ترجمة محمد سيد عبد الرحيم
عطست.أبتعد عنى جورج وهو يسألني "هل أصابتك الأنفلونزا ثانية؟"
تمخضت ولكني لم أشعر بأي تحسن، خرج صوتي مكتوما بسبب المنديل الذي يغطى أنفى وفمي، أجبته قائلا "ليست الأنفلونزا ولكنه التهاب في الجيوب الأنفية."
نظرت إلى بقايا فنجال القهوة سيئة الطعم ثم قلت له "أنها المرة الرابعة هذا العام التي تظهر على فيها أعراض التهاب الجيوب الأنفية. كل مرة أفقد حاستي الشم والتذوق لمدة تطول أو تقصر. اليوم مثلا، لا أستطيع تذوق أي شيء. لا أستطيع أن أميز إذا كان العشاء الذي تناولناه منذ قليل جيد الطبخ أم أنه مجرد ورق مقوى."
قال جورج "هل سأخفف عنك إذا أخبرتك إن الطعام كان ممتازا؟"
قلت بنبرة شك "ربما."
قال "بالنسبة لي، فهذه الأمراض لا تصيبني، فأنا أتمسك بحياة نظيفة وضمير صاف."
رددت عليه قائلا "شكرا، شكرا لتعاطفك معي، ولكن أعتقد أن الأمراض لا تصيبك لأن أي من هذه الكائنات الدقيقة التي تحمل احتراما لذاتها لا تحبذ أن تعيش في منديلك العفن هذا."
قال جورج، وقد شمخ بأنفه قليلا "أيها الرفيق القديم، لن أعتبر ملاحظتك القاسية تلك كإهانة، لأني أدرك جيدا أن هذه الأمراض تعكر المزاج وتجعلك تقول كلمات إذا كنت بكامل قواك العقلية – إذا افترضنا إنك كنت بكامل قواك العقلية يوما ما – فلن تقول أبدا ما قلته الآن. أتدرى، هذا يذكرني بصديقي المقرب مانفريد دانكيل عندما تنافس مع صديقه المقرب أبسلوم جلب على نيل يوتيرب ويث الجميلة."
قلت له بقرف "اللعنة على صديقك المقرب مانفريد دانكيل وأيضا صديقه المقرب أبسلوم جلب وكنزهم المشترك يوتيرب ويث."
قال جورج "من يتحدث الآن التهاب الجيوب الأنفية وليس لسانك."
"ألتحق مانفريد وأبسلوم جلب بمعهد نيويورك للبصريات وسرعان ما نشأت صداقة بينهما. فلقد كان من المستحيل لشابين انغمسوا في أسرار حرفة صناعة العدسات الطبية وعلوم انكسار الضوء وعلاج الحالات الخطيرة للرمد كقصر النظر وشيخوخة النظر وطول النظر، لا يمكن لهما أن يجلسوا على نفس منضدة الدرس كل يوم بدون أن يشعرا أنهما قد أصبحا أخوة. درسا مع بعضهما البعض اختبارات النظر، صمما اختبارات جديدة لهؤلاء الذين لا يعرفون الحروف السيريلية (1)أو اليونانية، اختارا أيدوجرامات (2) للشرقيين، وناقشا المميزات والعيوب التي تنجم عن النبرات المتباينة في اللغات المختلفة كنبرة الإطالة (3) والنبرة الحادة (4) والسديلة (5) للمرضى الفرنسيين، والأمليت (6) للمرضى الألمان، والتلدة (7) للمرضى الأسبان... الخ. قال لي أبسلوم يوما بانفعال شديد إن غياب هذه النبرات من الاختبارات يعتبر عنصرية فجة تؤدى إلى معالجة غير تامة لعيون هؤلاء غير المنتسبين للعرق الأنجلوسكسونى (8) الخالص.
في الواقع، ملأ هذا النضال الهوميرى (9) عواميد جريدة "النظر"الأمريكية لسنوات عدة. ربما تذكر مقالا كتبه هؤلاء الأصدقاء يسقطون فيه القائمة القديمة، كان عنوانه "يا عين! اخرقي هذه الراية الخربة".
وقف مانفريد وأبسلوم بجانب بعضهما بعضا مقابل القوة المحافظة المسيطرة على المهنة ورغم فشلهم في إظهار وفرض وجهة نظرهم على الساحة المهنية إلا أن ذلك السجال كان كفيلا لجعلهما أكثر قربا لبعضهما بعضا.
أنشئا شركة دنكل وجلب بعد تخرجهما من المعهد، وقد قاما بقرعة كي يعرفا أي اسم سيتصدر اسم الشركة وأيهم سيكون التالي.
نجحا في مهنتهما إلى حد كبير. فرغم أن دنكل أكثر إتقانا من جلب في شحذ العدسات، إلا أن جلب كان لديه موهبة عظيمة في تصميم العدسات بشكل جمالي متماشيا مع الموضة. على العموم كانا جيدين في كل شيء يخص مهنتهما. وأيضا كانا يعملان بمقولة "العين بالعين والسن بالسن".
لم أندهش عندما عرفت أنهما وقعا في حب نفس المرأة. دخلت عليهم يوتيرب ويث لتشترى عدسات لاصقة جديدة. و بمجرد أن وقعت أعينهما عليها - لا أستطيع أن أقول أنها كانت نظرات غرامية بسبب طريقتهما المهنية الجادة في فحص بصرياتها الرائعة -، أيقنا أنهما قد صادفا الكمال.
لم أفهم لماذا رأوا فيها هذا الكمال بسبب عدم تخصصي بعلم البصريات ، ولكن كل منهما عبر لي بإفراط عن إعجابه– منفصلين بالتأكيد – وتكلما بإسهاب عن إحداثياتها البصرية والديوبتر الخاص بعينيها.
ولأني أعرف كل منهما منذ أن كانا صغيرين يلبسا أول نظارة طبية لهما؛ مانفريد كان حسيرا (10) بينما أبسلوم كان أطمسا (11) وكلاهما كان لديه لا إستجمية (12) فقد تخوفت من النتائج المترتبة على ظهور هذا الكمال بحياتهما.
قلت لنفسي واحسرتاه، بالتأكيد ستنفك روابط هذه الصداقة الجميلة، فبعد أن نضجا وأصبحا رجالا أشداء، سوف يتنافسان على يوتيرب التي قال عنها مانفريد ويده تلامس قلبه "قلبي يهتز كلما نظرت إلى عيناها الموجعتين"وقال عنها أبسلوم ويده ممدودة إلى السماء "عيناي تلاحق يوتيرب حيثما تكون."
لكني كنت مخطئا، فحتى بعد أن أحبا يوتيرب الفاتنة، لم يهدم هذا صداقتهما الجميلة، بل كانا كقرب زوج من الأعين.
كان عرفا بينهما أن يخرج مانفريد كل ثلاثاء وجمعة من كل أسبوع مع يوتيرب في موعد غرامي، بينما يخرج أبسلوم كل اثنين وخميس من كل أسبوع مع يوتيرب في موعد غرامي، أما في العطلات الأسبوعية فيعملان معا. أخذا الفتاة إلى المتاحف، الأوبرات، جلسات قراءة الشعر، وأكل الوجبات الخفيفة ببعض المطاعم القريبة.
كانت الحياة تسبب دوارا بسبب المتعة الناجمة عنها. ربما ستسألني وماذا عن يوم الأربعاء؟ سأجيبك أن يوتيرب كانت حرة في مواعدة أشخاص آخرين بيوم الأربعاء. وهذا إنما يدل على لياقة الأصدقاء – مانفريد وأبسلوم – في أرقى وأنقى صورها. كان مانفريد يحمل عواطف صادقة ليوتيرب وكذلك كان أبسلوم، كانا يريدان ليوتيرب أن تختار بمحض إرادتها حتى لو أخذ مكانهما شخص آخر غير مهتم بالبصريات يتأمل عيناها، يتنهد لها، ويتقرب إليها بالأكاذيب.
ماذا تعنى؟ أتسأل عن من يقبلها الآن؟ لماذا تعطى نتائج بلا مقدمات، حينما أحاول أن أقدم لك بيانا بالأحداث المرتبطة بشكل منطقي؟ كل شيء قد سار بشكل جيد لمدة من الوقت. لم يمر أسبوعا بدون أن يلعب مانفريد مع الفتاة لعبة ما، بينما أبسلوم يعزف لها ألحانا مليئة بالحيوية على آلة مغطاة بنسيج رقيق، كان ذلك في فصل القاوند (13) أو على الأقل أظن ذلك.
بعدها جاءني مانفريد زائرا. ومن النظر إلى وجهه خيل إلى أنني قد فهمت ما حدث له. قلت له "لا تقل لي يا صديقي أن يوتيرب قد قررت أخيرا أنها تفضل أبسلوم عليك؟" (كنت محايدا بينهما في هذا الشأن، وكنت مستعدا يا صديقي أن ألبس ثوب الحداد إذا كانت الإجابة بالإيجاب)، رد مانفريد قائلا "لا، لن أخبرك بذلك، ليس بعد، ولكنه سيحدث أجلا أو عاجلا يا عم جورج. فلقد أصبحت معاقا، عيناي قد أحمرتا وتورمتا ويوتيرب بالتأكيد لن تحترم أبدا شخصا يعمل بالبصريات قد تدنى بصره عن الطبيعي."
"هل كنت تبكى؟"
رد مانفريد بفخر "أبدا. البصريون رجال أشداء لا يبكون أبدا. أنا فقط كنت أحاول أن أتنشق كي أمنع المخاط من السيلان. أنها الأنفلونزا، هل فهمتني؟"
سألته مشفقا "هل يصيبك مرض الأنفلونزا كثيرا؟".
"مؤخرا، نعم"
"وهل يصيب مرض الأنفلونزا أبسلوم؟"
أجاب مانفريد "نعم، لكن ليس بكثرة مثلما يحدث لى. فهو لا يعالج الأنفلونزا ولكني دائما ما أعالجها، لكن وماذا بعد؟ فلديه مناعة ضعيفة ولكنه أيضا يملك عينين صافيتين ورائقتين. الأنين المستمر، العجز الدائم من أجل الانتصاب، كل هذا لا يهم. لكن عندما تنظر يوتيرب لعيناي فترى الحمرة منتشرة بشرايين الدم والملتحمة (14) حينها سيولد بداخلها بالتأكيد إحساسا بالاشمئزاز."
"لكن هل حدث ذلك بالفعل؟ فمهما جرى؛ فهي آنسة رقيقة ذات عينين متجانستين وساحرتين."
قال مانفريد بشجن "لم أجعلها تشعر بذلك، فمنذ أن أصبت بالأنفلونزا لم أقابلها. وقد أدى هذا بالتأكيد إلى جعل أبسلوم يراها أكثر منى بكثير. أبسلوم طويل ورشيق الجسد وشاب صغير ولا توجد فتاة ما سمعت صوته المثير ولم تتحرك مشاعرها تجاهه. أظن أن فرصتي قد ضاعت."
دفن وجهه بين يديه عندما انتهى من قوله، فلقد كان مهتما أشد الاهتمام ألا يسبب أي ضرر لعينيه بالضغط عليهما. ولقد أثارت مشاعره مشاعري. فقلت له "أستطيع أن أنولك مناعة ضد الأنفلونزا طوال حياتك يا ولدى."
نظر إلى وكله أمل "هل لديك علاج أم طريقة للوقاية؟ لكن –"اختفى البريق الخاطف بعينيه المحمرتين تاركا خلفه عينيه المحمرتين "كل العلوم الطبيعية تقف مهزومة أمام حالات الأنفلونزا."
"ليس بالضرورة، ولكني أستطيع معالجتك يا ولدى، بل أستطيع أن أجعل أبسلوم يبتلى بالأنفلونزا طوال حياته."
قلت تلك الجملة فقط كاختبار له، فأنت تعرف يا صديقي حسي الأخلاقي الصارم. وأنا فخور أن أخبرك أن مانفريد قد تخطى اختباري هذا كأي بصري محترم.
رد بصوت مدو "أبدا، أنا أريد فقط أن أتحرر من هذا الكابوس، فقط أريدها منافسة عادلة، أريد أن أقابل خصمي بأرض محايدة. أنا أستنكف أن أحل محله بسبب عيب به. فأجلا أو عاجلا سأخسر يوتيرب المقدسة إذ ما فعلت ذلك."
قلت وأنا أخبط بيدي على ظهره ثم ملوحا إياها مودعا "سوف تحصل على ما تريد."
عزازل – بالتأكيد قد أخبرتك من قبل عن الكائن غير الأرضي الذي يبلغ طوله سنتيمترين فقط، هو الشخص الذي أستدعيه من الفضاء الفسيح والعميق والذي سوف يلبى طلباتي حينما استدعيته. هل أخبرتك عنه من قبل؟ - ماذا تعنى بقولك أنه علي أن أقول الصدق. عار عليك وعلى الشيطان. فأنا أقول الصدق بالفعل، تبا لك.
على أية حال، كان عزازل واقفا على حافة المائدة، كان ذيله الرفيع كخط هندسي يرتعش وقرونه الصغيرة غير مكتملة النمو تتوهج بلون أزرق باهت بسبب مجهود التفكير الذي يفعله. قال "أنت تطلب الصحة، أنت تطلب الطبيعي. أنت تطلب حالة من الاتزان."
قلت محاولا أن أخبئ نفاذ صبري "أنا أعرف ما أطلبه يا سيد الكون وصاحب القدرة، أنا أطلب أن يتجنب صديقي مرض الأنفلونزا. وأنت قد درسته عندما رأيته."
"هل هذا كل ما تريده؟ أن يتجنب هذا المرض الكريه وتوابعه كالزكام والقذارة والبلغم الذي ابتليتم به يا أنصاف البهائم الذين تعيشون على كوكب أكلى الدود هذا؟ هل تظن أنك تستطيع أن تضئ زاوية واحدة من الغرفة دون أن تضئ الغرفة كلها؟ أريدك أن تفهم أن توازن الأخلاط (15) الأربعة في الشخص الذي جعلتني أراه منحرف بشدة."
"توازن الأخلاط الأربعة؟! يا سيدي الناجي من الخطأ، الأخلاط قد انقرضت منذ هيرودوت."
نظر لي عزازل نظرة حادة ثم قال "وماذا تعرف عن الأخلاط؟"
"أنها السوائل الأربعة التي زعموا أنها تتحكم بالجسم وهى الماء والبلغم والصفراء والسوداء."
قال عزازل "يا لها من نظرية مقززة. أتمنى أن يجد هيرودوت هذا من يسانده من الكائنات التي أنت منها عندما يعرض أمام اللعنة الكونية. الأربع أخلاط هم بالتأكيد أربع أوضاع للعقل وعندما يتزنوا بحرص شديد يساعدون في استمرار الصحة الجيدة للأجسام المريضة تماما كالهوام الحقيرة مثلك."
"حسنا، هل تستطيع أن توازن بحرص شديد بين هذه الأخلاط التي بصديقي الطفيلي؟"
"أعتقد أنى قادر على ذلك، ولكن لا تنس أن هذا صعب جدا بسبب عدم إرادتي للمسه."
"لن تلمسه فهو ليس موجودا بيننا."
"أعنى أن أتواصل معه بشكل وهمي. فهذا سيتطلب منى طقوس تطهرية لمدة أسبوع كامل وستكون في غاية الإيلام."
"أنا متأكد يا جوهر الكمال أن تجنب اللمس الوهمي سيكون شيئا تافها بالنسبة لك."
و كالعادة توهج عزازل و تيبست قرونه بسبب إطرائي هذا. قال "بالتأكيد أستطيع فعل ذلك."ولقد فعل.
رأيت مانفريد باليوم التالي. كان يشع صحة، قال لي "تمارين التنفس العميق التي علمتني إياها قد نفعت كثيرا يا عمى جورج. فلقد شفيت فجأة بين تنفس وآخر. عيناي قد راقتا وابيضتا، لقد برأت وأستطيع الآن أن أنظر إلى العالم كله. في الحقيقة"أكمل "لا أعرف ما الذي حدث، لكن أشعر أن الصحة تملأ جسدي بأكمله. أشعر أنى كالماكينة التي زيتت فأصبحت كالجديدة. عيناي كالكشافات الأمامية لقاطرة رائعة تتسابق مع الريح عبر الحقول. حتى أنني"أكمل "لدى هذا الهاجس الرائع للرقص على إيقاع أسباني. سوف أرقص وأبهر يوتيرب المقدسة والسماوية برقصي."
غادر الغرفة وهو يرقص، لا تكاد قدميه تطأ الأرض بينما يصدح صوته بالغناء "يا عيني، يا عيني، يــــــــــــــــا عين"لم أستطع مساعدته سوى بابتسامة. مانفريد ليس طويلا كأبسلوم وأيضا ليس رشيقا مثله، رغم أن كل البصريون وسيمون بشكل كلاسيكي. إلا أن مانفريد لم يكن كلاسيكيا في وسامته. كان يبدو أكثر وسامة من أبولو بلفيدير ولكن أبسلوم كان يتفوق عليه في تغلبه على وسامة أبولو بلفيدير. ظننت أن هذا التوهج الصحي سوف يعوض الفروق بينهما. وهذا ما قد كان.
اضطررت بعدها لمغادرة المدينة لبعض الوقت بسبب عمل بيني وبين وكيل للمراهنات، اكتشفت بعد ذلك أنه شيطان أرضى، منيع ضد المنطق. وعندما عدت أن مانفريد بانتظاري. سألني متبرما "أين كنت؟".
نظرت له بتمعن، بدا لي في كامل صحته ولياقته، عينيه كانتا رائقتان و مبللتان و_____. قلت محاولا عدم التطرق إلى التفاصيل "كنت برحلة عمل، لكن قل لي، هل أصابك مكروه يا بنى؟"
"مكروه!"ضحك ضحكة متقطعة. "ما الذي يمكن أن يحدث أكثر مما حدث؟ لقد اختارت يوتيرب الساحرة من تريده واختيارها لم يقع على. سوف تتزوج أبسلوم."
"لكن ما الذي حدث؟ فأنت بالتأكيد لم تصب بأي ______"
"لم أصب بأي مرض! بالتأكيد لم يحدث ذلك. لقد حاولت أن أمرض ولكني فشلت. سرت تحت المطر البارد. ارتديت جوارب مبتلة. تصادقت مع أشخاص مصابون بالأنفلونزا والتهاب الجيوب الأنفية. أقول لك الحق، لقد حاولت أن أصاب بالتهاب الملتحمة ( باطن الجفن ) ولكني فشلت في الإصابة بأي مرض."
"لكنى لا أفهم يا مانفريد لماذا تريد أن تكون مريضا؟"
"لأني اكتشفت أن يوتيرب لديها حس أمومي قوى. ومن الواضح إن هذا الحس مشترك بين الكثير من الآدميين الذين ينتسبون إلى جنس الإناث. ولقد غاب عن عقلي هذا."
فهمت الآن. فالنساء لديهن أطفال وكلنا نعرف جيدا أن الأطفال دائما ما يمرضون، يسيل لعابهم، يعطسون، يسعلون، تصيبهم الحمى، تنتابهم زرقة وفي بعض الأحيان تصيبهم أمراض كريهة جدا. وهذا لا يؤثر أبدا على حب الأم لأبنائها. والعكس صحيح بالتأكيد.
قلت ساهما "كان لابد لي أن أفكر في ذلك من قبل".
قال مانفريد "هذا ليس ذنبك يا عمى جورج. فلقد توقفت عن تمرينات التنفس العميق ولكن لم يفيدني ذلك. لقد كان صديقي الحبيب أبسلوم يؤلمه ظهره جدا. ببساطة لقد ثبته ظهره في الفراش من جراء الألم."
"هل يفتعل الألم؟"
نظر مانفريد إلى برعب "يفتعل! بصريا يفتعل ويخدع! يا عمى جورج، الأنظمة العملية لن تسمح له بذلك أبدا. ولا حتى صداقتنا المقربة. ثم أنني قد قفزت يوما فجأة عليه كي أجبره على الجلوس منتصبا ولكنه بدأ في الولولة، تلك الولولة لا يمكن أن تكون زائفة."
"وقد أثر هذا بالتأكيد في يوتيرب؟"
"بلا جدال. أنها تجلس بجواره باستمرار لتطعمه من طبق شوربة الدجاج، وتختبر كل برهة حرارة عينيه."
"ولكن لماذا تفعل ذلك؟ لقد فهمت منك أن ظهره هو الذي يؤلمه وليس عينيه."
"أخبرتك بالحق يا عمى، لكن يوتيرب تفعل ذلك لأننا أخبرناها من قبل أن كل الأعراض تشفى بدءا من العين. وبعد، فهي تقول إن مهمتها في الحياة أصبحت أن تعتني بأبسلوم حتى ترتد له صحته، وتراه سعيدا ومرتاحا، وكما ترى فالنهاية ستكون بزواجهما."
"لكن يا مانفريد لقد كنت ضحية للأنفلونزا فلماذا لم تختارك أنت و...."
"لأنني فد تجنبتها أثناء مرضى حتى لا أمرر لها العدوى، وحتى لا أرى نظرة عيناها عندما تراني مكبلا بهذا المرض الكريه، كم كنت مخطئا!"ثم ضرب جبهته براحة يده.
قلت "تستطيع أن تفتعل المرض أمامها و.....".
و لكن مرة أخرى قابلتني تلك النظرة المتعجرفة.
"لا يستطيع البصري أن ينجح في الخداع لمدة طويلة يا عمى جورج. بجانب أنني مهما حاولت افتعال المرض أجد أنى غير مقنع بالمرة. ببساطة أبدو بصحة جيدة جدا جدا. – لا، يجب علي مواجهة قدري يا عمى جورج. فقد طلب مني أبسلوم عناه الله أن أكون وصيفه أثناء مراسم زواجه."
وهكذا كان مانفريد الوصيف، ومنذ هذا الحين لم يتزوج. أحيانا أعتقد أنه من الممكن أن يتعود على قدره التعس هذا. لدي أبسلوم الآن ثلاثة أطفال، وقد زاد وزن يوتيرب كثيرا، وأصبح صوتها صاخبا وهى نفسها أصبحت أكثر تهورا.
أشرت لمانفريد مؤخرا بملاحظاتي تلك، تنهد بهدوء ثم قال "ربما تكون مصيبا يا عمى جورج ولكن عندما يحب البصري فأنه لا يحب لمجرد الحب – ولكنه يحب للأبد."
كان جورج يتنهد باستمرار، وعندما توقف عن الكلام قلت له "عجيبة تلك القصة، البصري الوحيد الذي أعرفه عن قرب لم أره أبدا بدون امرأة ما وكل مرة أراه فيها أرى معه امرأة مختلفة عن المرة السابقة."
قال جورج وهو يلوح بيده "تعرفه شخصيا. لقد حكيت لك تلك القصة كي تعرف أنني أستطيع معالجتك من التهاب الجيوب الأنفية التي أصابتك. من أجل ثمن بخس – عشرون دولارا فقط."
صحت بحده "لا. زوجتي التي بالمناسبة أحبها جدا تعمل كطبيبة ولديها متعة غريبة تتلخص في علاجي باستمرار. إذا شفيتني من كل الأمراض فستصاب بالجنون بالتأكيد. ولذلك سأعطيك خمسون دولارا كي تتركني بحالي."
ولم أبك على تلك النقود، لأنها أنقذتني.
الهوامش:
1- سيريلى: ذو علاقة بأبجدية سلافية قديمة يقال أن مخترعها هو القديس سيريل ولا تزال أشكالها الحديثة تستعمل في صربيا وبلغاريا والاتحاد السوفيتي.
2- الايدوجرام: صورة أو رمز يستعمل في نظام كتابي ما كالهيروغليفية والصينية وتمثل شيئا أو فكرة لا كلمة خاصة بهذا الشيء أو تلك الفكرة.
3- نبرة الإطالة: علامة خطية (̀ ) توضع فوق الحرف اللين (e) دلالة على طوله مثل frèreأو للتفرقة بين كلمتين متماثلتين كتابة ومختلفتين معنى مثل laبمعنى الـ و làبمعنى هناك.
4- علامة (^) توضع فوق حرف لتحديد طريقة لفظه مثلfête بالفرنسية.
5- السديلة: علامة تجعل هكذا Ç تحت حرف Cلتدل على أنه يلفظ كحرف S.
6- تغير في صوت حرف العلة في اللغات الجرمانية تشير إلى نقطتان فوق ذلك الحرف كما في كلمة mannerجمعا لكلمة mann.
7- التلدة: علامة (~) توضع فوق حرف nفي الاسبانية إشارة إلى أنه يلفظ nyكما في cañonمثلا.
8- الانجلوسكسوني: لغة الانجلوسكسون - اللغة الانجليزية.
9- هوميرى: نسبة إلى هوميروس الشاعر الإغريقي القديم.
10- حسير: مصاب بقصر النظر.
11- أطمس: مصاب ببعد النظر.
12- الإستجمية: علة في العين أو العدسة تجعل الأشعة المنبعثة من نقطة من الشيء لا تجتمع في نقطة بؤرية واحدة، و بذلك يبدو ذلك الشيء للعين على نحو غير واضح.
13- القاوند: طائر تزعم الأسطورة أنه يهدئ في دور حضانته أمواج البحر.
14- الملتحمة: الغشاء المخاطي لباطن الجفن.
15- الأخلاط: الدم و البلغم والصفراء والسوداء التي زعم القدماء أنها تقرر صحة المرء ومزاجه.