحاء العالم.
عارضت "البيكيني" الدول الكاثوليكية المتدينة كأسبانيا والبرتغال وإيطاليا، ولكن بسبب إنتشاره الهوليودى وأيضا إنتشاره بداخل السينما الفرنسية خاصة من النجمة الشقراء بريجيت بيردو، بدأ يقتحم هذه الدول بشراسة منذ الستينيات.
تطور البيكينى بعد ذلك كثيرا، فظهر "البيكيني الوتري" و"المونو بيكيني" و"الميكرو بيكيني" و "التان بيكيني" و"البو بيكيني".
أما عن مصر، فقد دخل البيكيني بقوة مع أواخر الستينيات، وخاصة بعد نكسة 1967، انتشر بالسينما المصرية وبخاصة من النجمة الهيفاء شمس البارودى، ثم توقف انتشاره بداية من نهاية السبعينيات ثم عاد أواسط التسعينيات محملا بكل الأنواع الجديدة التى تم ذكرها من قبل.

* * *


نواصل:
أقترح موسى عليهم أن يذهبوا للسباحة بالبحر. لم يفاجأ عندما أخبرته ولاء أنهن يلبسن ملابس السباحة تحت ثيابهن الخارجية. هذا لأنه قد لاحظ وتر القطعة الفوقية للبيكيني ظاهرة على مؤخرة عنق ولاء. دخل أحمد للحمام كى يغير ملابسه. فجلس موسى بجانب يسرا تاركا ولاء، ثم أقترب من أذنها هامسا، حاولت ولاء الإصغاء ولكنها فشلت. و بعد فترة قال موسى ليسرا بصوت عال "اتفقنا يا فيروز؟" ردت عليه يسرا قائلة "سأحاول!". كان موسى يلقب يسرا بفيروز، منذ أن تعرف عليها لأول مرة بصحبة ولاء أطلق عليها فيروز، فصوتها الملائكى ووجهها الطفولى الشاحب ذكره في التو بفيروز التي يحبها.

* * *

بعد أن انتهوا من السباحة جلسوا على الرمال. أحمد بجانب يسرا بينما ولاء تجلس بين ساقى موسى. لم تفهم ولاء كيف تغيرت بهذه السرعة، فكيف نهرت موسى الذى يحتضنها الآن بكلتا يديه منذ أسبوع واحد فقط لأنه حاول تقبيلها؟ بينما هى الآن تتمنى أن يلثم وجهها كله. و لكن موسى لم يفهم ذلك ورغم عدم فهمه إلا أنه كان يحاول التقرب خطوة بخطوة، ما يسوقه ليس شهوته فقط بل عادته التى طغت على عقله. همس فى أذن أحمد، فقام أحمد ليؤجر بدالا ليبحر بهم.
و عندما قاموا ليركبوه، شد موسى يد ولاء قائلا لأحمد ويسرا وهو يشير بيده "فلتذهبوا أنتم. وسننتظركم بالشقة". وقبل أن تفكر إحداهن، بدأ أحمد فى التبديل مبتعدا عن الشاطئ الرملى.

*



كل منهم كان ينتظر إشارة من الآخر، وكل منهم يتوقع كلتا الإشارتين، الموجبة والسالبة، كلاهما يريد التورط فى علاقة وكلاهما يتمنى الهروب من أى علاقة. كلاهما قد يمرر بعض الإشارات وكلاهما قد يدين بعض الإشارات. ما يفرق هنا ليس قسوة أو رقة الإشارة وليس مناسبة أو عدم مناسبة الشخص الآخر. ما يفرق هنا هو الحدس وليس العقل أو حتى القلب. فالثانية التى يؤمن فيها الحدس بأن الآخر هو هو الشخص، هى اللحظة التى سيفتح فيها العقل والقلب. فى هذه النقطة كان كلاهما متقاربا جدا. متطابقا جدا. منتظرا جدا.
تلك كانت الثانية التى سألته فيها يسرا عن فكرة روايته، إهتمامها الصادق/ أو الكاذب حثه على الحكى، فبدأ فى الإسترسال، بدأ فى حكى كل شئ فكر فيه وكتبه وكل شئ فكر فيه ولم يكتبه بعد وكل شئ فكر فيه ولن يكتبه. بل هطلت عليه الأفكار كالسيل. أحس وهو يحكى لها أن روايته تتضح له أكثر فأكثر وكأنما يحكى لنفسه، وكأنه يحكى لقلمه وورقه، تمنى أن يصمت كل شئ ويتحول البحر إلى حجرته والبدال إلى مكتبه ليكتب ولكنه أحس أنه ليس جالسا بمفرده فى حجرته، بل تجلس يسرا بجانبه تحاول بمشقة أن تسايره فى التبديل، مساعدة إياه.
لم يزعجه عدم قراءة يسرا لكتاب الموتى أو الأوديسة أو أوديب أو ألف ليلة و ليلة أو هاملت أو عوليس أو الطريق. ما أزعجه حقا هو السخونة الناجمة عن الشمس التى احتلت قلب السماء وصوت ارتطام رفاس البدال بالماء.

* * *

قالت له "بالتأكيد سوف يجدوننا، أليس كذلك؟"
كان البحر قد اكتحل بلون السماء المظلم. رد عليها قائلا "إن شاء الله" قالت له "ولكن إذا وجدونا سيعرف أبى و حينها..." رد عليها مبتسما "و حينها سأقول له أننى أحبك و أننى أريد أن أتزوجك فى التو، بل أيضا قبل هذا التو بكثير من الزمن ". ضحكت فظهرت أسنانها اللبنية على ضوء القمر المكتمل، اقتربت منه حتى التصقت به، أحاطها بذراعيه ثم قبلها، لم تمانع، ولن تمانع أيضا إذا تاها و لم يجدهما أحد. و لكنها ستمانع إذا رآهم أحد فى هذا الوضع المتفرد، فأبوها سيصاب بأزمة قلبية تقتله وأخيها سيعدم شنقا بالتأكيد بسبب قتله لأحمد. و لكنها حاولت تناسى المستقبل القريب مشتغلة باللحظة الراهنة وأحلام يقظة المستقبل البعيد.
بدأت فى تخيل بيتهم عندما يتزوجا، دفست أنفها بصدر أحمد فأستنشقت رائحته، اعترتها رائحة تخص حبيبها، وبالتالي بيتهم الذي سيتزوجان به، تخيلته، بيت واسع ذو أرضية سيراميكية زرقاء تتلافى برودتها بلبس خف صوفى على شكل سمكة.

*



عند الفجر بدأ الهذيان، حاولا أن يناما ليلا ولكنهم فشلوا، الجوع وصخب البحر كانا أبناء عدوهم. الجوع يخرب من الداخل والصخب يهدم من الخارج.
أستكملت يسرا بكاءها عندما انتصف عمر الشمس. حاول تهدئتها بحكى حدوتة ملخصها أن الفقراء دائما ما يتزوجون الأميرات عندما يعثرون على الكنز. نامت ثم صحت بعد نصف ساعة.
تحمل أحمد كثيرا ولكن عندما بدأت فى التشنج والتصلب والهذيان بكلام عن أخيها الذى يخرج كل يوم مع بنت ولا يريدها أن تعرف أى ولد. وعن أنه يريد أن يعرف كل صحيباتها كى يخرج معهن. وعن أمها المعلقة بفستان أبيض بغرفة أبيها. وعن الجزمة التى اشترتها منذ يومين وتريد إرجاعها لأن كعبها عال جدا. كل هذا كان يضغط على أعصابه و عقله، بالإضافة إلى الجوع والشمس الحارقة التى لا تريد أن تهمد، وجهد تسيير البدال إلى جهة الجنوب المتوهم. كل هذا كان كفيلا بجعله مجنونا. ولكنه ليس الشخص الذى سيجن فى قصتنا تلك.
ما قصم ظهره حقا هو موت يسرا. كان جالسا ومسندا ظهره لظهر كرسى البدال بينما يسرا نائمة على ساقيه، رأسها الصغير والهش وشعرها البني كانا يشعرانه بالدفء. لم يفهم فى البداية، فشحوب وجهها دام منذ الصباح ونومها المتقطع كذلك. ولكن ما نبهه هو عدم علو وانخفاض صدرها.
 عندما وقع نظره على تفاحتيها، عاتب نفسه على هذه الخطيئة ولكنه أعاد النظر وحينها تبين سقوطهما. انتفض فارتطمت رأسها بأرضية البدال، وقف بعيدا فأهتز البدال بعنف بسبب عدم الإتزان.
كانت تلك هى ثانى مرة يرى فيها شخصا ميتا، المرة الأولى كانت جثة أبيه والثانية جثة حبيبته. فجأة بين ثانية وأختها التوأم لها، تحول جسد يسرا المثير إلى جثة. بين كلمة جسد وكلمة جثة، لا يوجد ارتباط سوى لكلمة واحدة..... الموت.
كانت تلك هى اللحظة التى أستسلم فيها للهذيان و... للموت. تصارع كلاهما للإستحواذ عليه ولكن الموت دائما هو الأحذق.
فى اليوم التالى  وجدته سفينة للصيد جالسا كرائد فضاء يوجه مكوكه نحو العدم بينما يسرا ممددة خلفه على شكل نجمة خماسية.
محمد سيد عبد الرحيم

التطوّرات الأولى للتصوّف الإسلامي/ فضل الله خيري

$
0
0




ترجمة
محمد سيد عبد الرحيم

أشار الكندي (ت القرن العاشر الميلادي) إلى ظهور مجموعة صغيرة بالإسكندرية في مصر في القرن التاسع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وكانوا يُسمّون بالمتصوّفة. ويقول المسعودي في كتابه (مروج الذهب) أنّ المتصوّفة ظهروا خلال حكم الخليفة المأمون، ويُشير أبو القاسم القشيري إلى أنّ المتصوّفة ظهروا في القرن التاسع؛ أي بعد قرنين تقريبًا من وفاة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهنا يبرز السؤال؛ لماذا أخذ الناس وقتًا طويلا حتى أبدوا اهتمامًا بالعلوم الباطنيّة؟ وربما نفهم السبب إذا ما ألقينا نظرة موجزة على تاريخ الإسلام في بدايته.
دعونا ننتقل إلى الجزيرة العربيّة في بداية القرن السابع الميلادي، سنجد مجتمعًا مفكّكًا مكوّنًا من القبائل العربيّة التي قد انغمست منذ قرون عديدة في تأسيس تقليد صراعي، بالإضافة إلى عبادة الأوثان وقيم قبليّة أخرى. ورغم أنّ العرب كانوا -في هذا الوقت- منغمسين في التجارة مع مَنْ هم خارج الجزيرة العربيّة، ولكنهم لم يتأثروا فعليًّا بالثقافات الأخرى التي احتكّوا بها، وذلك رغم اصطدامهم المباشر مع الإمبراطوريّة البيزنطيّة وغزو نبوخذ نصر للجزيرة العربيّة؛ ولهذا نجدهم -ولقرون طويلة- يمارسون طريقة حياتهم الصارمة، والتي تظهر تقاليدهم البدويّة بلا أي تغيير حاسم، وفجأة يظهر لهم نور نبوي معجِز، هذا النور بدأ يُغيّر حياتهم، بل ويدمّر الوحشيّة والظلم المتأصّل في مجتمعاتهم.
كان محمد -صلّى الله عليه وسلّم- هو ذلك الشخص العظيم الذي أتى بهذا النور الجديد من المعرفة، ولمدة ثلاثة وعشرين عامًا أكد محمد -صلّى الله عليه وسلّم- على الحقيقة الأزليّة، وهي أنّ الإنسان قد وُلد في هذا العالم من أجل أن يتعلّم حكمة الخالق خلال رحلته للعودة إلى الأصل؛ الخالق الواحد، ورغم أنّ الإنسان حرّ في جوهره إلا أنّه مكلّف ومقيّد بالشريعة الظاهرة التي تحكم الوجود.
تحدّث محمد -صلّى الله عليه وسلم- بالحقيقة الأزليّة التي حدّثنا عنها الآلاف من الأنبياء من قبله، حدّثنا عنها بلغة معاصرة للغة أرضه، لغة كانت أرقى إنجاز ثقافي وصل إليه هؤلاء الناس، وشرح الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الحقيقة الأزليّة لأناس قد انغمسوا في ظلام ووحشيّة وجهل لقرون، وبعد سنين من الجهد، استطاع أن يجمع حفنة من المؤيّدين، معظمهم اضطهِدوا وأُجبروا على الهرب إلى أثيوبيا للبحث عن الحماية تحت حكم حاكم مسيحي يُدعى النجاشي، بعدها، سافروا من مكة إلى المدينة في عام 622ميلادية -حيث يبدأ التقويم الإسلامي، وهذا هو الحدث الذي يُعرف بالهجرة- حيث أنشأ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- مجتمعًا جديدًا من أناس من مختلف بقاع الجزيرة العربيّة، ولكن الأكثريّة كانت من مكة والمدينة، ولقد كانت وجهة هذا المجتمع في الصلاة لله تعالى هي الكعبة؛ وهي مبنى مكعب الشكل مبنيّ من الحجارة، أسّسه النّبي إبراهيم بمكة، ولكن التوجه اليومي إليه كان بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم. اتّبعوا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وتعاليمه وتفسيره للأوامر القرآنيّة التي أَوحى الله بها، متجهين باطنيًّا إلى خالقهم، انغمسوا في عبادة الله واتباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم الذي عاش بمعرفة وحب الله سبحانه وتعالى.
على مشارف نهاية حياة محمد -صلّى الله عليه وسلم- أسرعت الحوادث في الوقوع، خاصّة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، فخلال تلك الفترة رأى الآلاف من البدو -الذين كان لديهم نزوع نحو القوة والنصر السائدان- أنّ الإسلام يُسيطر على أراضيهم أكثر فأكثر، وبناء عليه احتضن الآلاف منهم الإسلام أكثر فأكثر، وعندما مات محمد -صلّى الله عليه وسلّم- عانى المجتمع الإسلامي الناشئ صدمة عظيمة أدّت إلى انتخاب متسرّع ومتشنّج لأبي بكر كزعيم أول لهذا المجتمع.
لقد حدّد الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في مناسبات مختلفة إلى مَنْ يرجع المسلمون في شؤونهم الدينيّة بعد موته، فعندما يوشك أحد الأطباء على السفر أو الاستقالة أو التقاعد عليه -كمسؤول- أن يُرشد مرضاه لـمَنْ يلجؤون في غيابه، فالطبيب -بطبيعة الحال- يُدرك جديًّا حالة مرضاه أفضل من أيّ شخص آخر؛ ولذا كان من الطبيعي لزعيم روحي مثل الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- أن يُشير إلى مَنْ هو أفضل وأنفع لإدارة شؤون الأمّة بعد وفاته وفقًا للشريعة الإلهيّة التي أُوحي بها. على أيّة حال، نشأ خلاف حول ما إذا كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قد حدّد -على وجه التحديد- الإمام علي كخليفة له، أم أنّه قد أشار -فقط- إلى أنّه أفضلهم علمًا وخلقًا. المحصلة أنَّه قبل حتى أن يُدفن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بدأ العرب يتحزّبون من أجل السلطة؛ فالمدنيّون مثلا كانوا يريدون أن يختاروا واحدًا منهم كزعيم لهم، ولكن بآخر لحظة، استطاع اثنان من أقرب الصحابة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم -أبا بكر وعمر- أن يُوحّدا الحزبين، وبمساعدة عمر اختار المسلمون أبا بكر زعيمًا للأمَّة الإسلاميَّة؛ لكونه الأكبر سنًّا والأكثر احترامًا من قِبل الجميع، والمعترف له أنّه أكثر الصحابة قربًا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
استمرت زعامة أبي بكر لعامين، كانت فترة مليئة بالصراعات الداخليّة، فالنّفس العربيّة لا ترضى بالخضوع بأي حال من الأحوال، فهم يُفضّلون أن يكون عقلهم متحرّرًا من أيّ قيد؛ ومن هذه القيود التي أثارتهم الخضوع لدفع ضريبة إجباريّة لشخص آخر. إنّ دفع الزكاة الإسلاميّة التي فرضها أبو بكر بالقوة على الذين رفضوا أن يدفعوها، فسّرها البعض كنوع من القهر الذي لم يرضوا أن يخضعوا له، ففجأة وجدت معظم العشائر التي انضمت مؤخّرًا إلى الحركة الإسلاميّة أنّ عليها أن تدفع لشخص آخر جزءًا من أموالها بدلا من أن تستفيد من المكاسب التي تجنيها، وقد أدّى ذلك إلى حالة من الشقاق في الأمّة الإسلاميّة التي كانت تتّسع رقعتها بسرعة، وظهر -بالإضافة إلى ذلك- مدَّعون زائفون للنبوّة، وبهذا قضى أبو بكر معظم فترة زعامته محاولا قمع الصراعات الداخليَّة.
بعد موت أبي بكر عام 634أصبح عمر -الذي اختير بواسطة أبي بكر كخليفة له- الزعيم التالي للأمَّة الإسلاميَّة، وخلال عشر سنوات من ولايته توسّع الإسلام فاتحًا مناطق جديدة وبعيدة؛ فغزا المسلمون الإمبراطوريّة المصريّة والفارسيّة والبيزنطيّة، بالإضافة إلى القدس التي تسلّم عمر بنفسه مفاتيحها من المسيحيين. كان عمر نموذجًا للبساطة، وقد اغتيل اغتيالا مأسويًّا على يد عبد فارسي أثناء صلاته في المسجد عام 644.
كان عثمان الخليفة التالي لعمر؛ والذي اختير بواسطة مجموعة من الناس كان عمر قد اختارهم ليختاروا الخليفة من بعده. جاء عثمان من عشيرة بني أميّة، وقد كان بعضهم من ألدّ أعداء الرسول صلّى الله عليه وسلّم. لقد اعتنق الكثير من الأمويين الإسلام بعد فتح الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- والمؤمنين به مكة، وعندما تأكد الأمويون أنّه لا يوجد لديهم أيّ خيار آخر، قبلوا الإسلام على مضض، واستمروا في العيش بنفس النّهج الذي كانوا يعيشون به في الماضي. لم يكن عثمان مهتمًّا بالأمور الدنيويّة، لكنّه سمح للكثير من عشيرته أن يعيشوا كما يرغبون، ولقد عيّن الكثير من بني أمية بوظائف رئيسيّة في الحكم بالأراضي الجديدة التي فتحها المسلمون، وبناء على ذلك اتهمه البعض بمحاباة الأقارب. في أول ستة سنوات من خلافته استمر التوسع الإسلامي، وأيضًا استمر الحفاظ على الأراضي التي تم فتحها. في الواقع، كانت تلك المرحلة بداية تغيّر الحُكّام إلى حُكّام جشعين بدلا من استمرار سمات الحكم الإسلامي مع حكام يتحلّون بالمعرفة الروحيّة والتّقوى.
وخلال خلافة عثمان -والتي استمرت لاثني عشر عامًا- تراجع عدد كبير من المسلمين إلى ما قبل الإسلام من جاهليّة وخرافات وقبليّة. كانت الغنائم القادمة من الإمبراطوريّة الفارسيّة والبيزنطيّة والمصريّة تصبّ بمكة والمدينة، وقد أدّى ذلك إلى حقبة زمنيّة من الاضمحلال والعبث بسبب الثراء الفاحش، في هذه الحقبة بدأوا في إنشاء الدور والقصور الكبيرة. أحد البنّائين في هذا الوقت واسمه أبو لؤلؤة، هو نفسه العبد الفارسي الذي قتل عمر بن الخطاب؛ لأنّ عمر فرض عليه -مع جملة الآخرين- أن يؤدي الزكاة. أثناء خلافة عمر كانت الدور دائمًا ما تتكون من قطعة من الأرض مربعة وصغيرة، حيث يُبنى عليها غرفتين أو ثلاث، تكون ساحة الدار في إحدى جوانب هذه الغرف، وفي وسط رقعة الأرض هذه تكون البئر، وفي أحد الأركان يكون الصهريج لتخزين الحبوب، كانت الدار تُبنى بمستوى واحد فقط، لكن خلال خلافة عثمان بُنيت الكثير من القصور، وبدأ الناس يتنافسون مع بعضهم البعض لإنشاء دور أعظم.
بعد مقتل عثمان بن عفان عام 656 -بينما كان يقرأ القرآن- اختار الكثير من الناس الإمام علي بن أبي طالب كخليفة تالٍ للمسلمين، واستمر حكمه لمدة ست سنوات امتلأت بالنّزاعات الداخليّة والحروب. في ذلك الوقت، كان الكثير من الناس يقولون عن أنفسهم أنّهم مسلمون رغم أنّهم لا يعرفون أو يفقهون شيئًا عن السنّة المحمديّة؛ فنجد -مثلا- مسلمين يُقسمون بالمصحف، لكنّهم يفعلون عكس ما أقسموا عليه. في عام 656حدث أول قسم جماعي كاذب. كان الرسول قد حذّر زوجته عائشة أنّها ستجد نفسها في يوم ما تحارب مع الجانب الباغي، وحينها ستقوم بالضيم الأكبر في مكان يُدعى الحوأب، وأنّها ستعرف المكان عندما ينبح كلاب الحوأب عليها. بعدها بسنوات، بينما كانت تمر عبر هذا المكان متجهة إلى معركة الجمل لتحارب الإمام علي، سمعت نباح الكلاب، فتذكّرت تحذير الرسول، فسألت عن اسم هذا المكان فقيل لها أنّ اسمه الحوأب، لكنّ بعض أتباعها أحضروا أربعين شخصًا زاعمين أنّهم مسلمون ليقسموا لها كذبًا على القرآن بأنّ هذا المكان لم يكن اسمه الحوأب، ومرة أخرى خلال معركة صفّين عام 657حدثت حادثة أخرى أقسم فيها بعضهم كذبًا.
بعد استشهاد الإمام علي عام 661، حيث طعن طعنة قاتلة أثناء سجوده في الصلاة، كان ابنه الإمام حسن في موقع استحقاق كي يصبح الخليفة الجديد للمسلمين، لكن معاوية -الحاكم الأموي لسوريا- الذي كان يحاول أن يؤمّن موقع الحكم لنفسه ولعشيرته، بدأ يُحرّض الناس على الإمام حسن. كان لدى الإمام حسن جيش كبير تحت تصرفه، وكان أيضًا يعرف نقاط ضعف أمّته، وفوق ذلك لم يكن يريد أن يختلف أي اختلاف مع جيشه، ناهيك عن إدراكه لبراعة وغدر معاوية، وبالتأكيد لم يكن يرغب في مشاهدة دماء المسلمين تُراق عبثًا، وبناء على ذلك قَبِلَ الهدنة التي عرضها عليه معاوية، وعلى أساسها توقف عن المطالبة بزعامته للمسلمين، ولكنّه لم يتخلّ عن موقعه كزعيم روحي جليل، تمامًا كالإمام علي، الذي لم يقرّر -فقط- الابتعاد عندما لم يُخْتَر كأول خليفة للمسلمين، ولكنّه حاول بكل قواه أن يُعدِّل الباطل -الذي حدث خلال حكم أسلافه- بالحق؛ لذا لم يكن بيد الإمام حسن بديلا عن قبول الوضع؛ فبرغم أفضليّته على كل الأمّة حينئذ، لكنّه لم يستطع أن يكون خليفة للمسلمين. إنّ موافقته على هذه الهدنة لم يكن تخلّيًا عن قيادته الروحيّة، لكنّها أكبر دليل عليها، فلم يكن ممكنًا أن يُترجم عظمته الروحيّة إلى منصب رجل الدولة الدنيويّ دون أن يجعل المسلمين يقتلون بعضهم البعض؛ ولهذا كان البديل الوحيد هو قبول شروط الهدنة، والتي نصّت -إضافة لما سبق- على أنّ أخاه الإمام حسين سيكون الخليفة التالي للمسلمين، ولقد نكث معاوية بكل شروط المعاهدة ببراعة بعد مقتل الحسن عام 661، وعيّن ابنه الفاسد يزيد خليفة له، مما أدى بالإمام حسين إلى الثورة على كلٍّ من معاوية وابنه يزيد.
لقد دعا ساكنو الكوفة بالعراق الإمام حسين إلى الانضمام لهم، وقد وعدوه بمساندة قويّة ضدّ معاوية. وكان الكوفيّون يمثلون مجتمعًا جديدًا ذا مكاسب تجاريّة ضئيلة مقارنة بسكان مدينتي مكّة والمدينة. وقد أصبحت مكّة -في ذلك الحين- مركزًا هامًّا لإنتاج الخمر والموسيقى والراقصات. فلقد كان لدى العرب -في عصور ما قبل الإسلام- عاهرات مكرّمات؛ حيث كُنّ يجلسن على كرسيّ مقارب لكرسيّ الحاكم العربي، بل وزيادة على ذلك قد يقومون بتقديم النصيحة للحاكم نفسه، ولقد أُعيد أحياء هذا التقليد في عهد معاوية، ورغم أنّ الكوفة كانت مدينة جديدة ذات مجتمع جديد، إلا أنّ بعض سكانها قد عادوا مرة أخرى إلى السنن القديمة التي كانت موجودة قبل الإسلام، رغم عدم انتمائهم إلى تقاليد الصحراء وجاهليّة البدو الرُّحَّل. رغم كل هذا، أعرب الآلاف من الكوفيّين الأشداء عن مساندتهم للإمام حسين، وأرادوه زعيمًا لهم، وبناء على ذلك، اتجه الإمام حسين إلى الكوفة كي يستكمل زعامته الدينيّة بزعامته الدنيويّة.
بينما كان الإمام حسين بمنتصف الطريق إلى الكوفة، وصلته أنباء أنّ رسله قد قُتلوا بأيدي جنود يزيد بن معاوية، لكنّه لم يكن يملك أيّ بدائل سوى مواصلة الرحلة. اعترضته قوات يزيد، وأصرّت أن يعترف بزعامة يزيد الذي كان معروفًا عنه أنّه سكير وأنّه يستهزئ جهرًا بالشرائع الإسلاميّة. فلم يكن لدى الإمام حسين بديلا عن الحرب ضدّ هذه الخيانة وهذا الإفساد للإسلام، وقد استشهد في هذه المعركة -معركة كربلاء- سبعة وعشرون فردًا من آل الإمام الحسين؛ منهم رضع وأطفال ماتوا من العطش أو من قسي أعدائهم. في النهاية، استشهد الإمام حسين وقُطعت رأسه، ومَنْ نجا من آله سُحبوا مقيّدين، وأُجبروا على السير -عبر الصحراء الحارقة- حتى دمشق، حيث قُدّموا إلى محكمة يزيد.
تُمثّل معركة كربلاء 661م نقطة هامة وفاصلة في تاريخ الإسلام؛ فلقد سطعت ومضت كعبرة عظيمة لهؤلاء المسلمين الذين هجروا الطريق الوحيد للإسلام كي يعودوا إليه مرة أخرى، فالطريقة التي أُعيد بها إحياء الإسلام بعد موت الإمام حسين أكّدت للكثير من الخلق الحاجة الملحّة لإتباع قائد روحي، وليس الاعتماد فحسب على الحكم الدنيوي للملوك الجشعين، وأن يقدّروا كذلك سيادة الله على الأرض بإتباع خطى محمد صلّى الله عليه وسلم، إضافة إلى ذلك، أكّدت للناس أنّ الشخص المختار كحاكم مؤقت يجب أن يكون الأفضل روحيًّا؛ فعليه أن يكون الأكثر تطورًا من حيث الوعي والتقوى والتواضع والقرب إلى الناس كي ينهض بهم، وليس مجرد حاكم عليهم بينما يعيش هو في ترف ورفاهية وطغيان.
تأصّلت في ذلك الوقت كل الأعراف والعادات التي يقوم بها المسلمون حتى الآن، وبمرور سبعين سنة على وفاة محمد -صلّى الله عليه وسلّم- تم تجاهل معظم مبادئ وتعاليم الإسلام الأساسيّة من قِبَل مَنْ يدّعون الإسلام، ورغم ذلك وُجد مَنْ كانوا يُجسدون ويفهمون هذه التعاليم النبيلة؛ ولذا فكثير من هذه العادات والتقاليد الوثنيّة التي نراها في مسلمي الحاضر لم تأتِ من تعاليم الإسلام الأصيلة، بل يمكن تقصّي أصلها في فترة حكم بني أميّة الفاسدة تلك، رغم أنّ محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- قد حظر حكم سلالة واحدة. في هذه الحقبة، ظهر الفصل بين الرجال والنساء ساكني البيت الواحد في دمشق. فقد ظهر نزوع الرجال بأن يحظوا بالراقصات في دورهم؛ فبنوا لنساء البيت مساكن منفصلة كي يفصلوهن عن مساكن الرجال، ولم يكن هذا الفصل موجودًا في دور المسلمين من قبل. كانت المساجد مركزًا للمجتمع حيث يتقابل العامة، وحيث مركز الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبالتأكيد كانت مكانًا للعبادة، ولكنّها انحصرت في تلك الفترة على الوظيفة الأخيرة فقط، فأصبح المسجد مكانًا لإقامة الشعائر فقط، وفقد بذلك مكانته المحوريّة في حياة المجتمع الإسلامي. أصبح الخليفة أكثر بدانة ودائم السكر والإقامة بقصره، وبالتالي أصبح القصر مركز الحكم ونشاط الحكومة، وحتى لا ينكشف فسوق الخليفة فصل النساء والأطفال عنه، وبذلك انقسم البيت وتجزّأ.
خلال فترة فساد الحكم الأموي، فُتحت الكثير من البلاد، ودخل العديد والعديد من الناس الإسلام. على أية حال، كان الحكّام -في مجملهم- أكثر ظلمًا ودنيويّة، رغم ذلك كان هنالك الكثير من المسلمين الذين جسّدوا وفهموا تعاليم الإسلام، ولكنّهم كانوا ممنوعين فعليًّا من حكم مجتمعاتهم بسبب هؤلاء الجشعين طالبي المال والسلطان. بين الحين والآخر كان يظهر حاكم فاضل كعمر بن عبد العزيز (ت 717)، الذي حكم لمدة سنتين فقط، خلال هذه الفترة أحيا عمر بن عبد العزيز التعاليم الأصيلة للرسول الكريم، ومنع الناس من لعن الإمام علي بن أبي طالب وآله على منابر المساجد. بشكل عام، كان أمثاله من الحكام استثناء في تلك الفترة.
لم يُطق المسلمون الصادقون والأتقياء الظلم والقهر السائد؛ ولذا ظهرت حركة قادها أبو مسلم الخرساني، وتعهدت بإرجاع العدل والسنن الصحيحة للإسلام، كانت حركة ثوريّة شهيرة ضد الأمويين لصالح الهاشميين وآل النبيّ صلّى الله عليه وسلم. عامّة، عندما انتصروا ووصل الحكم الأموي إلى نهايته عام 749، كان حكم المجتمع الإسلامي قد اغتصبه العباسيون بحجّة أنّهم ينتسبون إلى محمد -صلّى الله عليه وسلّم- رغم أنّ القرابة كانت بعيدة جدًا.
وبحلول عام 750نشأ حكم جديد، وفي الأعوام التالية لم يكن مستغربًا أن يأمر الخليفة بقتل بعض أعضاء أسرته حتى ينهي الصراع على الحكم، أو كي يُقصي أيّ خصم محتمل له. على سبيل المثال، فقد قتل المأمون أخيه الأمين الذي كان ينافسه على العرش العباسي، وتورطت كذلك بعض النساء في الخداع بالكواليس، بالإضافة إلى طموح الملك أن يصبح إمبراطورًا، وأن يعيش في رفاهية وترف. كان هذا هو الوضع السائد في المجتمع الإسلامي بعد مائتي عام من مجيء الإسلام. ما من شك في وجود أناس يمتلكون الحكمة والتقوى والشغف للبحث عن الحقيقة، ووجود علماء أجلاء ورجال ذوي معرفة ونور كذلك، لكن من ناحية أخرى نجد الملوك العباسيين الفاسدين والمستبدين، الذين يُسمون أنفسهم حكّامًا، ولكنّهم –بهذا الفساد- قد شوّهوا المثال المحمدي. لقد وُجدت محاولات عديدة من قبل المسلمين لوقف الخلافة الظالمة، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، فمثلا ثار زيد بن علي وآخرين على الحُكّام الظالمين، لكنّهم عُوقبوا على ذلك بالقتل.
كانت تلك هي الظروف السياسيّة الفاسدة، والتناقضات الاجتماعيّة التي أدّت إلى ظهور المتصوّفين، فالمسلمون الأتقياء يريدون أن يميّزوا أنفسهم -تحت مظلة الإسلام- عن الفئة الحاكمة وأنصارهم الدنيويّن؛ ولذا نجد أنّ الحركة الصوفيّة بدأت كنتيجة طبيعيّة للمجتمع الإسلامي الذي قبل واتّبع الحكم الفاسد بدلا من إتباع ملك الملوك -الله تعالى- عبر إتباع ممثّليه الحقيقيين على الأرض.
بدأ المسلون الواعون بالتعاليم النبويّة الحقيقيّة، وغير القادرين على تغيير الوضع الحالي، في تكريس حياتهم للصلوات وتهذيب الباطن. إنّ الإمام علي زين العابدين -ابن الإمام حسين- واحد من الأمثلة الشهيرة على ذلك. لم يستطع هؤلاء المسلمين أن يوجّهوا طاقتهم الخارجية ضدّ شرّ الإنسان، وهؤلاء هم الذين سُمّوا بعد ذلك بالمتصوّفة.
اجتمعت مجموعة أخرى حول قادة روحيّين -انحدروا من سلالة محمد صلّى الله عليه وسلّم- من أجل العودة إلى السنن الحقّة للإسلام، واجتمعوا كذلك على رفض الخلفاء والملوك الذين استمروا في حكمهم الفاسد، هؤلاء كان يُطلق عليهم (الشيعة)، والتي كانت تعني (التابعين) أو (الحزب) أو (الجماعة) أو (الأنصار).
لم يكن لقب (الإمام) قاصرًا على هاتين المجموعتين حتى تشيران إلى قائد روحي كفء ومعروف، بل أيضا في التقليد الإسلامي الشيعي، حيث أُخذ المصطلح وأَخَذ معنى يُطلق على اثني عشر شخصًا كقواد روحيين منحدرين من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كل قائد منهم -في حياته- يؤكد صفات واسم الإمام الذي سيخلفه. في الطرق الصوفية، يوجد لقب شبيه يُمنح لرئيس الطريقة، فيُمنح لقب (شيخ) أو (القائد الروحي) بواسطة قائد معترف به فقط.
بخلاف الشيعة الذين يرفضون إتباع الملوك والخلفاء، ويعزلون أنفسهم أيضًا، يتسامح المتصوفة مع هؤلاء الحكام، زاعمين أنّهم غير قادرين على إنكار وجودهم الفعلي، وبالتالي يجب عليهم أن يلتزموا بقوانين المجتمع وأحكامه. بشكل عام، لقد سعوا للوصول إلى النور الباطنيّ، فاتخذوا الطريق الصوفي. يُقال -من وجهة نظر المتصوف- أنّك إذا لم تستطع أن تغيّر الملوك فلتغيّر نفسك، وإذا لم تستطع أن تغيّر الحكومة، فلتغيّر نفسك الضعيفة التي تطغى عليك من الداخل.
يستطيع أي شخص أن يفعل ما فعله أول متصوف حين أراد أن يصل إلى معني الحياة الأسمى،  فمن السطحية أن نقول أنّ التصوّف نشأ بعد موت الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بمئتي عام، أو أنّ أصله نشأ من الفقراء البسطاء طيّبو القلب الذين كانوا ضمن الصحابة الأوائل للرسول. فوجهتا النظر صحيحتان وأيضًا خاطئتان. إنّ التصوف حركة بدأت تتخذ شكلا وهويّة وحجمًا عندما انحرف القائد أو الحاكم الإسلامي عن تعاليم الإسلام الأصيلة، في هذا الطور بدأ مجال التصوف يتّسع، فأصبح مجاله علامة على الحماية كما هو علامة هويّة، حيث يفرق بين المسلم الحقيقي (وهو الصوفي) والشخص الذي انحرف عن الشريعة المحمديّة الأصيلة.
لقد لاحظ الشيعة ذلك مبكّرًا، فلم يقبلوا الرأي العام السائد لمعظم المسلمين أنّ -فيما يتعلّق بالحكم الفاسد- الحاكم المستبد أفضل من الحاكم الفوضوي؛ ولذلك يحاول الشيعة -كلما أمكن- التخلّص من الحكّام الظالمين، ونتيجة لذلك كانوا يقتلون ويذبحون. وكما رأينا فقد وجّه المتصوّفة أنفسهم إلى المشاكل الباطنيّة للإنسان، وبالتالي طوّروا علم الذات. عندما سُئل الإمام الجُنيد: "متى ظهر التصوف؟" قال: "التصوّف كان حقيقة بلا اسم، لكن، في يومنا هذا، هو اسم بلا حقيقة".
أحيانًا ما نجد خلال التاريخ الحضاري للإسلام معلّمًا صوفيًّا ينهض ليستنكر -على مستوى واسع- نظام حكم انحرف عن الطريق المحمّدي الأصيل إلى درجة غير مقبولة، فالصوفي الحق لا يقبل الطريق السريّ؛ لأنّه يؤمن بالوحدة، هو شخص لا يفصل الباطن عن الظاهر، هو شخص يُميز بينهما ويُدرك أين ينتهي ذاك وأين يبدأ الآخر، هو لا يخبرنا أنّه رجل الباطن والخلوة فقط، بل -بخلاف الشائع- لم يكن المعلّمين الصوفيّين الروحانيين أبدًا منعزلين، لقد كانت لديهم بصيرة كليّة، فمن وجهة نظر الصوفيّ، إذ ما بدأت من جهة سوف تنتهي إلى الجهة الأخرى، فإذا ما بدأت بالطهارة الظاهرة سوف تنتهي إلى النهاية الأخرى؛ وهي طهارة الذات الباطنة. وإذا ما بدأت بطهارة ذاتك الباطنة سوف تنتهي إلى الاهتمام بالظاهر وبالمجتمع.
إذا كنت تريد أن تعرف لماذا هذه الشجرة كبيرة وقوية ومقاومة لهجمات الأعاصير، عليك أن تحفر عميقًا من أجل أن تعرف مدى عمق جذورها، هذا يعكس ذاك، وهذا يقتفي أثر قصة ذاك. إذا كنت تريد مقامًا ظاهريًّا قويًّا، إذا تحتاج إلى مقام باطني قوي، مثل الغليون أو السفينة الشراعيّة التي تحمل حمولة ثقيلة، فهي لن تستطيع عبور البحور الهائجة إلا إذا امتلكت سارية قويّة وشراعًا كبيرًا. في نفس الوقت، يقول المتصوفة: "كلّما انغمس المرء في المقام الدنيويّ كلّما انغمس في المقام الروحي"، وبهذا يحدث التوازن، لا تستطيع الحصول على واحد منهما دون الآخر، وهذا هو المعنى وراء المقولة التي تقول أنّ مَنْ يبتغي الحياة الدنيويّة يبتغي -في الحقيقة- الحياة الروحيّة كذلك، لكنّه غير واعٍ بذلك. إنّ الشخص الجشع يحتاج إلى الأمان، غير أنّ الأمان الأقصى الحقيقي هو في اليقين والرضا الباطني، فإذا بحث أحدهم عنه في الظاهر فذلك لأنّ البحث الظاهري أسهل من البحث الباطني، فهو مادي ومجسّم، وبالتالي أكثر حسيّة وعمليّة، بينما الباطن أكثر رقّة وأصعب عمليًّا. إنّ المغرور في الظاهر غير آمن بالباطن؛ ولذلك يظهر غروره في الظاهر، ومَنْ يشعر باللا أمان بالباطن يحمي نفسه بالإعلاء من شأن نفسه في الظاهر.
هذه هي قوانين الذات التي تمت مناقشتها وتعليمها وممارستها في الدوائر المتصوّفة، وهذا لا يعني أنّها لم تكن معروفة قبل ذلك، وأنّها برزت فقط بعد موت الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بمئتي عام، فلقد عُرفت أنواع المعرفة تلك قبل وخلال حياة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومورست دون أن تأخذ شكلا رسميًّا أو تُسمّى، مثلها كمثل أن تطبخ أكلة وتأكلها دون أن تسمّي هذه الأكلة باسم معين، وأيضا بدون الاستعانة بكتاب لوصفات الأكلات. بهذا، فالتصوف كان موجودًا أيام الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يُسمّي بهذا الاسم، وهذا ما يعنيه قول الإمام الجنيد: "التصوّف كان حقيقة بلا اسم"، فلم يكن علمًا موضوعيًّا كي يدرسه المستشرقون ويحلّله وينشره اللغويون. يوجد فارق كبير بين مجرد جمع الوصفات والطبخ والأكل الفعلي. الآن، يوجد -بالكاد- أي طباخ حقيقي في أي مكان، ولكن يوجد العديد من الناس الذين يجمعون الوصفات ويبدّلونها؛ كمثال: "ظهر التصوّف مرة أخرى في القرن التاسع عشر"، وهذا لا يعني أيّ شيء إذا تأمل المرء الأمر بعمق، فالتصريحات التي أبرزها التصوّف قرنين بعد موت محمد -صلى الله عليه وسلّم- سطحيّة إلا إذا اعتبرناها كخلفيّة للتاريخ السياسي في الإسلام. فبالنسبة لعقل متأمّل، يتضح أنّ أمر ظهور التصوّف للنور كان رد فعل للوضع الظاهري الظالم والجائر بسبب الحزب الحاكم الذي انحرف عن الطريق الإسلامي القويم.
وإجمالا لتعليقاتنا السابقة، نرى أنّه خلال خمسين عامًا بعد موت محمد -صلّى الله عليه وسلّم- لم نجد فقط ارتداد وضع المسلمين مرة أخرى إلى العنصريّة والإقطاع والنظام الطبقي من الذين يملكون والذين لا يملكون في العائلات العربيّة ما قبل الإسلام الأول والهيكل الاجتماعي القبلي، لكن أيضًا نرى أنّ الوضع لم يكن أسوأ من عصر ما قبل الإسلام بسبب الثقة التي أعطاها الدين الجديد للعرب، وحيث إنّ هؤلاء الناس أصبحوا هم الحكام، فقد استخدموا اسم الإسلام كواجهة صدّ للاختفاء وراءها ولتبرير أعمالهم.
بعد مضيّ مئة عام على موت محمد -صلّى الله عليه وسلّم- حدثت تغيّرات أكثر في المجتمع الإسلامي الجديد، فبدأت التعاليم الدينيّة في المساجد تأخذ شكلا تقليديًّا. في عصر الرسول، كان المسجد بسيطًا في عمارته، لم تكن توجد مآذن، فلقد قُدّمت فكرة المئذنة في مرحلة تالية، حيث إنّها وسيلة جيدة لنقل صوت الأذان لمسافة بعيدة. تدريجيًّا، أصبح المسجد ذا تصميم أكثر تعقيدًا، ومع هذه التطويرات، بدأت تعاليم الدين الإسلامي تأخذ شكلا أكثر رسميّة. بدأ الناس يتعلّمون القرآن والسنّة وأحاديث الرسول والفقه بطريقة أكثر رسميّة، وأيضا بطريقة موحّدة. إنّ ظهور المتصوّفة بعد موت محمد -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن لجلب أيّ تعاليم جديدة، لكن فقط من أجل الحفاظ على الروح والصورة الأصيلة للإسلام، معناه الكامل والرسالة الباطنية، الحيّة، بدلا عن مجرد التمسّك بالجوانب الشكليّة للإسلام، التي كانت قد بدأت تأخذ -في ذلك الحين- شكلا واضحًا. في الوقت الذي مات فيه محمد صلّى الله عليه وسلم، كان يوجد أناس يفهمون القرآن والسنّة وأحاديث الرسول، وكانوا يعملون بها في حياتهم، فعلوم الدين التي ظهرت بعد ذلك؛ مثل علم التوحيد وتفسير القرآن، لم تكن موجودة فعليًّا في تلك الفترة. وجنبًا إلى جنب مع ظهور هذه العلوم الدينيّة، بدأ يظهر البحث في إحياء الباطن أيضًا، فقبل ذلك لم يكونا منفصلين، وكان المسلم الحق يعيش بشكل أكثر بساطة وعفويّة.
بعد وفاة محمد -صلّى الله عليه وسلم- ببضعة قرون بدأت السلطة السياسية للمسلمين في التراجع؛ فمثلا كانت تُحيط بالأندلس -التي تم فتحها عام 756- العديد من الخلافات السياسيّة وقتها بسبب ترسيخها للحكم الوراثي، وتعدّدت الصراعات والاضطرابات في قرطبة، كما كان حكام الممالك الصغيرة يحاربون -عبر الأندلس- بعضهم بعض، وكان المسلمون يسفكون دماء المسلمين. وبالشرق، ازداد التحلل العباسي والخلاف الداخلي، فأصبح الفاطميون -الذين كانوا يحكمون مصر- أكثر، وهنا -من الناحية السياسيّة، ومن ناحية أخرى- اعتبر معظم علماء الدين أنّ القرن العاشر شهد قمّة الحركة الصوفيّة، ودائمًا ما يُشار إلى منصور الحلاج -الذي استشهد عام 923- في هذا السياق.
خلال فترة هذا الانحلال والانحدار الاجتماعي والسياسي والروحي والأخلاقي امتدت الحركة الصوفيّة بثبات، حاملة فوق كاهلها مسؤوليّة إحياء الطريق القويم للإسلام، مثلما ذكرناه وناقشناه من قبل. من هذه الزاوية، اعتبر التصوّف حركة موازية لنبوّة عيسى، الذي لم تكن رسالته هدم شريعة موسى ولكن إحياء لروح الشريعة من أجل إعادة توازنها، وكنتيجة لذلك، لم يُغيّر عيسى الشريعة الموسويّة التي كانت موجودة حينها، لكنّه أثبتها، مبيّنًا وضعها الصحيح ومعناها، وتلا ذلك تحريف من قِبَل بولس وآخرين مَمْن أنشؤوا ما يُدعى بالمسيحيّة، وهذا ما حدث في هذه الحقبة التي كنا نتكلم عنها؛ إنّ كثيرًا من المسلمين قد فقدوا بصيرتهم للوضع والمعنى الحقيقي للإسلام. وظهرت معظم كتابات المتصوّفة عن التهذيب الروحي والأخلاقي من أجل إرشاد الناس الراغبين في التوازن والصفاء ومعرفة الذات والتنوير الباطني.
إنّ واحدة من أقدم الرسائل عن التصوّف هي ما كتبه عبد الرحمن السلمي، الذي ولد عام 938بنيسابور (إيران حاليًا). كانت نيسابور في ذلك الوقت مركزًا هامًّا للعلم والتعلّم. حفظ السلمي -كتقاليد هذا الزمان- القرآن عن ظهر قلب، وتعلّم النحو وسيرة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وسنّته، وعلومًا دينية أخرى متعدّدة، وكانت ذاته -كأشخاص كثيرين بذلك الوقت- توّاقة للعلوم الدينيّة التقليديّة، ولقد كان مؤهلا لكي ينهل منها أكثر وأكثر؛ ولذا بدأ يسافر كثيرًا، خاصة بين مدينتي بلخ وبخارة، وكانت هذه المناطق -في ذلك الوقت- ممتلئة بالمعلّمين الروحانيّين والنّفوس اليقظة، وقد سافر السلمي غربًا، وقضى فترة مديدة من حياته في بغداد والقاهرة ومكة، وبهذا جمع حكمة الكثير من المتصوّفة الأتقياء، وصنّفهم وصنّف أقوالهم في كتابه الشهير (طبقات الصوفيّة)؛ يشمل هذا الكتاب أقدم مجموعة من سِيَر المتصوّفة الذين قابلهم أثناء رحلاته. إنّ معظم كتب المتصوّفة الذين ذكرهم في كتابه قد فُقدت تمامًا، وبناء على ذلك فوثيقة السلمي تلك شاهد تاريخي هام على ما حدث في عالم التصوّف حتى وقته، ففي هذه الوثيقة، نستطيع أن نضع أيدينا علي الوضع الذي يتعلّق به البحث عن الحقيقة وإحياء المعنى الباطني لطريق الإسلام، واستمرار الخبرة النقلية لهذه الطريقة من الحياة، خلال القرنين التاسع والعاشر.
بالإضافة إلى كتاب السلمي، هناك أعمال أخرى مهمّة عن التصوّف، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك (قوت القلوب) لأبي طالب المكي (ت 996)، و(الرسالة القشيريّة) لأبي قاسم القشيري (ت 1072)، و(إحياء علوم الدين) للإمام أبي حامد الغزالي (ت 1111)، ورسائل عبد القادر الجيلاني (ت 1166)، لقد أصبحت هذه الأعمال -فيما بعد- أسسًا لدراسة التصوّف، ومن ناحية أخرى أصبحت أساسًا لعلم التصوّف نفسه. في كل هذه الأعمال المهمة يوجد توازن تعليمي بين السلوك الظاهري أو الشريعة الإسلاميّة والحقيقة الباطنية للوجود. هذه الأعمال -خاصة إحياء علوم الدين- اعتبرت مرجعًا أساسيًّا لأعمال المتصوّفة لمدة طويلة، ونتيجة لذلك أصبحت تُنَمّي الخبرة النقلية للناس الذين اطلعوا عليها كقاعدة أساس لتعلّم علم التصوّف. كان هؤلاء الرجال يهدفون إلى استعادة صحوة الوعي الإنساني الذي يرجع صداه إلى -أو قد قارب- الحالة الباطنة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. لقد كان الهدف والغرض الأسمى من التصوف حال تكوينه -كما في حالته في السنوات التالية على ذلك- السعي إلى إرجاع الصدى، أو أن يصبحوا مثل ريشة تنغيم تهتز مع نفس النغمة التي كانت لدى محمد صلّى الله عليه وسلّم.
إنّ علم التصوف دائمًا ما كان يوجّه ناحية المحاكاة وتجسيد المثالي النبويّ، حتى يتم تنوير طريقه وتحويله بنوره، في شكل من السهل فهمه عمليًّا من قبل المريد المخلص، ويمكن إنجاز ذلك -على سبيل المثال- من خلال البدء باليقين خلال المعرفة التي تحتوي على معلومات عن مغزى حياة الإنسان على هذه الأرض وقدره المكتوب خلال المعرفة النظريّة، ثم التطور إلى اليقين عبر الرؤية؛ التي تبدأ بمعرفة كيفيّة النمو للداخل -أي داخل خبرة الذات- وأخيرًا الوصول إلى اليقين عبر معاناة الواقع، وهي المعرفة عبر ذاتك نفسها، عبر كينونتك الأولى التي تمّ تنشيطها.

أقفية

$
0
0




أبله، حقا أبله. يطاح بك كورقة صفراء بلا خيوط أو قفازات سوداء. كورقة شجرة موز فقدت وزنها فسخرتها الرياح.
تقف، تراقب الأرقام، تنتظر أرقاما نادرة، العوز يرهنك، يثبتك بقادوم يزن أطنانا، تستحم فى عرقك منتظرا. و حينما يحضر خلاصك، تتعلق به، تحتضنه و كأنك تبغى تقبيل جسده الحديدى، ....... ساق على السلم و ساق فى الخواء.
- - -
يد لزجة، رجولية، أظن أنها لذكر، ربما يكون ضخما بسبب قوتها، ربما يكون متأخرا مثلى، ربما سيخصم من راتبه نصف يوم مثلما سيخصم منى بسبب التأخير، ربما سيقبض بنهاية الشهر نصف راتبه مثلما أقبض دائما. ربما يعول ولديه و ابنته. زوجته التى تعمل فى وزارة الموارد المائية تصل البيت قبله بزمن نسبى، و لكنها تلاحظ مجيئه بعد مجيئه بزمن نسبى. تتمنى الخلاص من الله سبحانه و تعالى، من فخامة السيد الرئيس، من معالى الوزير أو من سيادة المحافظ.
نظرات محتكى الأتوبيس المزدرية تمزقنى كلقيمات صغيرة. أرى التساؤل فى أعينهم، أين كرامتك؟ كيف تركته يصفعك على قفاك؟ هل ستتركه أم ستنتقم؟ أتنتظر اللحظة المناسبة؟ هل تنتظر لحظة ضعف لتنهال عليه؟ هل أنت بهذا الخبث أم أنك أبله؟ جسدك الفارع و شاربك الثقيل الكالح يوحيان بعنفوانك.

ملحوظة: الصفعة التى تناولتها على قفاى كانت مؤلمة بحق.
- - -
و لكن الصفعة الثانية لم تكن بهذه القسوة، و كأن قفاى بدأ التعود على الصفع، أو أن يد مديرى الغير شغيلة الناعمة كانت أرحم من يد الكمسرى الخشنة الملطخة بالحبر الأزرق و الهباب الأسود. حقا أنه لشعور رائع أن تصفع على قفاك بهذه الرقة بعد أن صفعت بهذه القسوة. لن أزيد عليكم فالصفعات كالتلغرافات، سريعة، واضحة و مؤلمة فى بعض الأحوال.
- - -
هكذا تناولت قفوين بنهار واحد.
القفا الثالث جاء متأخرا نسبيا. كنت أصطحب زوجتى و أبنائى لشراء ملابس جديدة لهم. كنت أمشى بميدان العتبة حاملا لفائف عدة عندما سمعت صوت إختراق اليد للهواء قبل صوت ارتطامها على سطح قفاى، تماما كرؤية البرق قبل سماع رعده. هذه المرة أدمت لسانى. كانت قوية، حازمة، مسيطرة و مفاجئة، حتى أننى كدت أقع. أغمضت عينيى قصرا و عندما فتحتهما كان الميدان الصاخب قد سكن.
حاولت تخيله، يوجب أن يكون ضخما، ربما ستون زراعا مثلما قرأت بكتب التفسير، أو ربما هم كثر تجامعوا على قفاى. ربما لاحظوا احمراره بسبب صفعتى الصباح فتبينوا القابلية. ربما قد صدر قانون جديد يحتم صفع القفا ثلاث مرات يوميا لكل مواطن. هل ستكون الصفعات عشوائية، متباينة فى الزمان و المكان و الصافعين؟ هل ستكون مثل الوجبات، صباحا و ظهرا و مساءا أم مثل الصلوات فجرا و عصرا و عشاءا؟ هل ستثبت الأماكن التى صفعت بها؟ فى الأتوبيس، فى العمل و فى ميدان العتبة؟ أفضل أن تكون ثابتة كى أتوقع حدوثها، سيستوجب على إدخار بعض المال إذن كى أشترى واق للقفا و ربما أضطر إلى تغييره كل بضعة أشهر. هل سيستثنوا النساء و الأطفال؟ و ماذا عن الذى سافر خارج البلاد لبضعة أشهر؟ هل سيسقط حقه فى الصفعات أم أنه سينال حقه بأثر لاحق؟
- - -
عندما أفقت رأيت النجوم النحاسية، لملمت حاجياتى الحية و غير الحية و توليت. لم أجرؤ على الإلتفات فتكفينى نجمة واحدة، بل شريط واحد كى أقنع بغطاء فراشى. حقا لم أجرؤ، لم أجرؤ حتى على النظر إلى وجه زوجتى التى كانت تحدق فى النجوم النحاسية و ابتسامه ساخرة تحاول الإفلات من شدقيها.
حقا لم أجرؤ.
محمد سيد عبد الرحيم


عرض الفيلم البرازيلي مدينة الله

$
0
0



غدا الأحد 1/4/2012 عرض فيلم  مدينة الله City of God  
بنادي سينما مغامير بكرمة بن هانئ بمتحف أحمد شوقي 6ونص مساء
الفيلم انتاج برازيلي/ فرنسي 2002
مدته 130 ق
إخراج فرناندو ميرليس
الفيلم يحكي عن صديقان يشبان في أحياء ري ودي جنيرو الفقيرة والمتوحشة وكلاهما يأخذ طريقا مختلفا عن الآخر: الأول يصبح مصورا فوتوغرافيا والثاني يصبح بائعا للمخدرات. فيلم عن الفقر المدقع الذي تعيش فيه ري ودي جنيرو، عن حياة الجريمة وتجارة المخدرات والأسلحة النارية، فيلم تلهث العيون وراء أبطاله هربا بحياتهم ثم تستكين قليلا للاستمتاع على شاطيء البحر أو فوق غصن شجرة.


مرحلة الياء بكلمة "صوفي"/ إيلاف شفق

$
0
0

من رواية أربعون قاعدة للحب
ترجمة محمد سيد عبد الرحيم



قال عزيز أنه منذ تلك اللحظة تغير كل شيء في حياته. من رجل مقبل على الموت إلى رجل يحب امرأة في وقت غير متوقع. كان عليه فجأة أن يغير مكان كل القطع التي تخيل منذ وقت طويل أنها مستقرة بمكانها. وجد نفسه يعيد التفكير مرة أخرى في معاني كلمات كالروحانية والحياة والأسرة والأخلاق والإيمان والحب، بدأ يتجدد تمسكه بالحياة.
هذه المرحلة الجديدة والأخيرة بحياته هي مرحلة حرف الياء بكلمة "صوفي". قال أيضا أن هذه المرحلة يلاحظ عليها أنها أصعب كثيرا من كل المراحل السابقة عليها، لأنها جاءت في وقت كان يعتقد أنه قد انتهى من معظم، إن لم يكن كل، الصراعات الداخلية، جاءت في وقت كان يعتقد أنه قد وصل فيه إلى النضج والانتشاء الروحاني.
"يعلمنا التصوف كيف نموت قبل أن نموت. لقد مررت بكل هذه المراحل، واحدة واحدة. وحينما ظننت أنني قد وصلت إلى المنتهى، نزلت علي تلك المرأة من اللا مكان. تكتب لي الرسائل الإلكترونية وأرد عليها بالمثل. بعد كل رسالة إلكترونية انتظر بفارغ الصبر جوابها. أصبحت الكلمات أكثر قيمة مما كانت عليه من قبل. تحول العالم كله إلى شاشة سوداء تنتظر أن يُكتب عليها. وأدركت أنني أريد أن أعرف هذه المرأة أكثر وأكثر. أريد أن أقضي وقتا أكثر مع هذه المرأة. فجأة اكتشفت أن حياتي لا تكفيني. أدركت أننى أخاف الموت، وأن جزءا مني مستعدا للتمرد على الله الذي أعبده وأخضع له."
قالت إيلا عندما استطاعت أن تخرج صوتا من بين شفتيها "لكننا سنجد الوقت كي..."
قال عزيز بلطف لكن بحزم "قال لي الأطباء أنه قد تبقى له ستة عشر شهرا. قد يكونوا مخطئين. وقد يكونوا محقين. لا أعرف ولا أستطيع أن أعرف. وكما ترين يا إيلا، كل ما استطيع أن أقدمه لك هو اللحظة الراهنة. هذا كل ما أملك. لكن الحقيقة أنه لا أحد يملك أكثر من اللحظة الراهنة. لكنهم يحاولون فقط الإدعاء بأنهم يملكون أشياء أخرى."

عرض فيلم وداعا لينين!

$
0
0







الأحد القادم 8/4/2012 عرض فيلم  وداعا لينين!
بنادي سينما مغامير بكرمة بن هانئ بمتحف أحمد شوقي 6ونص مساء
الفيلم انتاج ألماني 2003
مدته 121 ق

إخراج وولفجنج بيكر
في عام 1990 وقبل سقوط حائط برلين بقليل تدخل امرأة بغيبوبة لتخرج منها بعد سقوط الحائط واتحاد ألمانيا الشرقية مع الغربية، لكن ابنها يخبئ عنها هذا الخبر حتى لا تموت بسبب حبها الشديد لبلادها ألمانيا الشرقية وسياستها ونظامها. الفيلم يدور في قالب كوميدي سياسي حيث يحاول الابن اخفاء أمر اختفاء ألمانيا الشرقية الشيوعية تماما من الوجود لتندمج مع ألمانيا الغربية الرأسمالية.

هكذا تكلم " ميهي "

$
0
0



-         مريم ، أكملي هذه الجملة ، إذا كنت غنيا سوف . .

إهداء : إلي من كرهوا عملهم اليومي و إستجابوا للاوعي .

ما بين أيديكم مذكرات لشاب يدعي أن اسمه " ميهي "(1)و لأن ما لاقاه يضفي علينا خبرة حياتية لذا قررت نشرها بعد أن تأكدت من وفاته ، و ملحق خبر بذلك :-
عثر أهالي الروضة علي جثة شاب يدعي " ميهي "

قالت والدة الغريق أنه اختفي منذ تسعة أيام كاملة . . . . . . . .(2)



24 مارس 2019
حبيبها لست وحدك . . حبيبها .  (3)            

جذوتي المشتعلة يطفئها نوران / ينبثقان من عيناها ، عيناها الواسعتين / المكحلتين دوما ، تارة بالمعتم و حين بالفاقع و بون ذاك و هاك صبغتها المفضلة ، صبغة سمائي .
تمسك بيدك ، تهرب إليها فتستمتع بالفرار الصامت ، إلي أين لا يهم ، تدفعك إلي سيارة أجرة - يتحايل الأبيض علي الأسود كي يطغي - ، تري أسود قصر النيل الفرنسية (4) ، فتخرج إلي مكنونك هامسا " أنا لست أسدا ، أنا لست أبي الهول (5)، لست إله الشمس ، لا أستطيع مواجهة الشمس المشرقة و لا أن أكون حامي الأهرامات أو ممزق أعداء رع . . . أنا لست أبي الهول " . تبتسم ، فتفيقك هي قائلة " سوف نتوقف هنا " ، تنفتح علي الكون مرة أخري و تترك الكرسي منتظرا ثنائي جديد يتابعه ، تدفع الأجرة بسخاء ثم تتبعها ، ، ، هل تسألها أين ستجلسين سيدتي  أم أنا من سألتها ؟ أو ربما هو النادل ، تهز كتفيها قائلة " أجلس بمقابلي " تجلس ، تنظر إليها ، عينان جريئتان / معبرتان .
لما تبدأ دائما بوصف عيناها ؟ هل العيون بوابات ترحل عبرها إلي عالم آخر خاص ؟ . . باحتراف تحرر يدها اليسري كي يعرف الحضور أنها غير متزوجة ، تحرر يدها اليمني كي يعرف الحضور أنها غير مخطوبة ، تتلاقي عيناها بعيني شخص كي يعرف أنها غير مرتبطة عاطفيا ، تخفض عيناها مستحية كي يعرف أنها غير نافرة .
تشعل لفافة تبغ ، أشعر بالنار بيني و بينها و لكنك أقرب إليها منها ، نار خففت سبعين مرة .



اسمي أنا دعنا من الأسماء
أسخف ما نحمله يا سيدي الأسماء (6)

القاهرة الرابعة فجرا
ورق الجرائد يقفز علي الأسفلت ، يحاول الطيران بواسطة شئ خفي اسمه الريح ، تحاول أن تنتشله من الغرق في عتمة الطرقات . بعد هزيمة المنتخب القومي ، خلت الطرقات سوي من عسكري مرور . . يشوط كلب ، ينتفض مذعورا ، يهرب غير عابئ سوي بكدمته ، يأخذ العسكري الورق المقوي الذي كان الكلب نائما فوقه ، يمشي متعثرا هنا و هناك ، وصولا لعامود الإشارة ، يفرش الورق المقوي و يستلقي عليه .

تعريفات لابد منها :-
            عدم الحيلة : أن يتقصي ضابط دورية بنظره طول لمة شفة إمراتك العليا و تكور بطنها و نهديها . و عندما تنبهه مستفسرا " في حاجة ؟ " يرد عليك في ابتسامة خفية " مساء الفل " .

أراه ، أري الإحباط علي أعتاب عيونهم ، يظن انه خفي / مستتر ، إحباط أبله و لكنه مؤثر . عكس كل الخلق أذهب إلي شارع " جامعة الدول العربية " يوم الهزيمة ، تحرسني مجموعة نجوم الميزان ، تداعبني ببريقها رغم محاولات أضواء المدينة لإخفاق سعيها المستمر و الحاني .
بعضهم يسير كالنسر و البعض الآخر كالفراش و البعض الآخر كالدب ، إلي أين ؟ كل إلي عريشته / شرنقته / وكره ، فراش خاوي ، فراش يملؤه صدر شخص ما ، فراش يملؤه ظهر شخص ما .
الوقت يسيل سويعة تلو السويعة و شخصي لم يفارق شارع " جامعة الدول العربية " ، أراقب مبني من طابقين حتي تلاشي البريق من جراء النهار.

( 1 + 1) لا يساوي ( 3 ) ابدا . (7)



حينما أرحت سماعة الهاتف لتلامس أذني ، وصلتني بحة صوتها ، تريدني . . تريد أن تراني – أغتبطت – معنا شخص آخر – أرتبكت – شخص رأيته من قبل – أستفسرت – رامي – أنزاحت الغمة لتفسح موقعا إستراتيجيا لغمة أكحل .
نعرف بعض منذ . . منذ أن كان الإختلاط محببا ، تحيطني أحيطها ، تقبلني أقبلها ، تضربني أضربها ، تراني عاريا فأستكشفها ، إذن ما الجديد ؟ الجديد هو الكبر . . إذن ، فليكن فلن أنسي ما كان في الصغر ، سوف أنتظر إلي الأبد . . و لكن لم إخبر من قبل هل للأبد " هذا " زمنا معينا ؟
في باخرة غير جذابة ، التقينا ، أنا و هي و ثالثنا " رامي " ، تجلس بينكم ، تداعب رامي مرة و تحاول التوفيق بينكم مرة و ترشق نظرة خارجية دوما ، أسمع نهيق إتان فتدهش ، من أين يأتي هذا النهيق و الباخرة تبحر في النهر المنساب كرقائق جبلية لا تذكر أين رأيتها و لا أستطيع أن أذكرك بها ( ملحوظة : آسف علي كبت تخيلك أحيانا ) .
دائما ما أراها تعبر الإطار و تقف خلف النافذة – نافذة سلفادور دالي (8)– الثوب القصير الذي يظهر إكتمال نضوج الساق و يبرز تكور الأرداف ، هي لا تنتظر حدثا خارج الغرفة الخاوية بل شخصا من خلفها يمسك بأردافها ، يلامس ظهرها ، يعتصر أثدائها و يتلمس نتوءات شفتيها بإنسياب علي وتيرة نهرية موسيقية لموتسارت (9) .
لم يخجل رامي من الحدث و لم تخجل أنت مؤكدا ، هذا لأن الخجل يعتمد عليكم معا و ليس علي شخص واحد ، فمعاملتك له كقرين جعله ينسي خيلاته عن موقف الآخر – الذي هو نحن – و موقفه . و لكني إستمتعت بمشاهدته يتحول كحرباء لها أصول أسفنجية من التجهم إلي التبسم و من التبسم إلي التجهم ، نظرات العين و عضلات الفك و الوجه كلها تنم علي مستوي بدائي في التعبير ، أستطيع أن أمنحه بيسر " ضعيف جدا " ، فما رأيك ؟

تعريفات لابد منها :-
الحرية ليست التحرر من كل شئ ، لأن الحر لا يستطيع أن يتحرر من قانون الحرية ذاته ، مثله كمثل تنين يأكل جزءا من جسده كل يوم حتي تخور قواه فيأكله وحش أسطوري آخر ليس له مسمي .



الروضة الخامسة صباحا
النهار يسحقني بسلاسله الذهبية ، يكبلني ، يمزق مسامي محاولا التفشي بجلدي كالسرطان ، اسألك " لماذا أنتظرت حتي تمزق الليل ؟ ألا تعرف أن الظلمة هي المحمية الطبيعية للتعساء ؟ في الظلمة يحلو الترح و يستجيب العقل لأكثر من طريقة للإنتحار "
النيل الحبري و البرج القلمي يعشق أحدهما الآخر و ينتظر كلاهما ظاهرة إكلينيكية جيدة للأرض تخفف من الفروق الغير جوهرية التي تمنعهم من الملاقاة . هذا ما وقع به تفكيري و مريم بيننا وبينه .
ألا تظن أننا أحق منه بها . فملامحها من ملامحي ، تمنعها من تمنعي ، نتوءاتها و أرضيتها الخصبة أعرفها و أدركها تمام الإدراك . هو فقط دخيل علينا ، يريد الإنتفاع بكل مواردها المادية و الصورية رغم جهله التام بكيفية التعامل معها . فلا غرو أنها من الممكن أن تبتلعه يوما ما . و ربما تأتي أمه الفرنسية لتبحث عنه في جوفها ( ملحوظة : لم أعرف لمريم أصدقاء إناث ) فتلتهمها هي الأخري في بئرها السبعي . . . فاحذر ، ،  فعندما تأتي النهاية ، ستأتي نهاية حياتك و أحلامك و أمالك و أوهامك و خيالاتك و تخيلاتك و أفكارك و آرائك و تحذيراتك و آلامك و أفراحك و لكن قبل كل هذا ستنتهي هذه المذكرات .   .   .

تعريفات حدية : -  
بعض الناس كالشمس لهم بريق بازخ و جلي و بعضهم كالقمر لا يستطيع أن يشعر به أحد إلا عندما يغيب الشخص المصاحب له دائما و بعضهم كالكواكب لا بريق له و لا انعكاس و لكنه أكثر تركيبا و إلحاحا للإستكشاف .

أمشي حاملا إحساسي بالتهافت كالمسيح يحمل صليبه بدرب آلامه (10) . بعض الصور و التشبيهات تستدير فتمنحها إبتسامة و تحديقة أو تحديقتين بعد أن تكون قد تخطيتها . و تتسأل هل من اخترع القطار فكر إنه سوف يأتي يوما يرمز الفنانين للحياة بهذا الإختراع .
تسألني " ماذا ستفعل بأداة الجريمة كما يطلق عليها وكلاء النيابة ( أكثر من جيد جدا ) و المحاميين ( أقل من جيد جدا ) ؟ " لا أدري ، ربما أقذفها في النهر و . . . . و لكن لماذا أقذفها و لماذا أتخلص منهاأصلا و بدءا ؟ نعم . . فماذا يهم إذا كان القصبجي (11)خلف ثومة (12)أم ثومة أمام القصبجي ؟ طالما أن الناس لا تهتم به . مثلما إني لا أهتم الآن بكلاهما إلا في هذه النقطة فقط ، فأنا أتحدث عن نفسي عندما أريد أن أتحدث عن نفسي و أتحدث عن الآخرين عندما أريد أن أتحدث أريد أن أتحدث عن نفسي أيضا . و أضجر و أشعر بالتقيؤ و تنتابني كلستروفوبيا (13)  و عدم مبالاة نحو كينونة و وجود و بالتالي حديث الآخرإلا إذا كان يتحدث عني . هذه ليست أنانية و بالتأكيد ليست غيرية و لكنـ < ي > أستطيع أن أطلق عليها نفسية . فنفسي تبغض الآخر حتي إني يوما أنكرت وجوده تماما ، ربما شماتة وربما تمنيا لذلك ؛ فافهم .
تعريفات لا تاريخية : -
لا فرق بين السادات (14) و اسيودورس (15) أو ثورة التصحيح و ثورة البوكليا .

و قد خرجنا عما كنا بسبيله فنرجع .



تضايقني رائحتها و يعف عن عيني لزوجه سائلها الذي امتلئ حوض الإستحمام به و تضمني وحدة رغم تناثر أشلائها في أرجاء أرضية الحمام . قلت لها يوماو بصوتي شجو و شجن ( لا أتذكر لماذا كنت بوهدة يتراكم عليها الشجو و الشجن ، أظن أنك كبت مخيلتي هذه المرة ، فاحذر مني و لا تعبث معي ) " حينما أعشق شخصا بحق أبغي أن أتملكه " . سألت في عدم اهتمام كارميني مقتضب " كيف ؟ " بعد أن تأكدت أن إعترافاتي لن ترسخ  في عقلها / ذاكرتها ، جاوبتها " حينما أمارس معه حواسي جميعها " ضحكت و قالت و كتفيها يرتفعان و يهويان من جراء قهقهاتها المفتعلة " إذن فأنت تعشق كل من عرفتهم ! " .
كنت أقصد حينها إني لن أمارس معه / معها بصري و سمعي و تخيلي فقط ، بل استنشاقي لرائحته حتي النفاذ و تذوقي لملمسة حتي الإشباع و عبثي بأشلائه المتناسقة حتي شعوري إني أستطيع التوفيق ما بينها بعد بعثرتها .
سألتك مرارا لماذا تعشق هذه الغبية و لكنك تفحمني و تجعلني أبتلع لساني مثل لا عب نيجيريا بجوابك أني أيضا أهيم بها و ربما زدت عنك رغم تنافي و تلاشي هذا الإحتمال فكلانا متساويان بالعته بها . و ما يجمعنا هو قانون كليبتومانية (16) مريم و الإحتفاظ بها و النهل منها حتي التخمة . فافهم !
السكين الخاص بفتح الجوابات لا يجدي الآن فقد أنتهت مهمته بالوصول إلي الغرفة اليسري من قلبها (17)، تتكافأ بها الأمواج كأنها تتساقط ، أو تمور كأن الأمواج تتكافأ بها ، أقف مبهورا / مشغوفا بموعد السقوط ، بجذبني في لحظة أو لحظتين خاطفتين التقاطعات الوردية للباسها الداخلي و قد استحال إلي القاني و عيناها تضيق حدقتيها مخلفة لون أكثر غموضا من لوني المفضل .
هناك . . . كانت . . . هذه اللحيظة التي أدركت فيها أن شيئا لم يتغير و أنها لن تحبني أبدا بعد اليوم و أنهالم تحب من قبل ، حتي حبها لذاتها شككت فيه ، فكم حاولت أن تخرج من جسدها . و عندما وصل فكري إلي هذا ، اغتبطت ؛ إذن فأنا لم أفعل شيئا سوي مساعدتها ، ، ، مساعدتها علي الخروج من الجسد إلي هذا المكان الذي أنا به الآن .
و لكني تأكدت أيضا أني سأموت و أنا سمين مثل قط أعرج و وحيد مثل نفس القط الأعرج ، ليجدني الآخرين – إن وجدوا – بعدها بأيام معدودات و أنا نصف متحلل . فقررت أن لا يجدني أحد . وأدركت أن رغبة ملحة في الغربة قد استحوذت علي .



لست أنا النبي لأدعي وحيا
و أعلن أن هاويتي صعود(18)

( أعرف أنك تريد أن تعرف ما شكل و تكوين و ملامح هذا المكان الذي أسكنه الآن ، و لكني لن أقول لك ، فمثلما أنك مهتم بها هنا عن ها هناك فإني مهتم بها هناك عن ها هنا ) . . . انتهي .

                                                            رواها : ميهي
                                            تجميع و تنسيق و تعليق : محمد سيد عبد الرحيم


(1)            هيروغليفي تعني الغريق و تطلق علي أزوريس بسبب موته غريقا ( راجع إيزيس و أزوريس : بدون مؤلف ) .
(2)            و إنني أرجو القارئ أن يبقي هذه الملاحظة في ذهنه الخصب .
(3)            للشاعر المصري كامل الشناوي .
(4)            هدية من فرنسا إلي مصر .
(5)            أبي الهول لا يتزوج و لا ينسل ، فقدره أن يحيا و أن يموت وحيدا .
(6)            للشاعر السور نزار قباني .
(7)        أوليات بديهية .
(8)            فنان تشكيلي أسباني .
(9)            مؤلف موسيقي ألماني .
(10)            في العقيدة الإسلامية يهوذا .
(11)            عواد و ملحن مصري .
(12)            مطربة مصرية .
(13)            مرض الخوف من الأماكن المغلقة
(14)            رئيس مصري .
(15)            قائد ثورة البوكليا بمصر الرومانية .
(16)            مرض هوس السرقة .
(17)            راجع حي بن يقظان للمؤلف ابن طفيل .
(18)            للشاعر الفلسطيني محمود درويش .

إدمان

$
0
0




تقول الأسطورة: إن آدم لم يكن يتنفس ولكن عندما شعر بالملل، أراد أن يفعل فعلا جديدا لم يسبقه أحد إليه – رغم أنه أول الفاعلين –، فتنفس، عندها فقط أعجبه الشعور والوقع، فأدمن التنفس.
محمد سيد عبد الرحيم

المدينة التى شقها النهر نصفين

$
0
0




توجد آنات تريد أن تسجلها. تضع الشريط الممغنط ثم تضغط على الزر الأحمر الصغير. حاول ألا تزيدها عن الثلاث ساعات – المدة المتاحة للتسجيل على الشريط – والحمد لله القادر أن الآنات السعيدة لا تزيد عن تلك الثلاث ساعات. أقول لك الحق، بأبي وأمي كل الآنات السعيدة فى الحياة لا تدنو حتى من هذه الثلاث ساعات. توجد ثلاث آنات فى الحياة: آنات سعيدة وهى النادرة والعزيزة وآنات محايدة وهى الغالبة والغزيرة والجنس الثالث هو الآنات المفجعة والموجعة. تلك الأخيرة هى الآن بالنسبة لي.
الآن... أنام بغرفة نومي، تنام زوجتي بجواري مستكينة كأنها فى بياتها الشتوي. الغرفة معتمة وضوء أصفر مهتز يتحرك بسقف الغرفة كلما مرقت سيارة بالشارع المطلة عليه غرفة نومنا. أحاول أن ألامس زوجتي ولكن كلما حاولت ذلك تغوص يدي بها حتى ترتطم بالفراش وكأنها غير موجودة وكأنني غير موجود.
الليلة كنت أريد الجماع، أحب أن أتحسس ملمس يسرا المزغب، أقبل شفتيها اللتين كزجاجة شربات الورد المسكر. ثدييها اللتين ككوكتيل من الفواكه متناسقين ومتزنين. حقا أريد أن أحتضنها وأجامعها ولكني لا أستطيع حتى أن ألمسها. شوقي إليها يزداد، حبي لها يفيض، يملأ أركان الغرفة، يسيل من عتبة الباب ومن خصاص النوافذ، يتمتع به الجيران، يشكرونني عليه، فأحسدهم على خيري الذى لا أنتفع به. أحاول اللمس المرة تلو المرة تلو المرة. لا جدوى. أقترب أكثر من ظهرها، أحاول أن ألامسه بصدري. لا جدوى. أغمض عيني، ثم أمد يدي للمسها. لا جدوى. لا جدوى. لا جدوى. لا جدوى.
يسرا. تصحو مفزوعة من أثر ندائي الجهير. تسألني ما بي، أجاوبها أنني لا أستطيع لمسها. لا تصدقني. بالتأكيد لا تصدقني. فأنا أيضا لا أصدق نفسي. تحضنني وتقبلني. أشعر بملامساتها فأحتضنها وأبادلها القبلة أضعاف أضعافها. حسنا، هل كنت أحلم أم أنها أحلام يقظة أم أنه وهم و خداع؟ ابدأ فى خلع ملابسي ثم أحتضنها ولكني لا أشعر بها. فقط أشعر أنى نائم على الفراش داخل جسد وليفتي. تصرخ يسرا، ثم تنتفض مفزوعة. تقف عارية فى ضوء السيارات المارة بسرعة والتى نسمعها بسبب الصمت المتفق عليه من كلينا. تحدق بى فاسألها هل تصدقني الآن، تمد يدها كى تتأكد فتلمسني، يقشعر جسدانا وكأن أحدنا لم يلمس الآخر من قبل. أهز ساقي فى توتر بعد أن جلست على حافة الفراش الدافئ، بينما تقف زوجتي أمامي بنصف وجهها متوثبة للجرى/ للفرار منى، وكأنني كلب أجرب شرس ينتظر لحظة هربها لينقض عليها ناهشا. أقف فجأة، فتبتعد خطوة للوراء، يصطدم كعبها بالدولاب الأعمى، فتتألم، أمسكها قبل أن تقع على الأرض، ولكنها تمر من بين يدي لتهوي على أرضية الحجرة لتحدث ضجة وألما، تقع لأنني غير موجود، وكأنني الهواء/ الفراغ. تصرخ رعبا وليس آلما. أحاول تهدئتها فتتجاوب معي. يدق الباب، فينهال الجيران تباعا، يسألونها إن كنت قد ضربتها، فتجاوبهم بالنفى وتخبرهم بما شاهدته وخبرته، يضحكون، لا يصدقونها، بالتأكيد لا يصدقونها، ينظرون لى فى استفسار فلا يلقون مني انفعالا. يقتربون منى الواحد تلو الآخر، يحاولون لمسي فينجحون، أحاول الضحك تخفيفا من الموقف، ترمقني زوجتي باستغراب، يلمسونني الواحد تلو الآخر، يسلمون علي، يخبطون علي ظهري، يربتون على خدي مرتين كأنني طفل صغير قد أصيب. مستسلما لهم أقف وابتسامة قد فازت فتناثرت على وجهي. تقترب مني يسرا ببطء، تلمسني، ثم تلسعني بيدها الرفيعة التكوين. يوحد الجيران الله ثم ينصرف كل إلى غرفة نومه. نطفئ النور الجلي ليظهر الضوء المهتز مرة أخرى. ننام على الفراش، أبتسم لها ثم أعاود خلع ملابسي مرة أخرى، ألمسها فأخبط يدي بالفراش مرة أخرى.
 تقوم من الفراش ولكنها لا تصرخ هذه المرة. فقط تخرج من غرفة نومها لتجلس على مقعد الأنتريه، رغم أنها تحب دائما أن تجلس على الأريكه. هي تعرف جيدا أنها إذا صرخت مرة أخرى سيعتبرونها مجنونة أو نافرة.
يؤذن الفجر، فأدخل الحمام لأستحم رغم أننى لم أجامع وليفتي. تنظر لى فأبتسم لها ثم أخرج من بيتي. صف صلاة الفجر الوحيد، لم أسمع شيئا من تلاوة الإمام، ركعتان صافيتان للتفكير فى هذا الموقف المربك، أصلي كالمأخوذ وفكري يحاول أن يفهم، بعد الصلاة أقتربت من الإمام، قلت له أن حدثا كربا قد حل بى هذه الليلة، سألنى عن ماهيته، جاوبته كاذبا. كنت أنوى أن أخبره بكل شئ قد حدث. صوت تلاوته الرائق مع جو الفجر الصاف، جعلني أوقن أن لديه حلا لهذه المعضلة ولكنني كذبت عليه. أوصاني بالصلاة وتلاوة القرآن والتصدق، فانصرفت عنه. عندما عدت كانت يسرا قد تحللت من البيت، غادرت إلى أمها، بالتأكيد فعلت! نمت طويلا ثم صحوت فجأة. و كعادتي أردت أن أدخن قبل أن آكل، ولكني عندما أخرجت السيجارة سقطت من بين أصابعي، انحنيت إلى الأرض لألتقطها ولكني لم أستطع. وكأن السيجارة لا كتلة لها، هى صورة فقط، صورة فراغية، أو فراغ صوري، أو مجرد فراغ، فراغ...... فراغ محض كجسد يسرا، أو بالأحرى كجسدي، أنا هذا الفراغ، أنا الرجل الذى فقد تكوينه..... هل سأختفى فى النهاية؟ هل سأصبح متلاشيا، شفافا؟ أعبر خلال الحيطان كعبور الهواء أو الماء. قمت، اقتربت من الحائط، بدأت فى تلمسه بدءا لعبوره، ضغطت عليه حتى انطبعت بصمة أصبعي السبابة عليه. أخرجت هاتفي النقال ذو الكاميرا ثم سجلت تلك البصمة السوداء.
علاقتي بالكاميرا ليست علاقة أزلية، هى مهنة قد تعلمتها خلال دراستي بكلية التجارة، بدأت كمساعد للمصور، أحمل له الكشاف، أوجهه للجهة التى يريد تصويرها، ألملم الأسلاك، أضع الشرائط وأخرجها من الكاميرا، أرتب مكوناتها فى الحقيبة الخاصة بها، أنظف جسمها وخاصة العدسة؛ وبالتدريج عرفت كل شئ عن الكاميرا، بل تعلمت أيضا كيف أصور بها، كيف ألتقط لقطات جميلة، مثيرة، مبهرة والأهم سعيدة ومليئة بالفرح. وبعدها بشهور عديدة من زمن تعلمى التصوير قرر المدير أن يقسم قاعة الأفراح إلى ثلاثة قاعات صغيرة. السرور والبهجة والفرح، تلك هى أسماء القاعات، لا أعمل فى واحدة منهن فقط، بل تقريبا كل يوم أعمل فى واحدة أخرى مغايرة للتى كنت أعمل بها فى اليوم السابق. ولكني أفضل البهجة فإضاءتها أفضل كثيرا من القاعات الأخرى، كما أنها الأكثر أناقة وبذخا وبالتالى فمن يقيمون بها أعراسهم هم الأكثر غنى. والأكثر غنى هم الأكثر جمالا، هكذا فهمت عندما دخلت البهجة. تحضر النساء للأفراح بأثواب السهرات العارية النحور والأكتاف والسيقان. يتمايلن مع الموسيقى الغربية وعندما تشرق يرقصن، خصور متناسقة ومتزنة كلاعب بالسيرك. وصدور وأرداف تهتز مع نقرات الطبل. تعلمت أن أصور كل هذه الكنوز. فأنا سمسم الذى يحرس مغارة الأربعين حرامى المليئة بالكنوز اللينة.

* * *



نصحني ابن عمي أن أذهب إلى الشيخ عبد الشافي، انتظرته بميدان الجيزة، اصطحبني بسيارته الفيات 128 إلى الحوامدية، انتظرنا ما يقرب من الأربع ساعات حتى حان دورنا، دفعت الخمسين جنيها – ورقة واحدة – لعفريته ثم دخلنا مغارته، حكيت له بالتفصيل عن كل ما حدث، بل وزدت على ما سردته أحداثا حدثت بعد ذلك، الوقائع التى حدثت وأنا أحتضن أبي وأمي، والواقعة التي جعلتني آتي إليه مهرولا، وهى عدم استطاعتي الإمساك بكاميرا التصوير، وتكسر عدستها عندما هوت من بين يدى. تمتم ببعض الآيات القرآنية؛ أمرني أن أضم أطرافي؛ أمسك رأسى بكلتا يديه ثم بدأ فى التمتمة مرة أخرى. لا أعرف هل يتلو قرآنا أم شيئا آخر، فتلاوته السريعة والهامسة جعلتنى لا أعرف كنه ما يتلوه فوق رأسى. إلا أنني بدأت أشعر بألم بها، وعندما أخبرته بما شعرت، ابتسم ثم قال وهو يحرك رأسه "خير.... خير إن شاء الله". قبل أن  أغادر أمرني أن أنام تحت فراشى وأن لا أنام فوقه لمدة شهر هجري كامل، أمرني أن آكل عند الصحو ملعقة كبيرة من السمن البلدي الخالص. عندما خرجنا من عنده، استقبلنا عفريته النحيف ذو الرأس الصلعاء، سألنا عن طلبات شيخه، أخبرته بما طلب، فرد على بأن طلبات شيخه من سمن بلدي لديه وأنني لن أجد سمنا بلديا خالصا أبدا فى الأسواق. اشتريت منه ما يكفيني شهرا ثم رجعت للبيت.
عادت يسرا للبيت ولكنها لم تقض به أكثر من يوم واحد، فزعت مني، فهرولت إلى جحر أمها مرة أخرى. يسرا تقريبا هى الوحيدة التي كلما حاولت لمسها أفشل. أعرف يسرا منذ..... منذ الأزل، منذ ولدت، هى ابنة خالتي التي تسكن بالقرب منا، منذ ولدت كنت أحب أن ألعب معها حتى أنني كنت أزهد فى لعب الكرة مع الأقران بالشارع، أذهب كل يوم إلى خالتي كي ألعب مع يسرا. ألعابي هى ألعابها. إخوتي هم أخوتها. أبي وأمي هم أبوها. وعندما نضجنا كان أهل الشارع كله يعرف أن يسرا لي وأنني لها. يسرا هى الحياة بالنسبة لي، فعندما تحضر يحتجب الكون، يتلاشى، يقع في بئر عميق قد جف ماء حياته. أحبها، أحب شعرها الأسود الطويل، جسدها الصغير المتناسق، فمها عندما تضحك وهى تشاهد مسرحية العيال كبرت. عينيها الرائعتين.... عينيها البديعتين..... عينيها....... أظن..... أظن أن عينيها سوداوين أو......... أو لعل لونهما بني غامق. لا يهم. ما يهم حقا أنى أعشقها، هى الحب الوحيد بحياتي، هى الحب الوحيد الذي تمنيته فنلته.

* * *



لم أشعر بأي تحسن، بل آلام قاسية بظهري وتقريبا فصلت من عملي، نصحني أحد أصدقائي أن أذهب إلى تفاريح قارئة الطالع التي تسكن فى شقة بشارع شريف بوسط البلد. هذه المرة مائة وخمسون جنيها. سألتها هل سأشفى أم لا؟ ردت أن الله أعلم. صرخت بها مستفسرا –  أصبحت عصبيا جدا، خاصة بسبب عدم قدرتي على التدخين أو المضاجعة أو حتى التصوير لمدة تزيد على الثلاثة أسابيع –. هدأت من سخطي قائلة أننى سأشفى إذا تركت عملي كمصور.
سئمت كل هذا.... نمت على فراشي. فكرت كيف أن يسرا – حبيبة القلب – لم تستطع أن تتحمل كربي، امتعضت، فبدأت تلملم حاجياتها من عقلي ثم خرجت منه عارية وآثمة. فكرت كيف أن كاميرا التصوير هى سبب شقائي هذا، فلطالما سجلت بها مناظر آثمة، صدورا فلتت فبانت، أردافا أكثر وضوحا من عريها. خلاعة تملأ كل لقطة من لقطاتي، مغارتي مليئة بالأوثان وأنا كآله على بتحطيم تلك الأوثان، بدأت فى التساؤل ماذا كان سيفعل إبراهيم أو محمد إذا حدث لهما ما حدث لي؟ هل كانا سيخرجان من منزليهما مهاجرين بينما عشرات اليسريات واقفات بالباب حاملات للسيوف؟
عادت مرة ثانية. فتحت باب الشقة يوما قبل مغيب الشمس بقليل، عدم ابتسامها جعلنى واثقا أنها قد رجعت مرغمة. رسمت انفعالا على وجهي بلون الفحم ثم أشعلت به النيران. تأففت من رائحة الشقة القميئة. اقتربت مني وهى تمشي منفرجة الساقين مستغنية عن الخطو الأنثوي. أرادت اختباري، لمستني فأصابت، أقتربت مرة أخري لمستني فأصابت، "أوحشتني" قالت وعيناها تضيق. بني غامق...... هكذا تأكدت. لم أرد،،، جلست بجوارى على حافة الفراش البارد مولية ظهرها لى؛ كم أتوق إليها، رغم عدم وقوفها بجانبي عند كربي إلا أنني مازلت أحبها، رفعت يدي أتلمس ظهرها فلم أستطع؛ كم أكره ذلك، كم أكره ضعفي أمامها، رفعت يدي مرة أخرى فلمستها. قشعريرة تملكتها. أنامل أصابعى الخمس تستكشف ظهرها، التفتت وعينيها البنيتين تلمعان بالدمع. "آسفة لأني تركتك طوال هذه المدة!" قالت، فغاصت يدي بظهرها. لم تلاحظ ما حدث، مددت يدي لا إراديا لعلبة السجائر، أخرجت سيجارة ثم بدأت فى تدخينها، عندما وعيت بفعلي هذا سقطت السيجارة فجأة من يدي. أمسكتها بسرعة ورميت بها لطفاية السجائر. أظن أننى فهمت الآن، أم ترى السمن وتركي لعملي هو الشافي؟ لا أظن... فحالتي مازالت تتقطع في الاستمرار، تلمست ظهر يسرا مرة أخرى فلمستها. أمسكت بالسيجارة فأمسكتها. قمت أخرجت الكاميرا من الدولاب فحملتها. وقفت قبالة يسرا، قلبي الرمادي لا يدق، عقلي الهش كأغصان الذهب يعيد عرض النساء المتبرجات. بدأت فى خلع ملابسي وعندما دخلت عليها حبلت.
محمد سيد عبد الرحيم

Viewing all 80 articles
Browse latest View live