Quantcast
Channel: Nietzsche mephistopheles
Viewing all 80 articles
Browse latest View live

مُرسي

$
0
0



قبض على الورقة المالية الموسومة بزخارف أرابسكية بكلتا يديه وخاطب أخته يبتسم له، حاثا إياه على المغادرة وهو يتساءل فى قلبه "هل من الممكن أن يكون أبناؤهما متخلفين عقليا مثل أخيها؟"
ينصرف مرسي، مرسي ينصرف، ينصرف ليلعب، ليلعب لعبة واحدة، لعبة واحدة بخمسة وعشرون قرشا، خمسة وعشرون قرشا فقط لا غير، فقط لا غير يذهب مرسي ليلعب لعبة واحدة بخمسة وعشرون قرشا.
حائر مرسي، لا يعرف أى لعبة يريد وأيهم تنفعه، ينظر مرة أخرى للزخارف الأرابسكية ثم... ثم يدخل بيت جحا، ما أروع هذه اللعبة، المرآة المقعرة والمرآة المحدبة وألواح الزجاج المتراص كأوراق شجر فى غابة تسكنها ساحرات.
يخرج من ممر ليدخل آخر، يصطدم بلوح زجاجي فينعقد حاجباه مشكلان طريقين يعيق أحدهما الآخر، يرجع للخلف فيصطدم بلوح آخر يجعلهما أكثر انعقادا، "لا مفر" فكر.. فكر فى الرجوع والخروج من الدخول ولكنه لم يستطع أيضا، وعندما أنهك، أصيب بالدهشة التامة، فجلس على أرض اللعبة التي تجذب العين مثلما تفعل أسماك الزينة، وأسند ظهره على المرآة المقعرة مواجها المرآة المحدبة، ونام.
لم يشعر مرسي طوال الليل بالظلمة الباردة المنعكسة بأرجاء اللعبة، ولكنه أفاق فى الصباح عندما فتح حارس البيت الباب كى تدخل اللعبة أول طفلة هذا اليوم.
يروي حارس البيت: أن خروج الطفلين كان أروع منظر أبصره بحياته، فلقد خرجت الطفلة أولا ثم خرج مرسي ممسكا بيدها اليسرى بكلتا يديه، تنضج على وجهه الأمرد ابتسامة أظهرت الطرق والممرات الشاسعة التى تغتنم لها موقعا متميزا بين أسنانه اللبنية.
محمد سيد عبد الرحيم



ليلة نقل الإله

$
0
0


أوديب: لقد قتل أبوكما أباه، وتزوج أمه التى ولدته، وأنجبكما من حيث ولد هو، تلك هى الإهانات التى ستلامان عليها.. إذن.. من سيتزوجكما؟ لن يرضى بكما أحد، يا ابنتي، إنما سيكتب عليكما أن تضيعا حياتكما سدى في العقمِ والوحدةِ.
أوديب ملكا: سوفوكليس

ليلة نقل الإله



كنت اقرأ
"تُرى،
كيف تشتعل الثورة الآن
فى هذه الجنة المهزلة!"*
فجأة انتفض المنبه، كان موعد تلاقيه مع منتصف الليل... يوم جديد.. أردت أن أكمل القصيدة ولكن الرنين المزعج غشى عقلي، قمت كي أكتم الرنين وعندما عدت، كانت الصفحات قد فرت لتطالعني قصيدة أخرى
"لابد أن نطالع المرآة،
أو نصاب بالجنونِ والمقتِ"*
انتصبت إلى الحمام كي أطالع المرآة وعندما وقفت قبالتها تذكرت أنها انكسرت منذ أسبوعين فطالعني الخلاء.
عدت إلى الحجرة مرة أخرى، رفعت مرتبة السرير ثم انتشلت السكين الذي اشتريته بالأمس من العتبة، كان السكين قد ثقب قعر المرتبة فتناثرت ندفا من القطن على أرضية الحجرة الجرداء. كان السكين طويلا وحادًا، طويلٌٌ ككف حبيبتى وحادٌ كشعرة منها التصقت برابطة عنقي عند عناقنا الأخير.
أنا لست أقارن مسرورا بيسرا فشتان بين الفهم والحب، فالفهم عسير والحب يسير، الفهم أشق والحب أرق، في الفهمِ تحتاج إلى الحبِ ولكن في الحبِ لا تحتاج إلى الفهمِ، كما أن مسرورا يحب سكينه ولكن يسرا لم تفهمني أبدًا.
وقفت قبالة منزل يسرا بالدور الأرضي، قبلت بابها، وبفعلي هذا شعرت أنني أمارس طقوسا طوطمية بسبب ملامسه شفتي للكفوف المطبوعة بدم الضحية.
في الشارع تعطلتُ أمام واجهة لشركة سياحية لأطالع وجهي في المرآة، وجه مستدير، يعلو فمه شارب غير مهذب، ولحية لا تريد أن تنبت رغم البلوغ، عينان سوداوان متسعتان، ربما بسبب كوب القهوة؛ وفم مغلق....... ترى ما دلائل الجنون؟
ظننت أن فضاءات الزحام سببها مظاهرة ولكن عندما وصلت إلى ميدان رمسيس اكتشفت سبب الزحام، هم ينقلون الصنم ورجل أعمى يحتضن عوده يغنى أغنية ميتة.
لا وسائل توصلنى بأمي، لا مواصلات، حتى الأنفاق لها مواقيت، هممت بالتراجع ولكني تذكرت يسرا، لو كانت معي الآن، لكنت مشيت من ذيل النيل لرأسه.
عاتبت نفسي على التخاذل ثم بدأت طريقي بإصرار يعتزله الثبات.
لا أخاف الوحدة، لكني أخاف عبور الشوارع ولذلك أستحضر يسرا دائما، فهي التي تمسك بيدي كي تعبر بي، كما أنها هي التي تحتضنني عند ارتقائنا السلالم المتحركة. ولهذا كنت أحمل هما، وهو هم عبوري ميدان التحرير للوصول إلى شارع القصر العيني.
ولكن - حمدا لله - فاليوم يوم نقل الصنم إلى القفر، والطرق مغلقة والعربات أوقف سائقوها محركاتها بسبب إزدحام الطريق. هذا الصنم أغلقوا له كل الطرق كي يعبر وأنا أريد العبور كل يوم فأفشل.
يوما وأنا بطريقي إلى العملِ وقفتُ طويلا محاولا عبور شارع روض الفرج، وقفتُ كثيرا حتى وجدت يدا تمتد لتمسك بيدي وتعبر بي الطريق، كانت يدها ذاهبة لتكتب محاضرتها فعبرت عليّ وعبرت بي.
عندما قبضت أول راتب هجرت منزل أمي بجاردن سيتي إلى منزل صغير بشبرا، كان أملي منذ الصغر الارتحال، منذ وعيت أن أبي توفى منذ سنين طويلة وأن أمي سوف تتزوج للمرة الثالثة. كنت أظن أن الثاني هو الأول، كنت أظنه أبي حقا، فهو أكثرهم حبا لى.... وما أكثرهم!
يوما، سألتني يسرا عن عدد أزواج أمي، لم أستطع الجزم بالرقم الصحيح، فهم كثر. أولهم وأفقرهم مات وآخرهم هو الأغنى؛ أظن أن أمي في تقدم ملموس، هي تتدرج من الفقر إلى الغنى.
شوارع جاردن سيتي المظلمة خائفة كالغابة، تخاف من صياديها ولكنها تخاف أكثر من حيواناتها. حاولت تفادى الشوارع المحيطة بالسفارة الأمريكية خوفا من اكتشاف السكين المخبأ بطيات ملابسي، ألقيت السلام الكاذب على حارس البناية الزجاجية، ثم دلفتُ إلى المصعدِ.
رتبت جيدا للحدث، طلبتُ إجازة من العملِِ لمدة أسبوع قضيته في مراقبة البناية، عرفتُ متى يخرج زوج أمي ومتى يعود ومتى تغادر الخادمة ومتى تستعد أمي للولوج إلى النوم.
بالتأكيد كانت أمى تستعد للنوم حين انتفض الرنين، فتحت لى الباب الرابع مرتديه قميص نوم عار بلون التيه، قالت بفتور "أهلا يا سعيد"، طعنتها ثلاث طعنات بثديها الأيسر كصابر الرحيمي وليس كتليماخوس......
و كما توقعت... لم تنزف لبنًا بل دمًا.
 محمد سيد عبد الرحيم

* للشاعر أحمد عبد المعطى حجازى.

أقفية

$
0
0




أبله، حقا أبله. يطاح بك كورقة صفراء بلا خيوط أو قفازات سوداء. كورقة شجرة موز فقدت وزنها فسخرتها الرياح.
تقف، تراقب الأرقام، تنتظر أرقاما نادرة، العوز يرهنك، يثبتك بقادوم يزن أطنانا، تستحم في عرقك منتظرا. وحينما يحضر خلاصك، تتعلق به، تحتضنه وكأنك تبغي تقبيل جسده الحديدي، ....... ساق على السلم وساق على الخواء.
- - -
يد لزجة، رجولية، أظن أنها لذكر، ربما يكون ضخما بسبب قوتها، ربما يكون متأخرا مثلي، ربما سيخصم من راتبه نصف يوم مثلما سيخصم مني بسبب التأخير، ربما سيقبض بنهاية الشهر نصف راتبه مثلما أقبض دائما. ربما يعول ولديه وابنته. زوجته التي تعمل فى وزارة الموارد المائية تصل البيت قبله بزمن نسبي، ولكنها تلاحظ مجيئه بعد مجيئه بزمن نسبي. تتمني الخلاص من الله سبحانه وتعالى، من فخامة السيد الرئيس، من معالى الوزير أو من سيادة المحافظ.
نظرات محتكي الأتوبيس المزدرية تمزقني كلقيمات صغيرة. أرى التساؤل فى أعينهم، أين كرامتك؟ كيف تركته يصفعك على قفاك؟ هل ستتركه أم ستنتقم؟ أتنتظر اللحظة المناسبة؟ هل تنتظر لحظة ضعف لتنهال عليه؟ هل أنت بهذا الخبث أم أنك أبله؟ جسدك الفارع وشاربك الثقيل الكالح يوحيان بعنفوانك.

ملحوظة: الصفعة التى تناولتها على قفاي كانت مؤلمة بحق.
- - -
ولكن الصفعة الثانية لم تكن بهذه القسوة، وكأن قفاي قد بدأ في التعود على الصفع، أو أن يد مديري غير الشغيلة الناعمة كانت أرحم من يد الكمسري الخشنة الملطخة بالحبر الأزرق والهباب الأسود. حقا إنه لشعور رائع أن تصفع على قفاك بهذه الرقة بعد أن صفعت بهذه القسوة. لن أزيد عليكم فالصفعات كالتلغرافات، سريعة، واضحة ومؤلمة فى بعض الأحوال.
- - -



هكذا تناولت قفوين بنهار واحد.
القفا الثالث جاء متأخرا نسبيا. كنت أصطحب زوجتي وأبنائي لشراء ملابس جديدة لهم. كنت أسير بميدان العتبة حاملا لفائف عدة عندما سمعت صوت اختراق اليد للهواء قبل صوت ارتطامها على سطح قفاي، تماما كرؤية البرق قبل سماع رعده. هذه المرة أدمت لساني. كانت قوية، حازمة، مسيطرة ومفاجئة، حتى أنني كدت أقع. أغمضت عيني قسرا وعندما فتحتهما كان الميدان الصاخب قد سكن.
حاولت تخيله، يجب أن يكون ضخما، ربما ستون ذراعا مثلما قرأت بكتب التفسير، أو ربما هم كثر قد اجتمعوا على قفاي. ربما لاحظوا احمراره بسبب صفعتي الصباح فتبينوا القابلية. ربما قد صدر قانونا جديدا يحتم صفع القفا ثلاث مرات يوميا لكل مواطن. هل ستكون الصفعات عشوائية، متباينة في الزمان والمكان والصافعين؟ هل ستكون مثل الوجبات، صباحا وظهرا ومساء أم مثل الصلوات فجرا وعصرا وعشاء؟ هل ستثبت الأماكن التي صفعت فيها؟ في الأتوبيس، في العمل وفي ميدان العتبة؟ أفضل أن تكون ثابتة كي أتوقع حدوثها، سيستوجب علي ادخار بعض المال إذن كي أشترى واق للقفا، وربما أضطر إلي تغييره كل بضعة أشهر. هل سيستثنون النساء والأطفال؟ وماذا عن الذين سافروا خارج البلاد لبضعة أشهر؟ هل سيسقط حقهم في الصفعات أم أنهم سينالون حقهم بأثر لاحق؟
- - -
عندما أفقت رأيت النجوم النحاسية، لملمت حاجياتى الحية وغير الحية وتوليت. لم أجرؤ على الالتفات فتكفينى نجمة واحدة، بل شريط واحد كي أقنع بغطاء فراشي. حقا لم أجرؤ، لم أجرؤ حتي علي النظر إلي وجه زوجتي التي كانت تحدق في النجوم النحاسية وابتسامه ساخرة تحاول الإفلات من شدقيها.
حقا لم أجرؤ.
محمد سيد عبد الرحيم

خارج التاريخ

$
0
0




ديباجة:
رب يسر برحمتك على قطيعك الذى اخترته لترعاه.
"أين عصا الرب؟ أين؟"

الحياة/ القبر.
الحياة قبور مثل هذا القبر، فالإنسان يولد فى قبر، لا يستطيع الخروج منه إلا عندما يكبر وتطول قامته، عندها/ حينها يخرج فينبش قبرًا آخر وبالثرى الذى أخرجه من القبر الثانى يردم به القبر الأول وهكذا؛ حتى آخر قبر ينبشه، يتمدد فيه أبدًا.

السرد/ الصبر/الملل.
"جعلونى نابشًا للقبور" آسف، نسيت أن أعرفك باسمى، فاسمى مهم جدًا هنا، كل بضع دقائق أسأل عنه، اسمى هو "إسرائيل الحادى عشر" وأرجو أن تكون صبورًا وأن لا يكون سردى مملاً لأنى... "أنا وحدى نجوت لأخبرك".

نعيق أول:وبه ما تعلمته.
النساء تبكى والعجائز ينحن والأطفال يتضرعن والصبايا يجزعن ونحن "إسرائيل" نرثى حالنا.
قالت امرأتى "سارة الحادية عشر" لتطيب عن القطيع "الرب يقاتل عنا ونحن صامتين".
تتواتر <و> تتداعى الأحداث بمخيلتى المثقوبة. فأتذكر امرأة "إسرائيل الثانى عشر" "سارة الثانية عشر" تقول "الرب يقاتل عنا ونحن صامتين".
ولكن شدد الرب قلب "هتلر" فلم يطلق "إسرائيل". فتعلمنا على يديه/ جنوده الخزى مثلما تعلم قابيل الدفن، فدائمًا ما يحلق غراب كالح فى الأفق.

 نعيق ثان:وبه ندف مما صار لـ"سارة الأولى" امرأة "إسرائيل الأول" وأم "إسرائيل الثانى عشر".

 ليلاً، فى مخيمات الوباء –كما أطلقنا عليها– سمعت من أنصاف الغافلين والغافلين أنباء عن كيفية موت "سارة الأولى". بعد الثناء على روعة منظرها، وخفة حضرتها وأصالة سبطها؛ قالوا: 
     أولاً: بعد أن اغتصب شرفها وعزتها، قتلها جنرال ألمانى بإدخال ماسورة بندقيته فى برزخ عفتها. فماتت.
    ثانيًا: أخذها جنرال ألمانى كى تخدم فى منزله، فغارت امرأته من خلابة جسدها وشعرها، فحلقت لها شعر رأسها البنى ثم قطعت ثدييها بذات المقص ثم تركتها لتنزف. فماتت.
     ثالثًا: اختيرت لكمال جسدها كفأر تجارب، فقد كان طبيب ألمانى يحاول تعلم كيفية استئصال الأورام من المخ، فلم يجد فضلاً منها لرجاحة عقلها وسموه... فماتت.

نعيق ثالث:وبه مفردات لغو/ لغة الهمس.
يهمس "إسرائيل الثانى عشر" بأذنى "قتلوا إسرائيل السابع" "قتلوا إسرائيل الثامن" "قتلوا إسرائيل العاشر" يهمس "إسرائيل التاسع" بأذنى "قتلوا إسرائيل الثانى عشر".
ضيق ووجع كالمخاض يؤلمنى، "سارة الثانية عشر" رملت وقبلها ثكلت وقبلها يتمت.
فمن أجل اسمى أسربل بالعار ومن أجل دينى أمنى بالموت. أنبش قبر شخص لا أعرفه، ربما رأيته من قبل وربما لا، لا أستطيع تمييز رسمه، فقط برودة ورطوبة كعرق الخوف ملمسه. رأسه المستكينة على حفنة من تراب أورشاليم تتشتت عندما أضمها بقبضتى الواهنة، فأخرج الشتات من القبر وأضعها فى محفة يمسكها طفلان ، يهرولان بها يحركهما الخوف ويداعبهما الأمل... إلى المحرقة.
أتساءل وبقلبى شغف إلى النور الإلهى "هل سينتهى هذا بعدم وجود ناج أو باق منى؟" فالخفيف لا ينوص والبطل لا يبقى والكاهن لا ينجو.
أخيرًا أقول أيها المستمع المنفرد، ويا أيها الفرد المنتظر، أقول: إن اسمى كان قبل أن أضع الشارة الزرقاء على ذراعى الأيمن هو "يعقوب".

مرسي وكوكب القرود

$
0
0





يبدو أن ذاكرة الرئيس محمد مرسي جد ضعيفة، فلقد نسى أحداث فيلم "كوكب القرود" الذي أحال إليه مؤخرا بحواره مع مجلة "التايم" الأمريكية حتى يوضح قراراته الأخيرة بشكل خاص وطريقة إدارته للبلاد بشكل عام!
زحف النسيان أيضا على عقل السيد الرئيس حتى نسى الانجليزية رغم أنه عاش لسنوات عدة بالولايات المتحدة أثناء حصوله على درجة الدكتوراه. يتضح ذلك من اللغة الانجليزية الضعيفة التي أصر على إجراء الحوار بها، حيث أنه لم يستطع أن يعبر عن أفكاره بشكل واضح وسلس بشهادة محرري مجلة "التايم" و"الواشنطون بوست"!
تحدث الرئيس عن فيلم كوكب القرود وعن القرد الكبير "رئيس المحكمة العليا" والقرد "العالم" والإنسان الذي أباد نفسه.
ويتضح من إحالة الرئيس، أنه يقارن بين كوكب القرود وعصر ما بعد الثورة المصرية بينما يقارن العصر الذي ساد فيه الإنسان بالفيلم بما قبل الثورة.
ليست المعضلة في أنه شبه نفسه بالقرد أو أنه قد شبه رئيس المحكمة الدستورية والنائب العام أو حتى الشعب المصري بالقرود، فهذا مجرد رمز نستطيع أن نتفهمه. ولكن المشكلة في أنه يرى أن الفيلم يقول أن عصر القرود أفضل وأسمى من عصر الإنسان!
فيلم "كوكب القرود" 1968 يعتبر من كلاسيكيات السينما الأمريكية وهو مأخوذ عن رواية للكاتب الفرنسي بيير باول وإخراج فرانكلين شافتر الذي اخرج فيلما شديد السخرية عن قائد حربي أمريكي بالحرب العالمية الثانية لا يهتم بحياة أي جندي طالما يحظى بالنصر (الشخصي) بمعاركه.
إن رواية/ فيلم "كوكب القرود" يرمز إلى الحرب العالمية الثانية التي عاني منها العالم كله وفرنسا بشكل خاص. يتحدث الفيلم عن الحرب التي كادت أن تدمر العالم والإنسانية وعن العنصرية الفاشية الاستبدادية التي جعلت هتلر وموسوليني يرون في الأجناس والأنواع البشرية المغايرة كائنات متدنية عن جنسهما ويتحدث أيضا عن إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي ظل غير مهتما بحقوق أقرانه من بني آدم أو المخلوقات الأخرى.
يرى الرئيس نفسه قردا، لا يهم! المهم هو أنه يرى أن القرود كانوا على حق دائما وأن الإنسان هو المخطئ الوحيد. نحن لا نعرف بالتحديد من يقصد بالإنسان، لكننا نعتقد أنه يحيل إلى إحدى/ أو كل المؤسسات التي فسدت أثناء النظام السابق والتي استمر وجودها لما بعد الثورة.
لكن الرئيس قد أغفل (بقصد أو بدون) المعنى الرئيسي للفيلم وهو أن مصير القرود هو ذاته مصير الإنسان الذي يرى نفسه مركزا للكون حيث لا يهتم بالمخلوقات الأخرى فيدمرها ويدمر نفسه ولو بعد حين. فديكورات وملابس الفيلم وأسماء الشخصيات تحيلنا إلى عصر اليونان الذين وصل بهم التقدم الفكري إلى مدى بعيد لكنهم كانوا، من ناحية أخرى، يرون كل من ليس بيوناني "بربري"، أي شخص همجي متدني الدرجة، وهو ما أودى بهم في النهاية إلى الزوال وبزوغ نجم الرومان بدلا منهم.
ويتضح ذلك أيضا كمثال في نص البند الثاني من دستور القرود بالفيلم الذي يقول "لقد صور الإلهُ القردَ على صورته وأعطاه من روحه وعقله دونا عن بقية المخلوقات." وأيضا في قول "وكيل النيابة القرد" أثناء محاكمة الإنسي "ليس لهذا الرجل أي حقوق بدستور القرود لأنه ليس بقرد"!
ورغم أنه ليس له حقوق في هذا الدستور العنصري إلا أنه سيتم محاكمته واتهامه وقتله ولكن قبل كل ذلك ستقوم المحكمة القردية بما هو أبشع، فلن تصغي له أو تعترف به ككائن متطور قادر على التفكير.
يغفل الرئيس أن ما يمارسه هو وقروده (جماعته) من مركزية سياسية وفكرية اقصائية سيؤدي به وبهم إلى نفس المصير الذي وصل إليه مبارك ونظامه. ولذا، فعلى الرئيس أن يدرك أن استمراره بالحكم يعتمد على اعترافه بالآخر وتقديره لفكره وأن انغلاق الجماعة على ذاتها وعدم تطورها جدليا evolutionسيؤدي حتما إلى ثورة (r)evolutionجديدة تطيح بالجماعة مثلما أطاحت ثورات أخرى بنظم استبدادية أعتى على مدار التاريخ.

كاكي

$
0
0




     -"اقتلنى!"
وجهتُ البندقية بسرعة إلى مصدر الصوت، ثم نظرت.. قابلني اللون الكاكى المقزز ولكنه كان هذه المرة ملطخًا بالدماء. وجه مُحدِّثى أعرفه، أراه بين الحين والآخر بكتيبتى.
-"اقتلنى!". لفظها مرة أخرى، ولكن هذه المرة بصوتٍ أشد انخفاضًا وبعينين "يملؤهما الخوف والرعب". أردت أن أسأله ماذا حدث؟ لكنى رأيت بقعة داكنة فوق خاصرته، وعندما أمعنت النظر رأيت.. رأيت أمعاءه تهرب ببطء من بطنه. وحينها فقط أدركت وتبينت.
-"لا أستطيع!".. لفظتها وجسدى الممشوق يستجيب لنسمة ريح.
-"اقتلنى!"
-"الأوامر أن أقتل الأعداء فقط". همست كأنى أكلم أعماق ذاتى وعقلى يتخيلنى وأنا أوجه بندقيتى إلى...
-"اقتلنى".. سعل بشدة، فخرجت زخة دماء من فمه وزخة أكثر اندفاعًا من بطنه. نظرت إلى السماء مستجديًا بعينين "يملؤهما الخوف والرعب"، وسألت الله: "كيف أقتله، وأنا لم أقتل أى شخص من قبل، فكيف يكون أول شخص منى وليس عدوى؟"
وجهت البندقية وأطلقت.. لم أسمع صوتًا، وعندما انزاح الضباب الذى غيم على عقلى، رأيته يهمس "اقتلنى".. يا لشقائى قبل شقائه! الماء الملح أفسد سلاحى وأنا أعبر القناة. خلعت حزامى القماشى الكاكى.. طوقت رقبته به... ثم خنقته.

ايش - كاكي (سيناريو فيلم قصير)

$
0
0



  
التتر بينزل على خلفية صفراء

م1/ ن.خ
صحراء
للسماء وهي صافية

للسماء وهي بها بعض السحب

للسماء وهي ملئ بالسحب

للصحراء

للكثبان الرملية

لتل عال

لرمال تتطاير

لمنخفض في الصحراء

لشجرة جافة وحيدة وسط الصحراء






يكتب علي الشاشة
صحراء سيناء  7 يونيو 1967
م2/ ن.خ
صحراء
للرجل الأول يمشي وسط الصحراء

بزاوية منخفضة تظهر صعوبة تحركه وعطشه واجهاده والسلاح المتدلي منه.

يجر رجليه على رمال الصحراء

لحبات العرق على وجهه ورقبته

من خلفه وهو يطلع تل

من أمامه يطلع فوق التل فيظهر تدريجيا
ثم يقف فجأة متحفزا فيرفع سلاحه

للرجل الثاني ممدد على الأرض، يخرج الدم من بطنه وهو يضع يده على الجرح وهو ممد في حفرة

للرجل الثاني تظهر فرحة في عينيه لأنه وجد شحصا اخيرا

لبندقية ملقاة بجانب الرجل الثاني

للرجل الثاني

للرجل الأول والذهول يملأ عينيه، فهو لا يعرف ما الذي حدث هنا

للرجل الأول يقترب من الرجل الثاني حتى يحاول ايقاف الدماء.

للرجل الثاني يشير بيده علامة على ايقاف الرجل الأول


للرجل الأول



للرجل الثاني

للرجل الثاني يكح فيها دما بعد انتهاءه من الرجاء

للرجل الأول





للرجل الثاني


لرجل الأول

للرجل الثاني يبتسم فيها باجهاد

لبندقية الرجل الثاني ملقاه بجانبه


لفم الرجل الثاني وهو يكح دما(صوت الكحة)

للرجل الأول وهو صامت ومنتبه

لفم الثاني

لوجه الرجل الأول والكلمة تتردد في عقله

للرجل الأول وهو يرفع بندقيته ويده تهتز

لفوهة البندقية

لأصبع الرجل الأول وهو يدوس على الزناد

لعينا الرجل الأول وهما مغمضتان ثم يفتحهما ببطء

للرجل الثاني وهو يدمع

للدموع تسيل من عينيه

للرجل الثاني يرفع يده من فوق الجرح وهي ملطخة تماما بالدم، ينظر لها ثم يجعل الرجل الثاني يراها

للرجل الأول وهو ينظر للرجل الثاني ثم وهو ينظر إلى بندقيته ثم يرميها بجانب بندقية الثاني

للدم يسيل من جانب فم الثاني ليختلط مع دموعه التي تنهمر من عينيه

للرجل الأول يخلع فيها حزامه

وهو يقترب من الثاني

للرجل الأول يحيط عنق الرجل الثاني بالحزام ثم يخنقه

للرجل الثاني وهو مستسلم تماما للرجل
الأول حتى يخيل للمشاهد أنه قد مات فعلا قبل حتى أن يقترب منه

Fade out to yellow
صوت رياح




صوت جر رجليه مع الرمال

صوت أنفاسه المتلاحقة




صوت رفع السلاح

صوت أنين الرجل الثاني








(بصوت ضعيف) اخيرا




متتكلمش.. متتعبش نفسك


آه..لا لا.. متحاولش.. (فترة صمت).. أنا كده كده ميت.. متحاولش


لا.. متجبش سيرة الموت.. هم.. هم أكيد هيلحقونا.. أكيد.. مش كده؟؟ مش هم هيلحقونا؟؟ صح؟

و.. و حتى لو لحقونا.. ساعتها.... أوه.. أرجوك.. أقتلني وخلصني. آه



اقتلك.. اقتلك ازاي.. لا.. لا مقدرش.. مقدرش.. مقدرش اقتلك.. أنت.. أنت عارف كويس أن الأوامر بتقول أني اقتل العدو بس. وانت مش عدو. أنت معايا.. انت.. انت معانا

خلصني.. ارجوك.. اقتلني
صوت كحة الرجل الثاني

بس أنا.. بس انا
بس أنا مقتلتش حد قبل كده
صوت ضحكة خافتة من الرجل الثاني
محدش فينا قتل حد.. حتى لما حاولت.. لقيت السلاح خربان
اصلي مضربتش بيه قبل كده

اقتلني.. اقتلني.. اقتلني..(صدي صوت لكلمة اقتلني)








صوت رفع البندقية



صوت تكة الزناد

صوت رياح



أرجوك.. أرجوك.. اقتلني..

موسيقى






صوت وقوع البندقية على الرمال



الموسيقى ترتفع





يصرخ الرجل الأول
م3/ ن.خ
صحراء
Fade in from yellow

للتل ورجل ثالث أجنبي يظهر من خلفها تدريجيا وفجأة يرفع سلاحه ثم ينزله مرة أخري بسرعة

من خلف كتفه يقترب من جثة حول عنقها حزام، يقلب الجثة على ظهرها حتي يرى شكله فنجد الرجل الأول

Fade out to yellow


صوت رياح

صوت رفع السلاح


صوت قلبه للجثة
م4/ ن.خ
صحراء
Fade in from yellow

للرجل الأول يقف فجأة ثم يرفع سلاحه ثم ينزل سلاحه مرة أخري ثم يقترب من مكان به حفرة ثم يقف فجأة ثم ينظر حول الحفرة













يرفع بندقيته

ينظر إلى البندقية ثم يرميها بجانب الحفرة

يخلع حزامه، يمشي إلى الحفرة التي كان ينظر إليها. يلف الحزام حول عنقه ثم يشده ليخنق نفسه

Fade out to yellow


صوت رفع السلاح ونزوله

متتكلمش.. متتعبش نفسك

لا.. متجبش سيرة الموت.. هم.. هم أكيد هيلحقونا.. أكيد.. مش كده؟؟ مش هم هيلحقونا؟؟ صح؟

اقتلك.. اقتلك ازاي.. لا.. لا مقدرش.. مقدرش.. مقدرش اقتلك.. أنت.. أنت عارف كويس أن الأوامر بتقول أني اقتل العدو بس. وانت مش عدو. أنت معايا.. انت.. انت معانا

بس أنا.. بس انا
بس أنا مقتلتش حد قبل كده



صوت وقوع البندقية على الرمال




نفس الصرخة التي صرخها من قبل
م5/ ن.خ
صحراء
Fade in from yellow

لسلاح واحد فقط ثم يد الرجل الأجني تأخذ السلاح.

للرجل الأجنبي من خلفه وهو يمسك بسلاحين مدلدلين من اليمين واليسار
وهو يحرك رأسه وكتفيه مع اللحن

بان رأسي حتى يظهر وجه الرجل الأول ميتا والرجل الأجنبي في خلفية الكادر يبتعد

Fade out to yellow

ينزل التتر على خلفية صفراء


صوت رفع السلاح من الأرض


يصفر بلحن عربي شهير

ضد النسيان

$
0
0


إلى خالد سعيد نموذجا للملايين من جيلنا.

يموت ويصاب فتيان وفتيات في تصادم أتوبيس رحلات بقطار. فيحاول مصطفي خلف "أحمد زكي" المحامي إقناع أهالي قتلى ومصابي الحادث بتوكيله لرفع قضية لكي ينال التعويضات اللازمة ويظهر فساده أثناء الفيلم فنعرف أنه سيستحوذ مع زملاءه المحامين على أموال التعويضات دونا عن أهل القتلى والمصابين المستحقين لها. ولكن.. عندما يدرك مصطفى خلف أن ابنه ضمن المصابين (ملحوظة: لم يكن يعرف أن له ابن من مطلقته)، يتغير حاله ويبدأ في الدفاع الفعلي عن حقوق القتلى والمصابين ومطالبة العدالة بالتحقيق مع الوزراء المعنيين بالحادث وليس فقط سائق أتوبيس الرحلات وعامل مزلقان القطار. وحينها تواجهه صعوبات من كل الجهات. وينتهي الفيلم بمرافعته بجلسة النقض حيث يطالب بمثول الوزراء المعنيين أمام العدالة. فيمتثل القضاء له أخيرا. الفيلم تأليف بشير الديك وإخراج عاطف الطيب.
وفيما يلي نص المرافعة الأخيرة:
زاوية عالية لقاعة المحكمة بأسفل الكادر مصطفى خلف(ومن خلفه يظهر الحاضرون بالمحكمة كأنه هو رئيسهم أو هو راعيهم وهم قطيعه، ينتظرونه، ينتظرون مرافعته، مسلوبو الإرادة له في تلك اللحظات، رغم أن بعضهم معه وبعضهم ضده، بعضهم يصدقه وبعضهم يكذبه، بعضهم يؤمن به وبعضهم يجحده، تماما كالأنبياء والرسل)tilt downلنلقى مصطفي خلف يقول مرافعته:
أشكر أستاذي وزميلي الدكتور عبد النور الذي أتاح لي هذه الفرصة ليعلن كل خطايا أمامكم وعلى الملأ لعلى أتطهر منها. نعم أنا مثال للمحامي الفاسد (لقطة لمطلقته وابنه سيف الذي ليس مصادفة أيضا أنه كان قبل الحادث بطل جمهورية في لعبة الدفاع عن النفس التايكوندو – إن اسم سيف يعني القوة والشجاعة والحرب، يعني المستقبل القادر على الدفاع عن نفسه ولكن للآسف كسرت ساقه فخبا مستقبله أو بالأحرى كسر سيفه فغدا غير قادر على الدفاع عن نفسه) بل أكثر فسادا مما يتصوره أستاذي. أنا ابن هذه المرحلة (لقطة عامة للقاعة من الخلف تظهر ظهور الجالسين وظهر مصطفي خلف وكأنه قائدهم في هذه المرحلة) والمراحل التي سبقتها، تفتح وعيي مع التجربة الناصرية آمنت بها ودافعت عنها فرحت بانتصاراتها وتجرعت مرارة هزائمها وانكساراتها.. هنت عندما هان كل شيء وسقطت كما سقط الجميع في بئر سحيق من اللامبالاة والإحساس بالعجز وقلة الحيلة أدركت قانون السبعينيات ولعبت عليه وتفوقت تاجرت في كل شيء في القانون والأخلاق والشرف لم أترك شيئا ومستعد للحساب وتحمل المسئولية؛ بل أكثر من ذلك أعترف أمامكم أنني دخلت هذه القضية طامعا في مبلغ تعويض ضخم. لكن. لكني اصطدمت بحالة خاصة.. شديدة الخصوصية جعلتني أراجع نفسي.. أراجع موقفي كله (close up على وجهه) أراجع حياتي وحياتنا. اصطدمت بالمستقبل. نعم.. صبي من الذين حكم عليهم أن يكونوا ضمن ركاب أتوبيس الموت، رأيت فيه المستقبل الذي يحمل لنا طوق نجاة حقيقي رأيتنا نسحقه دون أن يهتز لنا جفن نقتله ونحن متصورون أن هذه هي طبائع الأمور. فكان لابد لي أن أقف وأصرخ أن هذه جريمة.. جريمة كبري لابد أن يحاسب من تسبب فيها. إني لا أطلب سوي محاسبة المسئولين الحقيقيين عن قتل عشرين تلميذا لم يجنوا شيئا سوى أنهم أبناءنا.. أبناء العجز والإهمال والتردي.. كلنا فاسدون كلنا فاسدون لا أستثني أحدا حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة.. سيدي الرئيس، كل ما أطالب به أن نصلي جميعا صلاة واحدة لإله واحد، إله العدل الواحد الأحد القهار (tilt upسريع لنرى القاعة بأكملها وكأن الكاميرا ترتفع إلى السماء متطلعة إليهم/ إلينا). لست صاحب مصلحة خاصة وليس لدي سابق معرفة بالشخوص الذين أطلب مسألتهم ولكن لدي علاقة ومصلحة في هذا البلد، لدي مستقبل هنا أريد أن أحميه. أنا لا أدين أحدا بشكل مسبق ولكني أطالب المسئولين الحقيقيين عن هذه الكارثة بالمثول أمام عدالتكم لسؤالهم واستجوابهم فهل هذا كثير؟ أليسوا بشرا خطاءين مثلنا؟ أليسوا قابلين للحساب والعقاب مثل باقي البشر؟ سيدي الرئيس أنا ومعي المستقبل كله نلوذ بكم ونلجأ إليكم فأغيثونا أغيثونا.. أغيثونا والله الموفق.

أدعوكم إلى مشاهدة الفيلم مرة أخرى، عله يؤتي مراده تلك المرة، علنا نعترض، نجاهر، نثور بمخاوفنا ومطالبنا؛ بأن نحظى بالطمأنينة، بأن نحظى بالأمان في أوطاننا. 

ذكريات من العشرينيَّات/ وودي آلان

$
0
0




يُعرف «وودي آلان» في البلاد التي تتحدث العربية كمخرج وممثل وكاتب سيناريو، لكن الغالبية العظمى من الجمهور لا يعرفون أنَّ بدايته كانت بكتابة القصص القصيرة، وأنَّ له خمسة كتب تندرج تحت هذا التصنيف. وتتميز أعماله الأدبيَّة بحس السخرية بالطبع، ذلك الذي يظهر في أفلامه وعروضه الكوميديَّة الساخرة. ويتضح ذلك في القصة التي ترجمناها له، وهي تعتبر أول قصة مترجمة له إلى اللغة العربية.
تأتي أهمية هذه القصة «ذكريات من العشرينيات» من تطوير «وودي آلان» لها ليحوِّلها إلى فيلم سينمائي بعنوان «منتصف الليل بباريس»، والذي لاقي نجاحًا كبيرًا عندما عُرض بدور السينما في جميع أنحاء العالم عام (2011م)، ففاز بجائزة «أوسكار» أفضل سيناريو في العام نفسه.
ولد «وودي الآن» عام (1935م)، وهو كاتب قصة وسيناريو ومسرح، ومخرج وممثل (هزلي) وعازف. أصدر «وودي آلان» خمسة كتب تنتمي إلى الأدب الساخر؛ وهي «واحدة بواحدة» (1971م)، و«عاهرة منيسا» (1974م)، و«بلا ريش» (1975م)، و«آثار جانبية» (1980م)، و«مجرد أناركية» (2007م).
ويبدو تأثير عدد من الكتَّاب الأمريكيين الساخرين واضحًا على «وودي آلان»؛ وهم: سيدني بيريلمان وهو كاتب وسيناريست. وجورج كوفمان وهو كاتب مسرح ومخرج ومنتج وناقد فني؛ ويعتبر من أهم الأدباء الساخرين في تاريخ الأدب الأمريكي. وروبرت بينشيلي وهو كاتب صحفي وممثل, وماكس شولمان وهو كاتب ساخر.
يتسم أسلوب «وودي آلان» بالسخرية الشديدة من كل شيء؛ بداية من أبطاله وحتى الوصول إليه هو نفسه ككاتب؛ مرورًا بمعتقداته والأشياء والشخصيات التي أحبها.... إلخ. وتتراوح أشكال أعماله بين القصة القصيرة واضحة المعالم، والأعمال النثرية التي لا نستطيع أن ندرجها تحت مسمى القصة القصيرة. يُضمِّن «وودي آلان» بأعماله أساليب سردية مختلفة ومبتكرة ومتنوعة؛ كقوائم ملابس بطله التي يرسلها إلى المغسلة، والمقالات الفلسفية، والمذكرات، ونمط السيرة الذاتية، والشكل المسرحي، والنشرات التعليمية، والرسائل.... إلخ.
إنّ ما يتميز به «وودي آلان» هو تلقّي قارئه لدعاباته بشكل أفضل إذا ما قرأ نصوصه بصوت مرتفع؛ وهو ما ينصح «وودي آلان» قرَّاءه به. وهذا ناتج -بالتأكيد- من أنَّ بداية «وودي آلان» كانت كممثل هزلي يقف على المسرح ليلقي النكات ويحكي حكايات هزلية مضحكة. وقد سجَّل «وودي آلان» -بالفعل- كل إنتاجه القصصي بصوته، وصدرت هذه الأعمال الصوتيَّة عام (2010م).

ذكريات من العشرينيَّات
وودي آلان
ترجمة
محمد سيد عبد الرحيم



كنَّا نعيش بعشرينيَّات القرن العشرين، حينما ذهبتُ لأول مرة إلى شيكاغو كي أشاهد مباراة للملاكمة. كان يصحبني بالرحلة إرنست هيمنغواي[1]، وقد أقمنا في معسكر تدريب جاك دمبسي[2]. كان هيمنغواي قد انتهى توَّه من كتابة قصتين قصيرتين عن مباريات الملاكمة. وكنت قد اتفقت حينها مع جيرترود شتاين[3]أنهما جيدتان، إلا أنَّنا اتفقنا أيضًا أنهما تحتاجان إلى بذل مجهود أكثر لتصبحا أكثر جودة. داعبتُ هيمنغواي بخصوص روايته القادمة؛ فضحكنا ومرحنا كثيرًا معًا، وبعدها ارتدينا قفازات الملاكمة، فكسر أنفي.
في هذا الشتاء، استأجرتُ مع أليس توكلاس[4]وبيكاسو[5]فيلا بجنوب فرنسا. كنت قد بدأت في قراءة ما كان يُطلق عليها حينها أعظم رواية في الأدب الأمريكي، إلا أنَّ خط الطباعة كان صغيرًا جدًّا؛ ولذا لم أستطع قراءة شيء منها.
كنتُ معتادًا أن أذهب -في الظهيرة- مع جيرترود شتاين لاقتناص الأنتيكات بمحال المدينة، وأتذكر ذلك اليوم الذي سألتها فيه إذا ما كانت تعتقد أنني سأصبح كاتبًا، وبطريقتها الإيحائيّة المعتادة التي كنا مأخوذين بها، ردتْ قائلة: "لا"، اعتقدتُ أنها كانت تُلمِّح بـ: "نعم"؛ ولذا أبحرتُ إلى إيطاليا في اليوم التالي لحديثي معها. ذكَّرتني إيطاليا كثيرًا بشيكاغو؛ خاصة فينسيا؛ لأنَّ كلتا المدينتين تحتويان على قنوات وشوارع مليئة بالتماثيل والكتدرائيات التي زينها أعظم النحاتين في عصر النهضة.
ذهبنا في ذلك الشهر إلى استوديو بيكاسو بمدينة إيرل[6]، والتي كانت تُدعى بروان[7]أو زيورخ[8]حتى أعاد تسميَتَها الفرنسيون عام 1589 في عصر لويس الغامض. (كان لويس ملكًا وغدًا في القرن السادس عشر، وكان قذرًا في تعامله مع الآخرين). كان بيكاسو موشكًا على البدء بما سيُسمى فيما بعد بـ«ـالمرحلة الزرقاء»، إلا أنّني تناولت أنا وجيرترود شتاين القهوة معه؛ ولذلك بدأ هذه المرحلة متأخرًا عشرة دقائق. ولقد دامت هذه الفترة لأربع سنوات؛ ولذا لم تفرق معه هذه الدقائق العشرة كثيرًا.
كان بيكاسو رجلًا قصيرًا، وله طريقة غريبة في المشي، حيث كان يضع قدمًا أمام الأخرى حتى يقوم بما يطلق عليه «الخطوات». كنا نضحك كثيرًا على أفكاره المسلية، إلا أنَّ ضحكنا أصبح نادرًا حينما حلَّت الثلاثينيات فبرزت الفاشية في أوروبا. كنت أتفحص بحرص مع جيرترود شتاين أعمال بيكاسو الجديدة أولًا بأول. كان لجيرترود رأي هام في أعمال بيكاسو؛ وهو: "أن الفن -كل الفن- هو مجرد تعبير عن شيء ما". لم يوافق بيكاسو على رأيها، ثم قال لنا حينها: "اتركوني وحدي. لقد دخلتما عليَّ وأنا آكل". كنت أشعر بداخلي أنَّ بيكاسو على حق، لقد كان يأكل فقط.
كان استوديو بيكاسو مختلفًا تمامًا عن استوديو ماتيس[9]، فبينما كان استوديو بيكاسو مليئًا بالقذارة كان استوديو ماتيس مرتبًا ونظيفًا. كانا مختلفين تمامًا في أشياء كثيرة. كُلِّف ماتيس في شهر سبتمبر من نفس العام أن يرسم لوحة رمزية، إلا أن زوجته مرضت فلم يستطع أن يكمل اللوحة فحوّلها إلى ورق حائط. أتذكر هذه الحوادث جيدًا بسبب كونها قبل الشتاء الذي عشنا فيه في هذه الشقة الرخيصة بشمال سويسرا، حيث كانت تمطر أحيانًا ليتوقف المطر فجأة.
أقنع الفنان التكعيبي الأسباني خوان غريس[10]أليس توكلاس أن يرسم لها لوحة زيتية. أخذ غريس يرسمها بطريقته التجريدية في تصوير الأشياء، وبينما كان يكسر وجهها وجسدها ليصل إلى الأشكال الهندسية الرئيسة، جاءت الشرطة آخذةً إيَّاه إلى القسم. كان غريس قرويًّا أسبانيًّا، وكانت جيرترود شتاين تقول أنَّ الأسباني الحقيقي هو الذي يفعل ما قد فعله غريس، فلقد كان يتحدث الأسبانية وأحيانًا ما يعود إلى عائلته بأسبانيا. إنّه لمن الرائع لأي شخص أن يقابل غريس.
كنا نجلس يومًا بأحد بارات المثليين بجنوب فرنسا، بينما أقدامنا مرفوعة بارتياح فوق كراسي المرحاض باتجاه شمال فرنسا، قالت جرترود شتاين وقتها: "أنا مقرفة". رأى بيكاسو أن قولها هذا مضحكٌ جدًّا، بينما رأيت أنا -ووافقني ماتيس- أنها تقصد أن علينا أن نسافر إلى أفريقيا. قابلنا هيمنغواي في كينيا بعد ذلك بسبعة أسابيع. كان لجلده لون البرونز بينما كانت لحيته طويلة جدًّا. وقد بدأ في هذه الآونة بتطوير أسلوبه السردي البارد عن العينين والفم. في هذه القارة السوداء التي لم تكتشف بأكملها بعد، كان هيمنغواي -بشجاعة- قد واجه تشقق الشفاه آلاف المرات.
سألته: "كيف الحال يا إرنست؟"، أخذ يتحدث كثيرًا عن الموت وعن المغامرات، وحينما استيقظت من النوم كان قد أقام مخيمًا وقد جلس بجانب نار عظيمة وهو يعد لنا مقبلات الديرما. ألقيت نكتة عن لحيته فضحكنا جميعا عليها، ثم احتسينا الكونياك، ثم ارتدينا قفزات الملاكمة حتى كسر أنفي.
ذهبت مرة أخرى -بهذا العام- إلى باريس لأتحدث إلى ملحن أوروبي حاد الطباع وذي أنف معقوف وعينين سريعتين لماحتين. كان هذا الرجل هو إيجور سترافينسكي[11]. بقيت في منزل مان راي[12]وستينج راي، حيث كان ينضم إلينا كثيرًا على العشاء سلفادور دالي[13]. كان دالي يفضل العرض المنفرد الذي كان يلاقي بالفعل نجاحًا كبيرًا. وقد كان شتاء فرنسيًّا جميلًا ورائعًا.
أذكر يومًا حينما عاد سكوت فيتزجيرالد[14]وزوجته لبيتهما بعد حضورهما حفل رأس السنة، كان هذا في شهر أبريل. لم يستهلكوا شيئًا خلال الثلاثة أشهر الأخيرة سوى الشامبانيا، وبالأسبوع الماضي، ارتديا ملابس السهرة ثم أخذا عربتهما الليموزين ليتجاسرا ويصعدا جرفًا صخريًّا بارتفاع تسعين قدمًا عن سطح البحر. كانت أسرة فيتزجرالد أسرة مدهشة؛ حيث كانت قيمهم ثابتة، كانوا متواضعين جدًّا، وحينما أقنعهم جرانت وود[15]يومًا أن يرسمهما بلوحته الشهيرة «القوطية الأمريكية»[16]، شعرا بإطراء شديد لذلك. قالت لي زيلدا[17]أنّ سكوت ظلَّ يوقع المذراةَ خلال وقوفهما أثناء رسم اللوحة.
أصبحتُ صديقًا حميمًا لسكوت في السنوات التالية، ومعظم أصدقائنا كانوا يعتقدون أنّ بطل روايته الأخيرة كان مستوحى مني، بينما كنت أعتقد أنني استوحيت حياتي من روايته ما قبل الأخيرة. وفي النهاية تم رفع دعوى ضدي من قبل شخصية خياليَّة.
كان لدى سكوت مشكلة كبيرة في الالتزام، ورغم أننا كنا نحب زيلدا كثيرًا، فلقد اتفقنا -جميعًا- أنَّ لها تأثيرًا مناوئًا على أعمال سكوت، حيث تختزل إنتاجه من رواية واحدة كل عام إلى كتابة وصفة فواكه البحر ومجموعة كبيرة من الفصلات.
أخيرًا، ذهبنا إلى أسبانيا عام 1929، حيث قدمنا هيمنجواي إلى مانوليتي[18]الذي كان حساسًا لدرجة التخنُّث. كان يرتدي بنطالًا ضيقًا لمصارع الثيران، وأحيانًا ما كان يلبس بنطالَ برمودا. كان مانوليتي فنانًا عظيمًا جدًّا، وإذا لم يكتب له أن يكون مصارعًا للثيران كان سيكون محاسبًا عالميًّا.
استمتعنا كثيرًا في أسبانيا؛ سافرنا وكتبنا، واصطحبني هيمنجواي لصيد سمك التونة فاصطدت أربع علب فضحكنا ومرحنا كثيرًا. سألتني أبيس توكلاس إذا ما كنت مغرمًا بجيرترود شتاين، خاصة أنني قد أهديت لها ديوانًا، رغم أنه ديوان لإليوت[19]، فقلت لها: "نعم، أحبها، إلا أنني أدرك أن علاقتي بها لن تنجح لأنها أذكى مني"، فأمَّنتْ أليس توكلاس على قولي ثم ارتدينا قفازات الملاكمة فكسرت جيرترود شتاين أنفي.


[1]كاتب وروائي وقاص أمريكي.
[2]ملاكم أمريكي.
[3]أديبة وناقدة أدبية وفنية أمريكية من أصل ألماني.
[4]حبيبة جيرترود شتاين.
[5]رسام أسباني.
[6]مدينة بجنوب فرنسا.
[7]مدينة بشمال غرب فرنسا.
[8]مدينة سويسرية.
[9]رسام فرنسي.
[10]رسام ونحات أسباني.
[11]مؤلف موسيقي روسي.
[12]رسام ومصور فوتغرافي أمريكي.
[13]رسام أسباني.
[14]كاتب أمريكي.
[15]رسام أمريكي.
[16]واحدة من أشهر اللوحات الأمريكية في القرن العشرين.
[17]روائية أمريكية وزوجة سكوت فيتزجرالد.
[18]مصارع ثيران أسباني.
[19]شاعر وناقد وكاتب مسرح انجليزي.

عن مصطلح الحيرة

$
0
0

يحاول طاليس منذ آلاف السنين أن يجد شخصا يحمل عنه العالم، إلا أن الجميع مشغول بالاستمتاع بالبحر الهادئ بسبب الحواجز الصخرية والتقاط الصور التذكارية التي تظهرهم بلهاء بنظاراتهم الشمسية الرخيصة.



يظلل نور الشمس وجهك وأنت تجلسين فوق تلك الوسادة الخفيفة الملبدة بالألوان تحت النافذة المنخفضة الارتفاع رافعة رأسك إلى سقف الحجرة ناظرة إلى اللا أفق بينما أشعة الشمس تتسحب متسللة رويدا رويدا مارة على وجهك. ابتسامتك المستمتعة بسخونة الشمس ورقتها جعلتني أريد أن أتحدث معك أكثر عن البوح، عن أمور عدة، عن الصولوهات التي تملأ دفاترك، عن العيون الواسعة التي تميز بورتريهاتك، عن أزماتنا الوجودية والروحية والعاطفية والسياسية والانتمائية والغائية والجمالية والحسية، عن الأصدقاء والأقارب، عن الأحباء الذين أريد أن أحكي عنهم لأعريهم وأعري نفسي. لكن.. علي في البداية أن أكسر الحواجز، حواجز البوح وحواجز الناس. ربما.. إذ ما ركلت الكرة بكل ما أوتيت من عنفوان، أن يهرب المدافعين تاركين فجوة لتعبر منها إلى المرمى القصي. لا يهمني أن أحرز هدفا، لكن ما يهمني أن تتجاوز الكرة هذا الحائط الصاد لكل رغباتنا ونوايانا المكبوتة. أعرف جيدا أن هذه المصدات الحجرية هي التي تجعلنا نستريح من عناء محاربة أمواج التعلق والفراق، هي التي تحمينا من الخيبة التي نحملها بسبب الأحباء الذين تعلقنا بهم فخذلوننا لأسباب عدة بعضها يتعلق بنظام الأجرة مقابل القطعة والبعض الآخر يتعلق بالتسوق عن بعد. إلا أنني أريد البوح بخجل رجل وحيد يذهب إلى البار ليشرب زجاجة كونياك وهو يجيل النظر برواد المكان بشغف منتظرا منهم أن يطلبوا منه سيجارة من سجائره محلية الصنع حتى يحدثهم عن كل شيء، بداية من الحبيبة التي تبعدها عني الأميال والآمال إلى المدينة التي أصبحت عائقا لروحي وعقلي مرورا بالثورة التي أهلكت أكتافي ومزقت منطقي وحدسي. إلا أنه أخيرا وبعد تجرع كؤوسا وزجاجات، يغادر البار تاركا خلفه مطفئة مليئة بأعقاب سجائر لم يشاركه فيها أحد.

فجر يشبه ارتعاشة ضوء لمبة فلورسنت

$
0
0

إلى محمد عبد الغفار.

فجر يشبه ارتعاشة ضوء لمبة فلورسنت



قالت له أنها قد حدثت أصدقاءها عنه.
حينها توقف عن تأمل السائح ليظهر نظرته الأثيرة، نظرة المندهش، إلا أنه اندهش بالفعل عندما التفت إليها ليرى صورته منطبعة بحدقة عيناها. كانت الساعة قد جاوزت منتصف الليل حيث ندر المارة، كانا قد قضيا المساء يرقصان بإحدى الديسكوهات، حيث اختلى كل منهما بمرآته أكثر مما كانا يتوقعان. وعندما غادرا طلب منها أن يتمشيا قليلا حتى يتفرج على المدينة بسكون الليل، للحظة أحست أنها كانت تعرف أنه سيطلب منها ذلك، استدركت الأمر ثم قالت له أن الوقت قد تأخر وأن المدينة بهذا الوقت ليست بالآمنة. فرد عليها بأن الجو منعش وأنه يحتاج لهذه النزهة خاصة أنه لا يدري متى سيأتي لزيارتها مرة أخرى. مرة أخرى أحست أنها كانت تعرف أنه سيرد عليها بقوله هذا، لكنها لم تعرف بالتحديد هل كان يقصدها أم يقصد المدينة؟ ختم قوله مقترحا أن يسيرا في الشوارع الرئيسية تلافيا للأخطار. صوت التنبيه بتليفونها المحمول الذي قاربت بطاريته على النفاذ ونظرات سائقي التاكسي المنتظرين ولغتهم التي لا يفهمها جعلتها ترتبك لبضعة ثوان إلى أي طريق تطرق. لكنها امسكت بيده متخذة الطريق الذي كانا يواجهانه.
كان طريقا منحدرا كالسهل إلا أنه يرتفع مرة أخرى على امتداد البصر كالحصن، نصحته أن يسير ببطء وأن يفتح ساقيه قليلا حتى لا يقع. قالتها ثم ابتسمت، كانت تحاول أن تبدأ حوارا ضاحكا، ملمحة إلى أنه قد شرب كثيرا مقارنة بها حيث أنها نادرا ما تشرب الخمر. توقعت أن يرد عليها باسما بأن محاولاتها لاثناءهما عن النزهة ستفشل وأن قولها هذا من المستحيل أن يقنعه بأن يستقلا تاكسيا يسير بسرعة بطرق المدينة الجبلية فلا يعطيه فرصة للتفرج عليها والاستمتاع بجوها، إلا أنه كان مستغرقا في الفرجة على تنوع المباني القديمة والمحال المغلقة والمقاهي متعددة الأدوار التي كان العاملون بها ينظفونها من أثر مرتاديها. وضع يده بجيبه فاصطدمت بالعلبة فشعر أنه يغرق ببحر من الشك، سألها عن الساعة وهو يفكر ما هو الوقت المناسب كي يعطيها زوج الأقراط؟ رفعت ساعدها ثم قالت شيئا ما بلغة المدينة، ثم أعادت قولها بلغتهما الوسيطة مخبرة إياه أنها الثالثة بعد منتصف الليل. فكرت وهي تتحسس عصا المظلة المعدني البارد كبرودة الصليب المدلى على صدرها متى سيقول لها أن الوقت قد تأخر وأن عليها أن تمضي الليلة بغرفته بالفندق. تذكرت هاتفها وأن أمها لن تستطيع أن تتصل بها إذ ما فرغت البطارية تماما. كانت قد حضرت نفسها لهذا الموقف متخيلة إياه بعقلها ومستشيرة لصديقتيها المقربتين.
أمسكت بخصلة من شعرها، وضعتها على حافة شفتيها ثم نظرت إلى الجرافتي الذي يصور قناع فيلم فينديتا، تأملت شارب القناع المميز ثم قالت له أنها قد حدثت أصدقاءها عنه. ابتسم وصوت عبد الوهاب يحل محل صوت موسيقى الديسكو التي ملاءت رأسه منذ مغادرتهما المرقص، ملس على شاربه وهو يتخيل الأشياء التي قالتها لأصدقائها ثم رد عليها سألا وماذا قلت لهم.
وبينما كانا مستغرقين في حديثهما الثنائي والفردي خرج من زقاق ترابي بضعة رجال وامرأة متوسطو العمر لابسين كمامات طبية تخفي أنوفهم وأفواههم وفانلات مرسوم عليها شعار يشبه المتاهة أكثر من تشبهه بالصليب المعقوف. كان الرجال يحملون عصيا وسكاكين بينما كانت المرأة تحمل زجاجة صغيرة نصف ممتلئة. حاول الفتي أن يتذكر هل يلبس حزامه ذو "التوكة" العريضة أم أنه قد قرر أن يتركه ببلاده خجلا من قلعه أثناء مروره بجهاز كشف المعادن بالمطار. كانا يجمعهما الصراخ والاستغاثة وتفرقهما اللغة. امسكت المرأة بشعر الفتاة لاعنة اياها وملقبة اياها بالخائنة التي تبيع أرض وطنها للبرابرة مقابل الحب الرخيص. وحينما انتهى الرجال من الفتى امسكوا بالمرأة التي كانت مازالت تصفع الفتاة وتبصق عليها، متراجعين مرة أخرى إلى الزقاق الخفى المظلم الضيق وهم يتحدثون عن قرب أوان موسم التطهير. كان الفتي يخطو بطريق ممتد لفقدان الوعي وهو يفكر في جدوى جملة قد سمعها من أحد السياسيين تقول أن "الحرية لها ثمن". كانت المجموعة قد اتمت مهمتها اليومية بنجاح معهود، فلا خطر عليهم ولا استهجان. وبعد ثوان قليلة تحرك المئات من خلف نوافذ بيوتهم إلى كنباتهم الواسعة المريحة أمام التلفاز بعد أن شاهدوا ما حدث تاركين الفتاة وراء ظهورهم تستغيث وهي تتحسس الأرض محاولة الوصول إلى الفتى الملقى على الطريق. كانت السماء قد بدأت تمطر كمقطع الكريشندو إلا أنها لم تستطع أن ترى المطر أو الليل أو البحر القريب الذي كان رجل عجوز يتمشى ببطء على شاطئه بصحبة كلبه الأجرب الذي كان قد غمر نصفه السفلي بالماء المالح موليا ظهره للأرض وموجها نظره إلى البحر أو بالأحرى إلى نور الشمس الخجل الذي كان ينبئ بفجر ذهبي جديد.

التأني والعجلة

$
0
0



قضيت الساعة الفائتة في اصطياد سلة المهملات، أكتب ثم أرمي بما سطرته إليها لتبتلعه.

سيناريو فيلم ع الهامش (الغلطة الأخيرة)

$
0
0



تأليف: محمد سيد عبد الرحيم

الشخصيات حسب الظهور :

الطبيب : بطل المسرحية

شريف : كومبارس مسرح

محمد : كومبارس مسرح زميل شريف وصديقه

عاطف : مدير الفرقة المسرحية

طلعت : مساعد عاطف

المشهد الأول
ليل \ خارجي
واجهة المسرح


واجهة مسرح يضئ
استعراض لمدخل المسرح


المشهد الثانى
ليل \ داخلى
خشبة المسرح




أنا الطبيب ماركوس.. كل يوم أنظر إلى السماء. وأخاطب الله قائلا يا شافي المرضى.. أعدك أن أبذل قصارى جهدي لأعالج عبادك.




أيها الطبيب.. لقد وجدت أخيرا العلاج الناجح الذي عجز عنه الطب.



مسكين.. مات.. مات حتى قبل أن يخبرني بالذي حل به.


لقطة لونج لفتح الستار والجمهور، يصفق الجمهور، يقف الطبيب في وسط المسرح، يحيي الجمهور ثم يقول وهو يتحرك جهة اليسار



يقف شريف في الكالوس يراجع دوره في سره ويمثله (تركيز مبالغ فيه)

يدخل شريف، تبدو عليه ملامح الفقر، يبتسم في سخرية ويقول مناديا


يخرج شريف مسدس من جيبه ويطلقه على صدره.. يسقط ميتا، يذهب الطبيب إلى جثته و ينزل له نصف ركبة، يكمل الطبيب قائلا في ألم وشفقة:



لقطة تظهر شريف من رأسه وفي عمق الكادر الطبيب.






المشهد الثالث
ليل \ داخلي
كالوس المسرح

محمد ... محمد ألاقيش معاك 10 جنيه. أخوك على الحديدة.


يعني أديك يوميتي ولا إيه؟ .... (يغمز له بعينه بخبث) ما تخش لصحبك.

أخش لمين؟ لعاطف مدير الفرقة (بصوت منخفض) ده واد ابن كلب.

يا سيدي حاول .. هو أنت على طول كده.

أحاول ايه ؟؟ .. ده من ساعة موت أبوه وحالة الفرقة زي الزفت.



منصور بيه.. الله يرحمه. دي كانت أيامه أيام عز.

طب اعمل ايه؟ عليا فلوس لطوب الأرض (متلتلة).

خلي الناس تستنى عليك شوية.. هي الدنيا طارت؟


يستنوا ! ولو استنوا.. علاج أمي هيستنى.. أكل العيال هيستنى؟



خلاص.. يبقى تخشله (يبدأ فى المشي مغادرا) يالله.. أنا هبقى في القهوة بعد ساعة. سلام.




يمر شريف بجوار غرفة عاطف، يقابل محمد، يقول له شريف بلهجة المنكسر :



ينظر محمد لشريف بدهشة ثم يقول:


ينظر له شريف بدهشة ثم يقول:


يقول له محمد:

يرد شريف :




يقول محمد:

يفكر شريف ثم يقول :

يرد محمد:


يرد شريف بتأكيد:



محمد يقول بصيغة تأكيد على نصيحته الأولى بالدخول لعاطف:


ينظر له شريف نظرة أن الأمل ما قبل الأخير قد ضاع. ثم ينتظر أمام باب غرفة مدير الفرقة لثوان، يفكر ثم يدخل.


المشهد الرابع
ليل/ داخلي
مكتب عاطف



مساء الخير يا أستاذ عاطف.









أيوه يا حبيبي... أعمل زي ما بأقلك... أشتري 500 سهم... لأ لأ. أنا حاسبها صح.. ما هو مش معنى أني خسرت على الصبح كده 25 ألف أني هأخسر على طول... ما هو على أيديك ، ياما كسبنا منها.





لمؤاخذة يا باشا. عايزين أمضتك بس على الورق ده.


طيب.. طيب.



أزيك يا طلعت.


أزيك يا شريف وايه اخبارك؟


الحمد لله

تسلملنا أيديك يا باشا..سلام عليكم.

سلام يا طلعت.

وأبقى طمني بقى.... ياللا.. سلام.


عاوز ايه يا شريف؟؟

أزيك يا ريس وايه أخبار الـ ...

عاوز ايه؟ (يقولها وكأنه ينطقها حرفا حرفا).

بصراحة كده يا ريس أنا كنت محتاج منك (يرفع رأسه إلى عاطف) 500 جنيه.

ايه.. تاني كده ؟؟


والله العظيم يا ريس عليا فلوس لـ300 بني آدم. ده غير أن أمي والله العظيم عيانة أوى والعيال.... وبعدين يا ريس أنا دوري في المسرحية.. يستحق يومية أكتر من كده. هي المسرحية تكمل من غير جملتي.

بقى أنت شايف كده.

أيوه

طيب يا حبيبي.. بكرة آخر يوم ليك في الدور العظيم ده.




ونبقى نشوف بقى المسرحية هيحصلها ايه من غيرك يا أستاذ شريف
يطرق شريف الباب ثم يدخل رأسه عندما يسمع عاطف يتكلم، يدخل بإنكسار لأن عاطف هو الأمل الأخير له، يرى مسدس على المكتب، يقول:


عاطف يتكلم في الموبايل، يشير عليه بالصمت ثم يشير بيده ليجلس أمامه.

يلف عاطف ظهره وهو يضع المسدس بدرج المكتب، يظهر وجه عاطف يمسك بالموبايل ويظهر شريف في العمق حتى يدخل ويجلس أمام عاطف.

يقول عاطف خافضا صوته بسبب دخول شريف:





شريف يحاول أن يسمع كلامه بإهتمام، يبلع ريقه، يومئ بجسده ويديه، يدعك وجهه ورقبته.
يخبط الباب، ينظر عاطف وشريف ناحية الباب، يدخل مساعد عاطف بيده ورق، يقترب من عاطف، يقول لعاطف:



يرد عليه عاطف بجفاء:


يمضي له الورق وبينما يمضي عاطف الورق، يقول شريف لطلعت:

يرد عليه طلعت:


تظهر على وجه شريف ابتسامة آلم يحاول إخفاءها بقوله
يمضي عاطف الورق ويأخذه طلعت , ثم يخرج طلعت وهو يقول:

يرد شريف:

الكادر على وجه شريف، يكمل عاطف:

يستدير عاطف لشريف ويقول وهو يشعل سيجارة بلا اهتمام:

يرد عليه بإنكسار:

يقاطعه عاطف بنفاذ صبر:

ينظر شريف لشئ ما على المكتب ثم يقول:


يصطنع عاطف أنه لم يسمع شيئا فيقول:

ينطلق شريف في الكلام وينتقل إلى الكرسي الذي أمامه ويقول:





يصمت عاطف لثوان ثم يقول له وهو ينظر له في عينيه:

يرد شريف بتسرع

يرد عاطف بتهكم


يصدم شريف من قول عاطف ويتصنم، لا يستطيع قول كلمة واحدة. يبدأ شريف في التحرك ناحية الباب، الكادر يبين شريف وعاطف في الكادر ينظر لظهر شريف بتشفي، يكمل عاطف






المشهد الخامس
ليل \ داخلي
قهوة شعبية



خلاص بقى يا شريف , فكها بقى.. أشرب الشاي. أشرب....بعدين ما كلنا عارفين أنه راجل زبالة.

طب وكان لزمتها ايه يعني قلة القيمة دي يا محمد؟؟ قلت لى اخش له ليه ؟؟ هي كانت ناقصة؟


كنت فاكره بني آدم... (يسكت ثم يكمل) ... متزعلش يا صحبي، وامسحها فيا أنا.


يعني هي جت عليك أنت.. (ينظر للا شئ) ما هي خربانة خربانة.


لأ لأ لأ.. ما أنت برضه بتستهبل يا عم شريف.



باستهبل؟


ااااه بتستهبل.. ما أنت لو كنت طلعت في المجاميع اللي قالك عليها الواد فوزي


فوزى !!!

ااااه.. الريجسير.. كان زمانك دلوقتي بالميت معاك أربعين خمسين جنيه. ولا الحوجة لواحد زي عاطف ده.

مجاميع.. أنت أتجننت.. أنا عشت عمري كله على المسرح ده (يشير بإصبعه) ومش ناوي أعيش لحاجة تانية غيره.. وبعدين أنا دوري في المسرحية دي مكنش صغير.

عارف ... عارف.

عارف إيه ؟.. ولا عارف حاجة.. المسرحية كلها بتتبني على الجملة اللي بأقولها.. تصدق.. أنا بأنسى الدنيا كلها وأنا هناك ( يشير بإصبعه).. على المسرح.. أوعى.. أوعى تجبلي سيرة السينما دي تاني.. أنا ممثل مسرح.. مسرح بس.

هو اللي احنا شغالين فيه ده مسرح

ايوه مسرح







أشرب.. أشرب.. ربك يحلها.

بس أنت انهاردة على المسرح كنت الله أكبر.


وحياة أمك؟؟


أيوه.. ده وأنا واقف في الكالوس سمعت المخرج بيتكلم عن دخلتك.


أصل أنا شفت مسرحية إمبارح خلتني أفكر في الدور واشوفه بعين تانية خالص، ما هو كل يوم بأضيف حركة أو كلمة جديدة تعلي من الدور......
واجهة مسرح تطفئ
لقطة ليد القهوجي تضع صينية بها كوبي شاي بعنف على منضدة، تقع بضع قطرات من الأكواب. يقول محمد:


يقاطعه شريف بضيق:



يتكلم محمد من موقف المخطئ:



يقاطعه شريف متنهدا:



يرد عليه محمد:


يرد شريف بإستغراب:


يكمل محمد:



شريف يقاطعه بإحتقار:


محمد:


ينظر له شريف ثم يقول له:




يرد عليه محمد:

يكمل شريف:





يرد محمد ساخرا

يرد شريف بحدة

يهمد شريف على الكرسي بضيق وقرف لأنه عاد للتفكير فى مشاكله مرة أخرى ويضع رأسه بين يديه

فترة صمت

ينظر له محمد ويريد ان يخرجه من حالته  فيقول :

يصمت محمد قليلا ثم يقول


يلتفت له شريف فرحا:


يرد محمد:



شريف يقول (ينخفض صوت الكلام تدريجيا):




FADE TO BLACK


المشهد السادس
ليل/ داخلي
صالة منزل شريف


يدخل شريف لمنزله، منزل يبدو عليه التواضع، يطل على غرفة أولاده المظلمة، تظهر على وجهه علامات الإطمئنان، يغلق الباب عليهم بهدوء شديد حتى لا يستيقظوا

المشهد السابع
ليل/ داخلي
غرفة نوم أم شريف





أنت جيت يا شريف؟

ايوه يا اما... عاملة ايه دلوقتي؟

الحمد لله يا بني.. (بإبتسامة منكسرة تقول) معلش بقي.. عيالك نزلوا على الأكل زي المساريع... (ترفع حاجبيها وتقول) بس أنا شلتلك منابك (تبدأ في القيام) أقوم أجبهولك.

لأ يا أما.. أنا مش جعان.. الحمد لله.. خلي نايبي للعيال يفطروا بيه الصبح.. أنا هأخش أنام عشان تعبان.

الدوا هيكون عندك بكرة (بنبرة شك وتردد) إن شاء الله يا أما.

إن شاء الله يا بني.. ما تشغلش بالك.. ربنا موجود.

يذهب لغرفة أمه، يفتح الباب ليجدها نائمة، يتجه إلى جوارها، يخرج من جيبه سبعة جنيهات ونصف، يضع ستة جنيهات ونصف بجانبها ويضع جنيه بجيبه. يتجه إلى باب الغرفة ويبدأ في غلق الباب ولكن أمه تسمع صوته، تقول له بصوت مريض:

يرد شريف بحب وحنان:

ترد بضعف وحنان:





يصدها عن القيام برفق ويقول:


يصل لباب غرفتها، يخرج من الباب وهو يمسك بمقبض الباب، يعود لها بوجهه، ويقول بإنكسار:


ترد بضعف.. تفهم بداخلها أنه لا يستطيع جلب المال:


يخرج من غرفتها، تنظر الأم إلى جانبها، فتجد الستة جنيهات ونصف، تظهر على وجهها علامات الإستغراب


المشهد الثامن
ليل \ داخلي
صالة منزل شريف



يفتح الكادر على شريف جالسا على الكنبة التي سينام عليها وقد غير ملابسه، يخرج سيجارة ملتوية ويضعها في فمه ثم يخرج علبة كبريت، يحاول إشعال عود كبريت ولكنه لا يولع ثم يحاول مع عود ثان، فلا يولع ثم يحاول مع عود ثالث، فلا يولع، يضع السيجارة علي منضدة بجانبه وكأن حتى السيجارة والكبريت قد تأمروا عليه.


المشهد التاسع
ليل \ داخلى
كالوس المسرح



فى ممر خارج مكتب عاطف، يخرج عاطف من مكتبه، يغلق الباب بالمفتاح، يقف شريف بعيدا يراقبه وعندما يغادر عاطف، يتحرك شريف بإتجاه باب المكتب، يحاول فتحه بعنف فينجح ثم يدخل للمكتب متسللا.




المشهد العاشر
ليل \ داخلي
مكتب عاطف



بداخل الغرفة يتجه شريف لدرج مكتب عاطف، يحاول فتحه بعنف فينجح، يحسس بيده حتى يعثر على شئ لا نراه، يخرجه بهدوء، فنجد المسدس بيده، يقف لثوان محدقا في المسدس وكأن المسدس هو الخلاص .





المشهد الحادي عشر
ليل \ داخلي
خشبة المسرح


أنا الطبيب ماركوس.. كل يوم أنظر إلى السماء. وأخاطب الله قائلا يا شافي المرضى.. أعدك أن أبذل قصارى جهدي لأعالج عبادك.






لقد وجدت أخيرا العلاج الناجح...

أنا لاقيت أخيرا... العلاج الناجح.





يخرب بيتك.... طيب .... قول الذي عجز عنه الطب.

العلاج اللي عجزت عنه الدنيا... وربنا يغفر لي ويتولى أمي وولادي من بعدي.




شوف ابن الكلب مش عارف يحفظ كلمتين. بأقولك ايه. اخصم له العشرة جنيه يوميته انهارده. وقوله محدش عايز يشوف وشك هنا تاني.


مسكين.. مات.. مات حتى قبل أن يخبرني بالذي حل به.
.
مثل كل يوم .. لقطة لونج للستار أو الجمهور، يصفق الجمهور، يقف الطبيب في وسط المسرح، يحيي الجمهور ثم يقول وهو يتحرك جهة اليسار:



يدخل شريف المسرح مذهولا، يسير بخطى بطيئة ومتثاقلة وكأنه يزحف، يده ترتعش. يقف أمام الطبيب في صمت ويطول الصمت قليلا.
لقطات  متخللة للجمهور يبدي علامات الإستغراب والترقب والرهبة.
ثم ارتفع صوت قطع الصمت.. يقول الملقن ( يمسك بيده ورق به الحوار) من الكالوس يقول:

يبتسم شريف ابتسامة ساخرة، يقول في كلمات بطيئة واثقة وكأنه يبصق في وجه الطبيب:

لقطات متخللة للجمهور وعليه علامات الإستغراب لأن الممثل قال الجملة بالعامية ولأنه لم يؤديها كما يجب (آداء غير متسق مع آداء الطبيب) ثم عاد صوت الملقن يهمس مرة أخرى:

يبتسم شريف ساخرا ويقول ببطء:

ترتعش يده قليلا، يمد يده إلى جيبه ويخرج المسدس يطلقه على جسده، يتأرجح قليلا ثم يسقط على ظهره، نفس السقطة التي يسقطها يوميا.

يقول عاطف الجالس بين الجمهور لمساعده:




يقترب الطبيب من جثة شريف، يتفحصها ثم يقول:

بعد أن يبتعد الطبيب نجد الدم يسيل منه .....


حلم 1

$
0
0



أسبوع شاق، ملئ بأوقات الفراغ والكسل المحبب والثقيل على العقل والمشاعر. غفوت بعد طلوع الشمس بعد عناء طويل مع آلهة الصحو والأرق. في الحلم كنت أبحث عن مفكرتي الصغيرة الحمراء التي أكتب بها مواعيدي وأفكاري. كنت مستاء من فكرة نسيان المفكرة وأنني سأضطر أن أسود واحدة أخرى كاتبا بها مكان تواجد الأولى. أخذت أبحث بكل مكان هداه لي مخيلتي الحالمة إلا أنني لم أعثر عليها. استيقظت على رنين تليفوني المحمول. كانت عمتي تريد أن تعرف أقتلت أم أصبت أم مازلت حيا أرزق. في التلفاز كانت تشاهد بثا مباشرا لاشتباكات عنيفة تلت احتجاجات يقال أنها سلمية وحضارية. انهيت المكالمة بسرعة وبجفاف ندمت عليه بعد ذلك كالعادة. قفزت مادا يدي بجيب بنطالي لأجد مفكرتي بمكانها المعتاد، فتحتها لأجد مسطورا بها "لم يبق في جعبتي غير الحكايا السيئة."

الكبوة

$
0
0



انتظرته يا أمي بسيارتي بالجهة الأخرى من الطريق بحذاء النيل. أعرف تماما ميعاد انصرافه من المبنى المهيب. ينتهي من برنامجه اليومي ثم ينصرف بعدها بدقائق قليلة ليدلف إلى سيارة فخمة تنتظره لتدور وتمر بجانبي متجهة إلى منطقة السفارات. كنت أقف تحت ظل الأشجار بعيدا عن ظل المبنى الذكوري حينما مرت سيارته بجانبي فجأة فأدرت السيارة بسرعة متبعا إياه كنورس يحلق فوق البحر والبر وأسطح المنازل.
عددت حتى رقم مئة مثلما علمتنني وأنا طفل ثم خرجت من السيارة باتجاه منزله. ضغطت على زر الجرس وأنا أتملى ممسحة الأحذية المكتوب عليها كلمة "الأحلام" بالانجليزية. كانت حروف الممسحة والخلفية تجمع كل ألوان الطيف الزاهية.
حينما رأيته وجها لوجه خفت وتوترت أعضائي. رغم أنني شاهدت الكثير من حلقات برنامجه الديني معها وبعد رحيلها إلا أنني لم أره وجها لوجه أبدا. كان يفصلني عنه – فقط - عدة سنتيمترات. وجهه العجوز وزبيبة صلاته التي تبدو كعين ثالثة وتفاحة آدم الضخمة كدرة ملكية جعلتني أعيد التفكير في كل ما أعدت التفكير فيه مئات المرات من قبل. أدخلني غرفة مكتبه الممتلئة كتبا، فطلبت منه كوبا من الماء. كانت تتوسط المكتبة الضخمة لوحة لصحراء ممتدة تتناثر بها بضعة خيام، كلن لون الصحراء يتناقض بشدة مع اللون البني الذي يحيط باللوحة المتمثل في لون المكتبة والكتب المتراصة كطوب حائط بلا نوافذ.
كان المسدس قابعا بجيب سترتي. وقفت واضعا يدي بجيبي ومنتظرا إياه حتى استقبله برصاصة يستحقها. كنت قد فكرت ورتبت للأمر مئات المرات حتى كنت أظن أوقاتا أنني قد حققته بالفعل إلا أنني كنت أعود إلى وعيي لأكتشف أنني قد فعلت كل شيء ما عدا البدء في الأمر نفسه. وجدته أمامي فجأة بينما يدي تمسك بكوب نصف ممتلئ ونصف فارغ بينما شفتاي مبللتان. لم أسمع في البداية ما كان يقوله فظننت أنه يتحدث بلغة الإشارة ثم سمعته وهو يحدثني عن أن بعض الناس يسيئون فهم فتاواه وأنه برئ من المهازل التي يقترفها البعض مدعين أنهم يسيرون على خطى أقواله ثم بدأ يدعو لهم بالهداية. كنت أفكر في زوجتي التي كانت تواظب على الفرجة على حلقاته اليومية. حتى عندما كنا نذهب لزيارتك بالجمع والأعياد كانت تدخل إلى غرفة أخي الأصغر لتشاهد الحلقة ثم تعود بعدها لتحكي لك عما قاله. فجأة وجدت جسده قد انقطعن عنه أسباب الحياة بينما بيدي كتاب تزيد صفحاته على الآلفين. كانت الدماء تسيل بين حفر الغلاف كاتبة "صحيح البخاري." اتكأت على ركبة ونصف كي أتأكد فتأكدت. كانت عيناه دامعتان!
كان عاما مختلفا. بدأ بربيع المحبة مرورا بصيف التشفي فشتاء الذبول حتى خريف اليوم الدامي.


محمد سيد عبد الرحيم


الفائزين بالمسابقة الأدبية المركزية 2012/2013

$
0
0



بالأمس أعلن، سعد عبد الرحمن، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، عن أسماء الفائزين بالمسابقة الأدبية المركزية للعام 2012-2013 دورة حلمى سالم. 

ففى مجال المجموعة القصصية، فقد فاز بالمركز الأول محمد سيد محمد عن عمل "الحبس" محافظة الجيزة قيمة الجائزة 3000 جنيه، وبالمركز الثانى ياسمين إمام أحمد عن عمل "لا عزاء" محافظة الشرقية قيمة الجائزة 2000 جنيه، وبالمركز الثالث محمد متولى محمود عن عمل "التفصيل الممل لفضيحة" محافظة الإسكندرية قيمة الجائزة 1500 جنيه.

وقد فاز بالجائزة التشجيعية كل من محمد حسنى إبراهيم عن عمل "بياع الحواديت" محافظة القاهرة قيمة الجائزة 1000 جنيه، ووائل سعيد محمود عبد العال عن عمل "حكايات عن إساءة الفهم" محافظة القليوبية قيمة الجائزة 1000 جنيه، وأحمد على إبراهيم حمزة عن عمل "بيوت" محافظة المنيا قيمة الجائزة 1000 جنيه.

وقد تم طبع المجموعة القصصية "الحبس" التي فازت بالمركز الأول.



ونس أو نظرة المحبة

$
0
0

أنا نفسي لا أفهم كل هذا الشيء الذي هو أنا.
القديس أوغسطين

ونس
أو نظرة المحبة

لم يبدأ الأمر بالحلم.

* * *



اسمه أحمد عبد الله واسمها خيرية واصف. كانت خيرية تحلم بولد يشبه أباه وزوجها الذي أحبته بالجامعة، كانت تريد له اسما فريدا ومتميزا، اسم يغبطه الجميع عليه، اسم يحلم به الجميع ويبحثون عنه طوال مدة الولادة ولكنهم لا يعثرون عليه، فييأسون ويضطرون لتسمية الوليد بأي اسم كي يستخرجوا له شهادة ميلاد.
ولكن الوليد لم يحضر. حايلاه بكل الطرق، بالجنس وبالحب وبالمداعبة وبالأطباء والتحاليل والأشعة والأدوية والأعشاب وبالدعوات. كانت خيرية تدعو فتقول "يا رحمن يا رحيم يا رازق يا مجيب. اللهم وفق زوجي لما تحبه وترضاه وأعنه على أمور دينه ودنياه. اللهم أرزقنا الولد الصالح يا حي يا قيوم. اللهم أرزقنا الولد الصالح يا ذا الجلال والإكرام....."
كانت تبكي كل يوم وهي تدعو حتى يصل زوجها، فتطفئ أفكارها حتى لا يراها. في بداية الأمر لم يكترث، وهي كانت تدرك عدم اكتراثه هذا، فهو لا يهتم بالأطفال مثل اهتماها. كانت خيرية تدرك ذلك منذ، منذ ما قبل زواجهما، ولكنها تفهمت الأمر - وتفهمته أكثر - حينما كانت تراه يبتسم للأطفال في المركبات العامة ومواقف أخرى لاحظتها وحدها. استمر عدم اكتراثه هذا حتى بعد أن اتضح وبان أن البطن لم يتكور وحتى بعد أن انفردت به أمه وتحدثت معه بصوت واضح كي تسمعها خيرية من خلف الباب الموصد وأخيرا بعد أن كلمه حموه بالهاتف. حينها فقط بدأت المشادات بينهما، ولكنهما لم يعلنا أبدا عن سبب المشادات لبعضهما بعضا. لم تصل أبدا تلك المشادات إلى مشاجرة بينة ومعلنة سوى بذلك اليوم، يوم ان تطلقا. قبلها بثلاثة أيام كانا يحتفيان بعيد زواجهما، أهدى لها زوجا من الأحذية فأهدت له تذكرة سفر لإتمام العمرة ثم صنعت له سد الحنك الذي يحبه وحطت فوق صدره.
وبعد الطلاق بدأت تلاحقه الكوابيس، تحديدا منذ أول ليلة بدأت معه الكوابيس.

* * *



كان بعد في العشرين من عمره يجلس يشاهد الشيخ عطية صقر بالقناة الأولى حيث اتصلت ببرنامجه امرأة ما لتخبره أنها قد ذهبت لتحج ولكنها، ورغم وجودها بداخل الحرم المكي، لم تر الكعبة. فجأة يهب الشيخ الجليل وينتفض مغادرا كرسيه، مهللا وزاعقا "ما الذي فعلتيه؟ ما الذي فعلتيه؟ بالتأكيد قد اقترفت إثما عظيما."ينقطع الإرسال على إعلان بالأبيض والأسود عن عقاقير للخصوبة الجنسية ثم يعود البرنامج وقد جلس الشيخ على طرف كرسي صالون وثير وصوت المرأة يحكي عن إثمها بلا صوت.

* * *



في الطائرة كان يحصي ويتذكر الأدعية التي أوصاه بها المعارف والأصدقاء، أدعية الشفاء والنجاح والستر والهداية والعوض والنجاح والجنة، قليلون من طلبوا الجنة كثيرون من طلبوا الشفاء والنجاح.
في الطائرة تذكر خيرية، كان متأكدا من حبها له تماما كتأكده من حبه لها، ولكنه حاول تفريغ عقله. أقنع نفسه ألا يفكر بأي شيء.. زوجته خيرية.. عمله ببنك مصر.. رسالة الماجستير التي لا تريد أن تنتهي.. الخ الخ. أراد أن يفرغ عقله لشيء واحد فقط وهو العبادة، العبادة والنية الصادقة كي يرى الكعبة. لم يكن مواظبا على الصلاة ولكن منذ عيد زواجه الأخير بدأ يصلي بانتظام ومع حلول الأحلام/ الكوابيس انتظم أكثر حتى الانضباط. تذكر أنه لم يدعو الله منذ دعاء ركوب الطائرة. فبدأ يدعوه وهو ينظر إلى الأزرق المظلم الذي يحيط الطائرة كالسائل الأمنيوسي.

* * *



يلبس إزارا أسودا يحتوي جسده الممتلئ. يقف فوق الكعبة مع امرأة شمطاء تخيره بين ثلاثة أكواب من اللبن. يحتار أيهما يختار إذا كانوا متشابهين في الفساد والعطن. تشير بيدها فيطير لينزل ويطوف عكس الطائفين، يزعقون به ويضربونه ضربا مسيئا، فيقع بحفيرة تلتئم بالسواد الغليظ، فيفيق على صوت آذان المغرب ليجد أن أرض المسجد قد امتلأت بالأطباق والأكواب كأمواج بحر لا شاطئ له.

* * *



لم تفكر أبدا في العمل، ولكن بعد الطلاق ببضعة أيام، زهقت فأقنعت نفسها أن أحمد هو سبب عدم عملها، فبدأت في البحث عن عمل. ولكنها كانت قد فقدت كل شيء درسته بالكلية وفوق ذلك هي لا تريد ولن تستطيع أن تثير صاحب العمل كي يستخدمها. لقد تركت التمثيل الذي كانت تعشقه أو تركها التمثيل بعد أن ارتدت الحجاب فما بالك بعمل قد يجبرها على أشياء أخرى غير بينة العواقب. ولذا فشلت في الحصول على عمل أو بالأحرى لم تحاول فعليا العثور على عمل. انخرطت في الصلاة بالمسجد البعيد ثم حفظ القرآن وتجويده. ثم بدأت تزهق من كل ذلك فبدأت بمشاهدة أحد المسلسلات التركية الذي دغدغ مشاعرها حتى أنها كانت تشاهد إعادة الحلقات فتحولت بذلك إلى بنيلوبي عصرية. بعدها بدأت في اكتشاف مسلسلات تركية أخرى حتى أصبح برنامج يومها لبه متابعة المسلسلات التركية ويتخلله أنشطة حياتية أخرى جد قليلة... إلا إن يدها كانت بكل يوم تتلمس بطنها مئات المرات كنعامة تحاول أن تدفن رأسها بأرض صخرية.

* * *



نفس السواد الذي رآه بالحلم/ الكابوس السابق، سواد مهيب وقاتم ومخيف، سواد لا تعرف هل هو ممتد أم منتهي، سواد لا تعرف من جراءه الخطوة التالية أو اللمسة القادمة. سواد الكعبة. فهم ولم يرى أنه محبوس بداخل الكعبة، وعندما أدرك ذلك، بدأ الهواء ينحسر عنه فأنخرط في الاختناق.

* * *



كان أحمد يعد الأيام حتى يعود إلى القاهرة، كانت مكة حارة ورطبة ومشمسة ومكتظة بالعباد والأصوات، وكأنه بالشمس وكأنه بميدان رمسيس. أوقاتا كان ينسى أحلامه ولكن عندما يتذكرها كان يبكي. يذكر عندما دخلت الحافلة مكة، رأي الأسوار التي تحيط بالكعبة فبكى، بكى لأنه خاف ألا يرى الكعبة. ولكن عندما دخل الحرم رأها، رأى الارتفاع المهيب والسواد القاسي رغم نعومة الكسوة. فأسرع بالمناسك كي يتقي قسوة الحرارة والظلام.
وبعد بضعة أيام سافر إلى المدينة المنورة، كانت الصحراء والجبال تحيط بالحافلة كالنار تحيط بالجنة التي تتسع فقط لخمسين فردا.
كان أول المجموعة هرولة إلى المسجد، صلى العصر ثم جلس متربعا ليقرأ جزءا من القرآن، وحينما وصل إلى آية "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين"شعر بالوخم والرغبة في النوم. وضع الكتاب بجانبه وتمدد على النجيلة المستوية كقط كسول يستمتع بسطوع الثريا السباعية الضخمة.

* * *



حلم أنه بداخل الكعبة هو وابنه الجميل ذا العينان المكحلتانالذي يشبه لوحة الطفل الباكي المعلقة بغرفة الصالون ببيت جده بدرب سعادة. كانا – هو وابنه - ينظفان جدران الكعبة من الداخل. كانت جدران الكعبة شفافة مما جعله يرى الطائفين الذين كانوا يرفعون أيديهم له ولابنه بالتحية العسكرية.

* * *



وصلت خيرية إلى أن علاقتها بأحمد كعلاقة الثمرة بالشجرة، تنبت بكنفها متصلة بها حتى تكبر وتنضج لتصبح أكثر ثقلا فلا تستطيع الشجرة أن تحملها فتسقط وبذلك تقطع علاقتها بها. رأت أن وقت الانقطاع والاستقلال قد حان بدون أن تعي أو تقصد ذلك. وبما أنه لم يأت شخص ليقطفها، قررت أن تنتظر من يأتي ليلتقطها فتتعلق به وترعاه إلا أنه وفي أعماق أعماق ذاتها كانت تخشى أشد الخشية ألا تجد أحدا يلتقها ويأتنس بها، فتبقى ساقطة على الطريق حتى تذبل وتفقد ما بقى من بريقها فيعافها المارة.

* * *



بإحدى المرات رأت خيرية طفلا يقف بمواجهة سورا، يضع جبهته على السور بينما يسند جسده المائل كعقارب الثامنة والنصف على كفيه الصغيرين. كان يستمع إلى أطفال أُخر ينشدون أغنية وطنية خلف السور. التفت بوجهه قليلا فرآها. حرك جسمه ليواجهها. كان أطفال المدرسة قد أنهوا النشيد وبدأوا جلبة الصعود إلى الفصول. ورغم إحساسها بالتعاطف إلا أنها قد خافت من هيئته الرثة ونظرته المريبة. بعدها بعدة أيام وجدته يعمل بورشة "البرومة لتصليح التوك توك."كان الأسطى يوبخه لسبب لم تفهمه وقد شعرت أنها ليست الوحيدة التي لم تفهم السبب. التقت عيناها بعيناه وهي بطريقها. وبعد عدة خطوات وجدته يجري بجانبها وهو ينظر لها بجانب عينه بنفس النظرة المريبة السابقة إلا أن نظرته هذه المرة قد تخللها ابتسامة ما. سبقها حتى غاب بشارع يوصل للشارع الرئيسي. فضولها اتفق مع مقصدها فدلفت بنفس الشارع لتجده مستندا على نفس سور المدرسة بينما الأطفال يلهون. كان هذا توقيت فسحتهم اليومية.
لماذا هذا الطفل دونا عن غيره. لا تعرف. لماذا لم تنجذب لأطفال العائلة الكثر أو أطفال الجيران أو حتى أطفال زوجة البواب. لا تعرف. شيء ما قد جذبها له. شيء يتعلق أكثر بتواجده واستناده اليومي لهذا السور المدرسي الذي يفصل بين عالمين منفصلين متصلين متماسين. عالم الرضة وعالم الفينو.
وبينما كانت تفكر في الأمر أكثر فأكثر حتى تصل إلى تبرير يرضيها ويقصيها عن التعلق بالطفل، رن هاتفها النقال بنشيد ديني، أخرجته بحرص لتجد اسم أحمد محفورا على شاشته.

* * *



بليلة خانقة ورطبة، حلمت أنها تسير باتجاه جبل أسود ذو هيبة وسطوة. كانت تسير تجر ساقيها برمال حارقة. حاولت الابتعاد عن حرقة الشمس إلا أن الشمس كانت تحيط بها كإحاطة الدائرة بمركزها. وجدت نفسها فوق جبل ثم وجدت أمامها جبلا آخر، ظنت أنها انتقلت من جبل إلى جبل. دفعها نساء متشحات بالسواد فوقعت من فوق الجبل الشاهق الارتفاع لتنحصر بين قوسين صخريين. كان طرفا رأسها وقدميها يلامسا الجبلين. وكانت النساء اللاتي تشبه وجوههم وجوه الكلاب يعتلين الجبلين وهن يحملن جوارف يهيلون بها الرمال عليها ليدفنوننها، إلا أنها وجدت أن جسدها يتخشب بسرعة، فعرفت أنهم يصبون عليها أسمنتا يتماسك قوامه بسرعة ليئدها.
رأت نفسها من السماء مدفونة لا يبين منها شيئا. استيقظت مرتعشة والعرق يسيل من منابت شعرها ورقبتها ليجري بين ثدييها. وصل إلى سمعها عبد الوهاب وهو يغني بصوت روتيني ممدود "يا مسافر وحدك،"بينما صوت جارتها يوبخ أحد ابناءها قائلة "كتها نيلة اللي عايزة الخلف."

* * *



فكر كثيرا في إلغاء الرحلة. قبل أن يقرر أن يطلقها بعدة أيام، كانت قد أهدت له بعيد زواجهما تذكرة سفر للقيام بالعمرة، اردفت قائلة له "ادعلنا يأخد بايدنا وننول اللي عايزينه."كالعادة لم يعقب ولم يقل أنه لا يريد أطفالا وأنه ليس مهتما بهذا الأمر مثلما تبدي هي اهتماما عظيما. كان يعرف أنها تعرف مشاعره وأفكاره تجاه هذا الأمر إلا أنه يعرف أيضا أن الأمر قد أصبح هاجسا (كان أحمد يطلق عليه "هاجس الخلفة") بالنسبة لها كطفلة تحاول لسنوات أن تصل إلى الرف العلوي لمكتبة أبيها.
بعد طلاقهما، فكر في اهداء العمرة إلى أبيه إلا أن أبيه لم يوافق. كان أبيه قد قام بالحج هو وامرأته منذ سنوات طويلة قبل وفاتها، إلا أنه كان مشتاقا للقيام برحلة عمرة ورغم ذلك التوق فضل أن يقوم بها أحمد عل الله يستجيب له ولامرأته فيعطيه الحفيد المنتظر.
في البداية قابل الأب الأمر باستخفاف (هدية العمرة من خيرية)، كانت فكرة غريبة تميل إلى عدم الصواب برأيه، فابنه، الذي لم يكن يصلي الفرض، ليس مؤهلا للقيام بالعمرة، لكن وبعد ذلك شعر أن قيام أحمد بالعمرة قد يؤدي به إلى الالتزام الديني. فكر أن خيرية امرأة صالحة وجدعة وأن الله قد وفق أحمد حينما اختار له هذه الزوجة. وبينما كان يفكر في كل هذا، وجد ابنه يدخل عليه وهو يقول ببساطة مدهشة أنه قد طلق امرأته.

* * *



شارع المدرسة الواسع، يخرج الأطفال من باب المدرسة فيصيح الجرس، يتجهون باتجاهها، جحافل منهم باتجاهها، يكتظ بهم الشارع الذي يضيق رويدا رويدا، تبطئ من سرعة خطوها مندهشة ومتحفزة وغافلة عن الطريقة المتبعة في مثل هذه المواقف، تلتمع أعين الأطفال بسبب الشمس التي لم تحاول معرفة مكانها بسبب انصرافها الكامل إلى الأطفال الذين يقتربون أكثر فأكثر منها وهم يخبطون بأرجلهم على أسفلت الشارع ورصيفه، ترى بعضهم وقد بدأوا في السير على حوائط البنايات متجهين إليها بينما البعض الآخر يطير متجهين إليها، دققت النظر لتجدهم يمتطون ما يشبه "الاسكوتر."
يضيق الشارع أكثر حتى يقف الأطفال صفا واحد متجهين إليها. فكرت هل هي هدفهم أم شيء ما وراءها هو هدف سعيهم الذي بدأ يتحول إلى جري. بالتأكيد لم تجرؤ على الالتفاف لترى ما يمكن أن يكون وراءها. كان طفل المقدمة يشبه كثيرا صبي الميكانيكي الذي رأته مستندا على سور "مدرسة الجزائر الإبتدائية"إلا أنها لم تستطع التأمل أو التأكد من وجهه بسبب صدره الذي كان مشقوقا ومنيرا حتى يكاد يعمي بصرها.
تراجعت ببطء بسبب ثقل بطنها ثم أسرعت أكثر ثم وجدت نفسها فجأة وقد انقلبت - رغم ثباتها – رأسا على عقب وكأن ما خلفها من شارع قد انتهى. كانت تقف على الأرض رغم أنها تقف مخالفة للأطفال الذين كانت تراهم عبر الأرض الشفافة. كانت قدميها تقفان فوق – أو تحت - أقدامهم لا يفصلها عنهم شيئا واضحا بينما رأسها في السماء رغم أنها كانت ترى سماء أخرى فوق رؤوس الأطفال. تحير الأطفال من الأمر لثوان إلا أنهم بدأوا في تقليدها عبر تخطي هوة النهاية والتشعلق والمشي على السقف أو بالأحرى ظهر الأرض إلا أنهم كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر بلا اتعاظ وبلا روية وبلا غاية.

* * *



كان قلبه منقبضا منذ أن ايقظته قائلة له "متهيألي خلاص."ابتسم بوجهها وعندما وجدها متجهمة ومتألمة، أخفى ابتسامته بسرعة تحت قناع من الجدية. ساعدها في تحضير حقيبتها وارتداء ملابسها. كان منتبها أشد الاهتمام إلى أهمية إحضار ملابس للوليد كان قد اشتراها منذ عدة أسابيع. استقلا السيارة ذاهبين إلى المستشفى. ورغم أن الوقت كان بالصباح الباكر إلا أنه كانت توجد حالتان ولادة أخريتان. خرج له الطبيب قائلا أن الأمر يحتاج لعملية. سأله عن مدى خطورتها. فأخبره أنه يقوم بها يوميا وأن نساء اليوم لا يتحملن الولادة الطبيعية لأسباب عدة. كان أحمد يعرف تماما أن خيرية من هؤلاء النسوة اللاتي لن يتحملن آلام الولادة الطبيعية. فضعف جسدها وآلام الرأس والبطن التي تنتابها باستمرار وبلا أسباب منطقية وبينة ناهيك عن عدم قدرتها على القيام بمجهود زائد عن المعتاد، كل تلك الحجج الصريحة كان يدركها جيدا ويعي ما يمكن أن يترتب عليها. بدأ يعدد لنفسه النساء اللاتي يعرفهن وقد قمن بالولادة عبر القيصرية. لم يستطع أن يستحضر أكثر من ثلاث نساء يعرفهن. أحلام ابنه خالته التي تصغره بعشرة سنوات تقريبا والتي تزوجت وهي ابنة سبعة عشر عاما، آمال زوجة ابن خالة زوجته التي لم يراها سوى مرتين منذ زواجه بخيرية، وأمه حينما كانت تقوم بوضعه هو نفسه.

* * *



الوليد مغمور في السائل الرحمي، يتأمل ككاهن هندي الظلام والصمت. أوقاتا يدنس خلوته صوت أو حركة مفاجأة فينتفض أو يرتجف. يشعر الوليد بنموه، فكلما نما ضاقت به الحوائط المحيطة به. يحاول أن يتذكر العدم الذي كان به، ولكن العدم يأبى عليه، يحتجب خلف ستائر حمراء. هو يدرك العدم ولكنه لا يدرك ما حل به بعده. يظن أنها فترة ملحقة به. ولكنه يريد أن يعود إلى العدم، فالعدم أكثر راحة وأكثر سكونا وأكثر قربا إليه.

* * *



بخلاف زوجها الذي عرف قدرها بسبب البعد، كانت خيرية تعرف قدره بسبب الملاصقة.
بفترات الحمل الوخيمة، كانت كثيرا ما تستيقظ من نومها لتفرغ ما ببطنها أو بسبب رائحة ما أو بسبب صوت خارجي أو بسبب حركة الوليد أو حركة أحمد نفسه. في البداية كانت تقضي الوقت، حتى يصيبها النوم مرة أخرى، في تأمل الظلام وتأمل حركة أحمد المستمرة. لكن وبعد تواصل الأرق اليومي، أمست عادتها السرية والأثيرة هي الفرجة على أحمد وتأمله. كانت تراه بعين الأرق والمحبة لا عين النظر والصحو.
كان أحمد يبدو أكثر قربا لها رغم أنه لا يعي سوى أحلامه. أثناء نومه، كان احساسها به يمسي أكثر نضجا واكتمالا؛ يتخطى المصالح والمخاوف والخيالات، يتخطى حتى إرادتها، فتندمج بإرادته اللاواعية. ورغم حبها لأحمد إلا إن اهتمامها به ازداد بسبب عاداتها الليلية. شعرت أن اهتمامها السابق كان أقرب للامبالاة أكثر من كونه اهتماما صادقا وطبيعيا وفطريا. كان اهتماما من القلب للقلب أو بالأحرى من الروح للروح. وبالتدريج أصبح اهتمامها وتعاملها الصباحي منساقا لاهتمامها الليلي. بدأت تنظر له نظرة مختلفة، تصغي له بوعي أكثر، تتفحصه وتتفحص تفاصيله ودقائقه وذاته. بدأت تستفهم جسده وروحه. كل ذلك بدون أن يلاحظ أحمد أو يعي تغيراتها وهو – ويا للدهشة – ما لم يزعجها أو يكدر من رؤيتها الجديدة الصافية التي تخلصت فيها من حدود الرؤية المحافظة؛ فلم تبدي اعتراضا على ثباته وقالت لنفسها "وكفى الله المؤمنين شر القتال."العجيب حقا هو أنها كانت تتفهم ذلك، تتفهم أنه ما زال ينظر لها بنظرة الصحو، وهي نفس ذات النظرة التي تخطتها لتصل إلى نظرتها الجديدة، نظرة الأرق، نظرة الانتباه، نظرة المحبة مثلما أطلقت بعد ذلك على حالتها تلك.
لكن دهشتها كانت تكمن في ما لاحظته على أحمد. كانت تكتشفه وكأنها لم تكن تعرفه منذ ما يزيد على ثمان سنوات. فلم تعد تراه بنفس المميزات ونفس العيوب التي طالما اشتكت منها لنفسها. كانت المميزات تتحول أحيانا إلى عيوب والعكس بالعكس. بل كانت ترى أن تنوع عيوب أحمد ليس أقل جذبا لها من تعود مميزاته. باختصار أدركت أنه ليس سطحيا مثلما كانت متيقنة مؤخرا وأنه معقد جدا وأنه متباين القسوة والحساسية وهذا ما زاد شغفها واستمتاعها به. أدركت أنه متقلب وغير متوقع وأن بداخله تيارات مائية مختلفة ومتباينة يصعب بل يستحيل التنبوء باتجاهها وقوتها وتوقيتها تماما كتقلبات جسدها وروحها أثناء فترة الحمل ولذا قررت أن تنسى الماضي وتتجاهل المستقبل وتركز على الحاضر الذي يجمعها بأحمد والوليد.

* * *

.هذا الصندوق يستحق فرصة أخرى ليحتوي زوجا آخر من الأحذية.
.يرجى إعادة تدوير الصندوق.
.صنع في الصين.

* * *



هل كان يحتاج إليها بالفعل أم أنه بقادر على الاستغناء عنها؟
بالأسابيع القليلة التي تلت طلاقهما والتي كان فيها بالقاهرة، لم يشعر باحتياج شديد إليها وحتى وهو بمكة لم يشتاق إليها كاشتياقه الذي بزغ له وامتلكه وهو بالمدينة المنورة. بهذه المدينة بدأ يشعر بهذا الشعور الظالم والقاسي وهو أنه قد تخلى عن أفضل شيء قد ناله/ تملكه بحياته.
في الغياب المضاعف عبر الزمن، زاد الاشتياق. ومثل تأثير كرة الثلج المتدرجة استوحشت الذكرى بعد عدة أيام فأصبحت أفضل وأحسن انشاء. كان يتذكر مواقف عدة لها. كان يتذكر لمحاتها وردود أفعالها تجاهه. وبرغم أن فترة الجامعة التي قضياها معا كانت قصيرة بالنسبة لفترة ما بعد الجامعة إلا أنه كثيرا ما كان يتذكر أحداثا ومواقف من تلك الفترة حينما كانت أكثر حيوية وطموحا كملكة الخلية (كانت خيرية بفرقة التمثيل حيث تسلمت تحت القبة الجامعية جائزة أحسن ممثلة لثلاث أعوام متتالية.) ربما، أقول ربما، يكون بيت السبب هو طزاجة العلاقة وقتها وبعدها عن المشاكل التي جرت وازدادت وترسخت عبر مرور الوقت حتى أدت إلى طلاقهما وفراقهما.
كان كل شيء يخص خيرية يبهره بهذه الفترة. ولكن ذاب هذا الانبهار مع القرب والتمحيص والتشكك. ولكن، ومن ناحية أخرى أكثر اشراقا وتفائلا، كان هذا الفراق هو حجر الزاوية الذي أدى به إلى تذكر هذه المواقف والمشاهد التي اغتبط بها قلبه وملأت روحه بالبهجة وسمت به فوق تطلعات رفقاء السفر المحدودة رغم ادعاءاتهم المبتذلة برحابتها.

* * *



حاول الخروج من المستشفى كي يشرب سيجارة إلا أنه وجد أن السماء تمطر. وقف خارج البناء مستظلا ومحتميا ببناء المستشفى الضخم. كانت بعض قطرات الماء التي تسيل على جسد المبنى تسيل على السقف الذي كان يقف تحته. كانت بعض القطرات تسقط بعد سنتيمتر واحد وبعضها يستمر في السيلان لأكثر من متر. فكر أن مدى خشونة أو نعومة الطلاء هي التي تحدد متى ستسقط قطرة الماء على الأرض ولكنه لاحظ أيضا أن الأمر يتعلق بالصدفة بشكل كبير. حيث أن خط سير قطرات الماء وتلاقيها يحدد سقوطها من عدمه. فكلما اجتمعت القطرات كلما زادت نسبة احتمالية وقوعها وكلما استمرت القطرة في السيلان وحيدة كلما قلت نسبة وقوعها على الأرض التي أصبحت موحلة من جراء التقاء التراب بالماء.

* * *

انتهى الأمر بالعدم.


محمد سيد عبد الرحيم

في صحتك - اسحاق عظيموف

$
0
0

ترجمة محمد سيد عبد الرحيم



عطست.
أبتعد عنى جورج وهو يسألني "هل أصابتك الأنفلونزا ثانية؟"
تمخضت ولكني لم أشعر بأي تحسن، خرج صوتي مكتوما بسبب المنديل الذي يغطى أنفى وفمي، أجبته قائلا "ليست الأنفلونزا ولكنه التهاب في الجيوب الأنفية."
نظرت إلى بقايا فنجال القهوة سيئة الطعم ثم قلت له "أنها المرة الرابعة هذا العام التي تظهر على فيها أعراض التهاب الجيوب الأنفية. كل مرة أفقد حاستي الشم والتذوق لمدة تطول أو تقصر. اليوم مثلا، لا أستطيع تذوق أي شيء. لا أستطيع أن أميز إذا كان العشاء الذي تناولناه منذ قليل جيد الطبخ أم أنه مجرد ورق مقوى."
قال جورج "هل سأخفف عنك إذا أخبرتك إن الطعام كان ممتازا؟"
قلت بنبرة شك "ربما."
قال "بالنسبة لي، فهذه الأمراض لا تصيبني، فأنا أتمسك بحياة نظيفة وضمير صاف."
رددت عليه قائلا "شكرا، شكرا لتعاطفك معي، ولكن أعتقد أن الأمراض لا تصيبك لأن أي من هذه الكائنات الدقيقة التي تحمل احتراما لذاتها لا تحبذ أن تعيش في منديلك العفن هذا."
قال جورج، وقد شمخ بأنفه قليلا "أيها الرفيق القديم، لن أعتبر ملاحظتك القاسية تلك كإهانة، لأني أدرك جيدا أن هذه الأمراض تعكر المزاج وتجعلك تقول كلمات إذا كنت بكامل قواك العقلية – إذا افترضنا إنك كنت بكامل قواك العقلية يوما ما – فلن تقول أبدا ما قلته الآن. أتدرى، هذا يذكرني بصديقي المقرب مانفريد دانكيل عندما تنافس مع صديقه المقرب أبسلوم جلب على نيل يوتيرب ويث الجميلة."
قلت له بقرف "اللعنة على صديقك المقرب مانفريد دانكيل وأيضا صديقه المقرب أبسلوم جلب وكنزهم المشترك يوتيرب ويث."
قال جورج "من يتحدث الآن التهاب الجيوب الأنفية وليس لسانك."
"ألتحق مانفريد وأبسلوم جلب بمعهد نيويورك للبصريات وسرعان ما نشأت صداقة بينهما. فلقد كان من المستحيل لشابين انغمسوا في أسرار حرفة صناعة العدسات الطبية وعلوم انكسار الضوء وعلاج الحالات الخطيرة للرمد كقصر النظر وشيخوخة النظر وطول النظر، لا يمكن لهما أن يجلسوا على نفس منضدة الدرس كل يوم بدون أن يشعرا أنهما قد أصبحا أخوة. درسا مع بعضهما البعض اختبارات النظر، صمما اختبارات جديدة لهؤلاء الذين لا يعرفون الحروف السيريلية (1)أو اليونانية، اختارا أيدوجرامات (2) للشرقيين، وناقشا المميزات والعيوب التي تنجم عن النبرات المتباينة في اللغات المختلفة كنبرة الإطالة (3) والنبرة الحادة (4) والسديلة (5) للمرضى الفرنسيين، والأمليت (6) للمرضى الألمان، والتلدة (7) للمرضى الأسبان... الخ. قال لي أبسلوم يوما بانفعال شديد إن غياب هذه النبرات من الاختبارات يعتبر عنصرية فجة تؤدى إلى معالجة غير تامة لعيون هؤلاء غير المنتسبين للعرق الأنجلوسكسونى (8) الخالص.
في الواقع، ملأ هذا النضال الهوميرى (9) عواميد جريدة "النظر"الأمريكية لسنوات عدة. ربما تذكر مقالا كتبه هؤلاء الأصدقاء يسقطون فيه القائمة القديمة، كان عنوانه "يا عين! اخرقي هذه الراية الخربة".
وقف مانفريد وأبسلوم بجانب بعضهما بعضا مقابل القوة المحافظة المسيطرة على المهنة ورغم فشلهم في إظهار وفرض وجهة نظرهم على الساحة المهنية إلا أن ذلك السجال كان كفيلا لجعلهما أكثر قربا لبعضهما بعضا.
أنشئا شركة دنكل وجلب بعد تخرجهما من المعهد، وقد قاما بقرعة كي يعرفا أي اسم سيتصدر اسم الشركة وأيهم سيكون التالي.
نجحا في مهنتهما إلى حد كبير. فرغم أن دنكل أكثر إتقانا من جلب في شحذ العدسات، إلا أن جلب كان لديه موهبة عظيمة في تصميم العدسات بشكل جمالي متماشيا مع الموضة. على العموم كانا جيدين في كل شيء يخص مهنتهما. وأيضا كانا يعملان بمقولة "العين بالعين والسن بالسن".
لم أندهش عندما عرفت أنهما وقعا في حب نفس المرأة. دخلت عليهم يوتيرب ويث لتشترى عدسات لاصقة جديدة. و بمجرد أن وقعت أعينهما عليها - لا أستطيع أن أقول أنها كانت نظرات غرامية بسبب طريقتهما المهنية الجادة في فحص بصرياتها الرائعة -، أيقنا أنهما قد صادفا الكمال.
لم أفهم لماذا رأوا فيها هذا الكمال بسبب عدم تخصصي بعلم البصريات ، ولكن كل منهما عبر لي بإفراط عن إعجابه– منفصلين بالتأكيد – وتكلما بإسهاب عن إحداثياتها البصرية والديوبتر الخاص بعينيها.
ولأني أعرف كل منهما منذ أن كانا صغيرين يلبسا أول نظارة طبية لهما؛ مانفريد كان حسيرا (10) بينما أبسلوم كان أطمسا (11) وكلاهما كان لديه لا إستجمية (12) فقد تخوفت من النتائج المترتبة على ظهور هذا الكمال بحياتهما.
قلت لنفسي واحسرتاه، بالتأكيد ستنفك روابط هذه الصداقة الجميلة، فبعد أن نضجا وأصبحا رجالا أشداء، سوف يتنافسان على يوتيرب التي قال عنها مانفريد ويده تلامس قلبه "قلبي يهتز كلما نظرت إلى عيناها الموجعتين"وقال عنها أبسلوم ويده ممدودة إلى السماء "عيناي تلاحق يوتيرب حيثما تكون."
لكني كنت مخطئا، فحتى بعد أن أحبا يوتيرب الفاتنة، لم يهدم هذا صداقتهما الجميلة، بل كانا كقرب زوج من الأعين.
كان عرفا بينهما أن يخرج مانفريد كل ثلاثاء وجمعة من كل أسبوع مع يوتيرب في موعد غرامي، بينما يخرج أبسلوم كل اثنين وخميس من كل أسبوع مع يوتيرب في موعد غرامي، أما في العطلات الأسبوعية فيعملان معا. أخذا الفتاة إلى المتاحف، الأوبرات، جلسات قراءة الشعر، وأكل الوجبات الخفيفة ببعض المطاعم القريبة.
كانت الحياة تسبب دوارا بسبب المتعة الناجمة عنها. ربما ستسألني  وماذا عن يوم الأربعاء؟ سأجيبك أن يوتيرب كانت حرة في مواعدة أشخاص آخرين بيوم الأربعاء. وهذا إنما يدل على لياقة الأصدقاء – مانفريد وأبسلوم – في أرقى وأنقى صورها. كان مانفريد يحمل عواطف صادقة ليوتيرب وكذلك كان أبسلوم، كانا يريدان ليوتيرب أن تختار بمحض إرادتها حتى لو أخذ مكانهما شخص آخر غير مهتم بالبصريات يتأمل عيناها، يتنهد لها، ويتقرب إليها بالأكاذيب.
ماذا تعنى؟ أتسأل عن من يقبلها الآن؟ لماذا تعطى نتائج بلا مقدمات، حينما أحاول أن أقدم لك بيانا بالأحداث المرتبطة بشكل منطقي؟ كل شيء قد سار بشكل جيد لمدة من الوقت. لم يمر أسبوعا بدون أن يلعب مانفريد مع الفتاة لعبة ما، بينما أبسلوم يعزف لها ألحانا مليئة بالحيوية على آلة مغطاة بنسيج رقيق، كان ذلك في فصل القاوند (13) أو على الأقل أظن ذلك.
بعدها جاءني مانفريد زائرا. ومن النظر إلى وجهه خيل إلى أنني قد فهمت ما حدث له. قلت له "لا تقل لي يا صديقي أن يوتيرب قد قررت أخيرا أنها تفضل أبسلوم عليك؟" (كنت محايدا بينهما في هذا الشأن، وكنت مستعدا يا صديقي أن ألبس ثوب الحداد إذا كانت الإجابة بالإيجاب)، رد مانفريد قائلا "لا، لن أخبرك بذلك، ليس بعد، ولكنه سيحدث أجلا أو عاجلا يا عم جورج. فلقد أصبحت معاقا، عيناي قد أحمرتا وتورمتا ويوتيرب بالتأكيد لن تحترم أبدا شخصا يعمل بالبصريات قد تدنى بصره عن الطبيعي."
"هل كنت تبكى؟"
رد مانفريد بفخر "أبدا. البصريون رجال أشداء لا يبكون أبدا. أنا فقط كنت أحاول أن أتنشق كي أمنع المخاط من السيلان. أنها الأنفلونزا، هل فهمتني؟"
سألته مشفقا "هل يصيبك مرض الأنفلونزا كثيرا؟".
"مؤخرا، نعم"
"وهل يصيب مرض الأنفلونزا أبسلوم؟"
أجاب مانفريد "نعم، لكن ليس بكثرة مثلما يحدث لى. فهو لا يعالج الأنفلونزا ولكني دائما ما أعالجها، لكن وماذا بعد؟ فلديه مناعة ضعيفة ولكنه أيضا يملك عينين صافيتين ورائقتين. الأنين المستمر، العجز الدائم من أجل الانتصاب، كل هذا لا يهم. لكن عندما تنظر يوتيرب لعيناي فترى الحمرة منتشرة بشرايين الدم والملتحمة (14) حينها سيولد بداخلها بالتأكيد إحساسا بالاشمئزاز."
"لكن هل حدث ذلك بالفعل؟ فمهما جرى؛ فهي آنسة رقيقة ذات عينين متجانستين وساحرتين."
قال مانفريد بشجن "لم أجعلها تشعر بذلك، فمنذ أن أصبت بالأنفلونزا لم أقابلها. وقد أدى هذا بالتأكيد إلى جعل أبسلوم يراها أكثر منى بكثير. أبسلوم طويل ورشيق الجسد وشاب صغير ولا توجد فتاة ما سمعت صوته المثير ولم تتحرك مشاعرها تجاهه. أظن أن فرصتي قد ضاعت."
دفن وجهه بين يديه عندما انتهى من قوله، فلقد كان مهتما أشد الاهتمام ألا يسبب أي ضرر لعينيه بالضغط عليهما. ولقد أثارت مشاعره مشاعري. فقلت له "أستطيع أن أنولك مناعة ضد الأنفلونزا طوال حياتك يا ولدى."
نظر إلى وكله أمل "هل لديك علاج أم طريقة للوقاية؟ لكن –"اختفى البريق الخاطف بعينيه المحمرتين تاركا خلفه عينيه المحمرتين "كل العلوم الطبيعية تقف مهزومة أمام حالات الأنفلونزا."
"ليس بالضرورة، ولكني أستطيع معالجتك يا ولدى، بل أستطيع أن أجعل أبسلوم يبتلى بالأنفلونزا طوال حياته."
قلت تلك الجملة فقط كاختبار له، فأنت تعرف يا صديقي حسي الأخلاقي الصارم. وأنا فخور أن أخبرك أن مانفريد قد تخطى اختباري هذا كأي بصري محترم.
رد بصوت مدو "أبدا، أنا أريد فقط أن أتحرر من هذا الكابوس، فقط أريدها منافسة عادلة، أريد أن أقابل خصمي بأرض محايدة. أنا أستنكف أن أحل محله بسبب عيب به. فأجلا أو عاجلا سأخسر يوتيرب المقدسة إذ ما فعلت ذلك."
قلت وأنا أخبط بيدي على ظهره ثم ملوحا إياها مودعا "سوف تحصل على ما تريد."
عزازل – بالتأكيد قد أخبرتك من قبل عن الكائن غير الأرضي الذي يبلغ طوله سنتيمترين فقط، هو الشخص الذي أستدعيه من الفضاء الفسيح والعميق والذي سوف يلبى طلباتي حينما استدعيته. هل أخبرتك عنه من قبل؟ - ماذا تعنى بقولك أنه علي أن أقول الصدق. عار عليك وعلى الشيطان. فأنا أقول الصدق بالفعل، تبا لك.
على أية حال، كان عزازل واقفا على حافة المائدة، كان ذيله الرفيع كخط هندسي يرتعش وقرونه الصغيرة غير مكتملة النمو تتوهج بلون أزرق باهت بسبب مجهود التفكير الذي يفعله. قال "أنت تطلب الصحة، أنت تطلب الطبيعي. أنت تطلب حالة من الاتزان."
قلت محاولا أن أخبئ نفاذ صبري "أنا أعرف ما أطلبه يا سيد الكون وصاحب القدرة، أنا أطلب أن يتجنب صديقي مرض الأنفلونزا. وأنت قد درسته عندما رأيته."
"هل هذا كل ما تريده؟ أن يتجنب هذا المرض الكريه وتوابعه كالزكام والقذارة والبلغم الذي ابتليتم به يا أنصاف البهائم الذين تعيشون على كوكب أكلى الدود هذا؟ هل تظن أنك تستطيع أن تضئ زاوية واحدة من الغرفة دون أن تضئ الغرفة كلها؟ أريدك أن تفهم أن توازن الأخلاط (15) الأربعة في الشخص الذي جعلتني أراه منحرف بشدة."
"توازن الأخلاط الأربعة؟! يا سيدي الناجي من الخطأ، الأخلاط قد انقرضت منذ هيرودوت."
نظر لي عزازل نظرة حادة ثم قال "وماذا تعرف عن الأخلاط؟"
"أنها السوائل الأربعة التي زعموا أنها تتحكم بالجسم وهى الماء والبلغم والصفراء والسوداء."
قال عزازل "يا لها من نظرية مقززة. أتمنى أن يجد هيرودوت هذا من يسانده من الكائنات التي أنت منها عندما يعرض أمام اللعنة الكونية. الأربع أخلاط هم بالتأكيد أربع أوضاع للعقل وعندما يتزنوا بحرص شديد يساعدون في استمرار الصحة الجيدة للأجسام المريضة تماما كالهوام الحقيرة مثلك."
"حسنا، هل تستطيع أن توازن بحرص شديد بين هذه الأخلاط التي بصديقي الطفيلي؟"
"أعتقد أنى قادر على ذلك، ولكن لا تنس أن هذا صعب جدا بسبب عدم إرادتي للمسه."
"لن تلمسه فهو ليس موجودا بيننا."
"أعنى أن أتواصل معه بشكل وهمي. فهذا سيتطلب منى طقوس تطهرية لمدة أسبوع كامل وستكون في غاية الإيلام."
"أنا متأكد يا جوهر الكمال أن تجنب اللمس الوهمي سيكون شيئا تافها بالنسبة لك."
و كالعادة توهج عزازل و تيبست قرونه بسبب إطرائي هذا. قال "بالتأكيد أستطيع فعل ذلك."ولقد فعل.
رأيت مانفريد باليوم التالي. كان يشع صحة، قال لي "تمارين التنفس العميق التي علمتني إياها قد نفعت كثيرا يا عمى جورج. فلقد شفيت فجأة بين تنفس وآخر. عيناي قد راقتا وابيضتا، لقد برأت وأستطيع الآن أن أنظر إلى العالم كله. في الحقيقة"أكمل "لا أعرف ما الذي حدث، لكن أشعر أن الصحة تملأ جسدي بأكمله. أشعر أنى كالماكينة التي زيتت فأصبحت كالجديدة. عيناي كالكشافات الأمامية لقاطرة رائعة تتسابق مع الريح عبر الحقول. حتى أنني"أكمل "لدى هذا الهاجس الرائع للرقص على إيقاع أسباني. سوف أرقص وأبهر يوتيرب المقدسة والسماوية برقصي."
غادر الغرفة وهو يرقص، لا تكاد قدميه تطأ الأرض بينما يصدح صوته بالغناء "يا عيني، يا عيني، يــــــــــــــــا عين"لم أستطع مساعدته سوى بابتسامة. مانفريد ليس طويلا كأبسلوم وأيضا ليس رشيقا مثله، رغم أن كل البصريون وسيمون بشكل كلاسيكي. إلا أن مانفريد لم يكن كلاسيكيا في وسامته. كان يبدو أكثر وسامة من أبولو بلفيدير ولكن أبسلوم كان يتفوق عليه في تغلبه على وسامة أبولو بلفيدير. ظننت أن هذا التوهج الصحي سوف يعوض الفروق بينهما. وهذا ما قد كان.
اضطررت بعدها لمغادرة المدينة لبعض الوقت بسبب عمل بيني وبين وكيل للمراهنات، اكتشفت بعد ذلك أنه شيطان أرضى، منيع ضد المنطق. وعندما عدت أن مانفريد بانتظاري. سألني متبرما "أين كنت؟".
نظرت له بتمعن، بدا لي في كامل صحته ولياقته، عينيه كانتا رائقتان و مبللتان و_____. قلت محاولا عدم التطرق إلى التفاصيل "كنت برحلة عمل، لكن قل لي، هل أصابك مكروه يا بنى؟"
"مكروه!"ضحك ضحكة متقطعة. "ما الذي يمكن أن يحدث أكثر مما حدث؟ لقد اختارت يوتيرب الساحرة من تريده واختيارها لم يقع على. سوف تتزوج أبسلوم."
"لكن ما الذي حدث؟ فأنت بالتأكيد لم تصب بأي ______"
"لم أصب بأي مرض! بالتأكيد لم يحدث ذلك. لقد حاولت أن أمرض ولكني فشلت. سرت تحت المطر البارد. ارتديت جوارب مبتلة. تصادقت مع أشخاص مصابون بالأنفلونزا والتهاب الجيوب الأنفية. أقول لك الحق، لقد حاولت أن أصاب بالتهاب الملتحمة ( باطن الجفن ) ولكني فشلت في الإصابة بأي مرض."
"لكنى لا أفهم يا مانفريد لماذا تريد أن تكون مريضا؟"
"لأني اكتشفت أن يوتيرب لديها حس أمومي قوى. ومن الواضح إن هذا الحس مشترك بين الكثير من الآدميين الذين ينتسبون إلى جنس الإناث. ولقد غاب عن عقلي هذا."
فهمت الآن. فالنساء لديهن أطفال وكلنا نعرف جيدا أن الأطفال دائما ما يمرضون، يسيل لعابهم، يعطسون، يسعلون، تصيبهم الحمى، تنتابهم زرقة وفي بعض الأحيان تصيبهم أمراض كريهة جدا. وهذا لا يؤثر أبدا على حب الأم لأبنائها. والعكس صحيح بالتأكيد.
قلت ساهما "كان لابد لي أن أفكر في ذلك من قبل".
قال مانفريد "هذا ليس ذنبك يا عمى جورج. فلقد توقفت عن تمرينات التنفس العميق ولكن لم يفيدني ذلك. لقد كان صديقي الحبيب أبسلوم يؤلمه ظهره جدا. ببساطة لقد ثبته ظهره في الفراش من جراء الألم."
"هل يفتعل الألم؟"
نظر مانفريد إلى برعب "يفتعل! بصريا يفتعل ويخدع! يا عمى جورج، الأنظمة العملية لن تسمح له بذلك أبدا. ولا حتى صداقتنا المقربة. ثم أنني قد قفزت يوما فجأة عليه كي أجبره على الجلوس منتصبا ولكنه بدأ في الولولة، تلك الولولة لا يمكن أن تكون زائفة."
"وقد أثر هذا بالتأكيد في يوتيرب؟"
"بلا جدال. أنها تجلس بجواره باستمرار لتطعمه من طبق شوربة الدجاج، وتختبر كل برهة حرارة عينيه."
"ولكن لماذا تفعل ذلك؟ لقد فهمت منك أن ظهره هو الذي يؤلمه وليس عينيه."
"أخبرتك بالحق يا عمى، لكن يوتيرب تفعل ذلك لأننا أخبرناها من قبل أن كل الأعراض تشفى بدءا من العين. وبعد، فهي تقول إن مهمتها في الحياة أصبحت أن تعتني بأبسلوم حتى ترتد له صحته، وتراه سعيدا ومرتاحا، وكما ترى فالنهاية ستكون بزواجهما."
"لكن يا مانفريد لقد كنت ضحية للأنفلونزا فلماذا لم تختارك أنت و...."
"لأنني فد تجنبتها أثناء مرضى حتى لا أمرر لها العدوى، وحتى لا أرى نظرة عيناها عندما تراني مكبلا بهذا المرض الكريه، كم كنت مخطئا!"ثم ضرب جبهته براحة يده.
قلت "تستطيع أن تفتعل المرض أمامها و.....".
و لكن مرة أخرى قابلتني تلك النظرة المتعجرفة.
"لا يستطيع البصري أن ينجح في الخداع لمدة طويلة يا عمى جورج. بجانب أنني مهما حاولت افتعال المرض أجد أنى غير مقنع بالمرة. ببساطة أبدو بصحة جيدة جدا جدا. – لا، يجب علي مواجهة قدري يا عمى جورج. فقد طلب مني أبسلوم عناه الله أن أكون وصيفه أثناء مراسم زواجه."
وهكذا كان مانفريد الوصيف، ومنذ هذا الحين لم يتزوج. أحيانا أعتقد أنه من الممكن أن يتعود على قدره التعس هذا. لدي أبسلوم الآن ثلاثة أطفال، وقد زاد وزن يوتيرب كثيرا، وأصبح صوتها صاخبا وهى نفسها أصبحت أكثر تهورا.
أشرت لمانفريد مؤخرا بملاحظاتي تلك، تنهد بهدوء ثم قال "ربما تكون مصيبا يا عمى جورج ولكن عندما يحب البصري فأنه لا يحب لمجرد الحب – ولكنه يحب للأبد."
كان جورج يتنهد باستمرار، وعندما توقف عن الكلام قلت له "عجيبة تلك القصة، البصري الوحيد الذي أعرفه عن قرب لم أره أبدا بدون امرأة ما وكل مرة أراه فيها أرى معه امرأة مختلفة عن المرة السابقة."
قال جورج وهو يلوح بيده "تعرفه شخصيا. لقد حكيت لك تلك القصة كي تعرف أنني أستطيع معالجتك من التهاب الجيوب الأنفية التي أصابتك. من أجل ثمن بخس – عشرون دولارا فقط."
صحت بحده "لا. زوجتي التي بالمناسبة أحبها جدا تعمل كطبيبة ولديها متعة غريبة تتلخص في علاجي باستمرار. إذا شفيتني من كل الأمراض فستصاب بالجنون بالتأكيد. ولذلك سأعطيك خمسون دولارا كي تتركني بحالي."
ولم أبك على تلك النقود، لأنها أنقذتني.



الهوامش:

1- سيريلى: ذو علاقة بأبجدية سلافية قديمة يقال أن مخترعها هو القديس سيريل ولا تزال أشكالها الحديثة تستعمل في صربيا وبلغاريا والاتحاد السوفيتي.
2- الايدوجرام: صورة أو رمز يستعمل في نظام كتابي ما كالهيروغليفية والصينية وتمثل شيئا أو فكرة لا كلمة خاصة بهذا الشيء أو تلك الفكرة.
3- نبرة الإطالة: علامة خطية (̀ ) توضع فوق الحرف اللين (e) دلالة على طوله مثل frèreأو للتفرقة بين كلمتين متماثلتين كتابة ومختلفتين معنى مثل laبمعنى الـ و làبمعنى هناك.

4- علامة (^) توضع فوق حرف لتحديد طريقة لفظه مثلfête بالفرنسية.

5- السديلة: علامة تجعل هكذا Ç تحت حرف Cلتدل على أنه يلفظ كحرف S.
6- تغير في صوت حرف العلة في اللغات الجرمانية تشير إلى نقطتان فوق ذلك الحرف كما في كلمة mannerجمعا لكلمة mann.
7- التلدة: علامة (~) توضع فوق حرف nفي الاسبانية إشارة إلى أنه يلفظ nyكما في cañonمثلا.
8- الانجلوسكسوني: لغة الانجلوسكسون - اللغة الانجليزية.
9- هوميرى: نسبة إلى هوميروس الشاعر الإغريقي القديم.
10- حسير: مصاب بقصر النظر.
11- أطمس: مصاب ببعد النظر.
12- الإستجمية: علة في العين أو العدسة تجعل الأشعة المنبعثة من نقطة من الشيء لا تجتمع في نقطة بؤرية واحدة، و بذلك يبدو ذلك الشيء للعين على نحو غير واضح.
13- القاوند: طائر تزعم الأسطورة أنه يهدئ في دور حضانته أمواج البحر.
14- الملتحمة: الغشاء المخاطي لباطن الجفن.

15- الأخلاط: الدم و البلغم والصفراء والسوداء التي زعم القدماء أنها تقرر صحة المرء ومزاجه.

المحطة الجنوبية

$
0
0



وهكذا انتظرت، انتظرت كثيرًا حتى آلمتني قدماي، ثم انتظرت طويلًا حتى آلمتني ساقاي، ثم انتظرت مديدًا حتى آلمني أسفل ظهري؛ فجلست على الدكة حتى أستطيع إرضاء أم العيال.
كانت الدكة خالية من أي خشب، فقط حديد صدئ، أو هما حديدتان منفرجتان، حشرت خلالهما عجيزتي، فشعرت أنني بدورة مياه مكشوفة للشمس، التي كانت كصفار بيضة ضخمة معلقة بالسماء.
انتظرت طويلًا حتى آلمتني معدتي، تلفت حولي، فوجدت محل فلافل بالضفة الأخرى من نهر الطريق، أوصيت الرجل العجوز الناعس الذي كان يجلس بجانبي -ويبدو عليه الموت- أن ينادي علي إذا حضرت الحافلة. عبرت الطريق بصعوبة بسبب الزحام الشديد، وبسبب سيارة ملاكي وقفت بوسط الطريق وأخذت ترمي رمالًا وحجارة وزلطا ربما يكون باقيًا من أثر بناء أو هدم، فسدَّت علي رؤية المحطة. اشتريت بسرعة شقتين من الفول مخالفًا الآخر الذي كان يشتري شيئًا بنيًّا صغيرًا في ورقة سيلوفان، وعندما عدت لم أجد الرجل الفائت ذكره، عضضت على شفتي وأنا أؤنب نفسي قائلًا لها: إنني لم أكن جائعًا لهذه الدرجة، ثم إنني لم أسمع عن أي شخص مات جوعًا بهذه المحطة، ربما.. ربما بالمحطة الجنوبية.
جلست مرة أخرى على الدكة الصدئة واللاسعة من أثر الشمس، استمتعت بلذة الحرقة، فأردت أن أتبول، أردت أن أذهب إلى محل الفلافل كي أتبول ولكني خفت أن تفوتني الحافلة، وأيضًا خفت بسبب خلو المحطة من أي شخص أوصيه سوى من فتى وفتاة مشغولان بالهمس واللمس والدهس؛ رغم ازدحام الطريق، فقلت لنفسي: إنني لست محصورًا لهذه الدرجة، ثم إنني لم أسمع عن أي شخص مات حصرًا بهذه المحطة، ربما.. ربما بالمحطة الجنوبية.
ولكنني لم أنتظر طويلًا، وأيضًا لم أغادر الدِّكة. بعثت بصبي كي يشتري لي زجاجة مياه من محل البقال المجاور لمحل الفلافل الذي بالضفة الأخرى من نهر الطريق الذي أضاء مصابيحه التو، وبالماء الليموني حاولت غسل البنطلون، لكن البقع الفاقعة لم تزل، فرجوت أحدهم أن يشتري لي بنطلونا من محل الملابس المجاور لمحل البقال المجاور لمحل الفلافل الذي بالضفة الأخرى من نهر الطريق، ولكن أحدهم أو أيًّا منهم لم يحضر، ولم يحضر البنطلون الذي أعطيته ثمنه، ولم يحضر البنطلون الذي أعطيته إياه كي يشتري لي واحدًا على مقاسه، فصرت في حيص بيص. فقلت لنفسي: إنني لم أكن أشعر بالبرد لهذه الدرجة، ثم إنني لم أسمع عن أي شخص مات من الأنفلونزا بهذه المحطة، ربما.. ربما بالمحطة الجنوبية.
قلقلت على أم العيال وعلى العيال، كلمتهم بالمحمول واطمأننت عليهم، ومثلما قالوا في إعلانات خطوط المحمول، استمررت في التكلم حتى أسلي انتظاري، ولكن رصيدي قد نفد فجأة سهوًا مني، وعندما طلبت رقم خدمة العملاء، تنصلت مني المرأة اللعوب قائلة أنني لا استطيع إتمام تلك المكالمة، فقلت لنفسي أنني قد اطمأننت عليهم التو، ثم إنني لم أسمع عن أي شخص مات بسبب دقيقة محمول بهذه المحطة، ربما.. ربما بالمحطة الجنوبية.
كنت قد أغمضت عيني لدقائق، وعندما فتحتهما كان كل البشر القانطين بالمحطة قد غادروا -رغم أن السيارات القاطنة والرابضة بالطريق لم ترحل-. جاء الفتى والفتاة مرة أخرى بعد أن أصبحا رجلًا ذا أنف منفوش وشارب عنتري وامرأة ذات عينين باحثتين وعجيزة ضخمة وطفلًا رضيعًا ذا فم كبير. جلس الفتى/الرجل بجانبي، فابتسمت لطفله الذي كان يحمله، فجاوب الطفل ابتسامتي بكف رقيق فوق خدي غير الحليق، نهره أبوه ثم ضربه على يده ضربة خفيفة حانية -ربما تكون أضعف من ضربة ابنه على وجهي- ثم التفت إليّ معتذرًا، ولكن عندما رآني بلا ملابس سفلية احتقن وجهه ولكمني بقبضة يده -التي لا تشبه قبضة طفله- وهو ينعتني بقلة الحياء أو الأدب وعدم مراعاة وجود سيدات محترمات بعرض الطريق.
كنت قد وقعت على ظهري من أثر اللكمة، فانخلع جلد عجيزتي الملتصق بحديد الدكة من أثر السخونة والانتظار، وحينما رأى أطفال المدرسة المجاورة لمحل الملابس المجاور لمحل البقال المجاور لمحل الفلافل الذي بالضفة الأخرى من نهر الطريق أن رأسي صارت عند رجلي وأن عجيزتي وخصيتيّ مكشوفتان ومسلوختان، بدأوا يرمونني بالطوب والزلط الذي كان يغطي وسط الطريق كورد النيل.
بداخلي، كنت مغتاظًا من الطفل الرضيع الذي لطمني، فأخذت بحجر وألقيته على أطفال المدارس المفطومين، فأصاب واجهة محل الفلافل بدلًا من وجه الطفل حليق الخد ذي الجسد السمين والعجيزة الأسمن التي تحتضن بين دفتيها كشكولا لفه بمهارة في جيب مؤخرته.
حينها.. حينها انتهت المعمعة، وجرى العيال إلى جحورهم، ثم أتى مدرس الدين والترزي والبقال والمعلم ومعهم الشرطي، بعد أن ضربني الصبي الثاني للمعلم والصبي الأول للمعلم.
أخذوني إلى نقطة الشرطة، فقلت لنفسي: إنني لست مستعجلًا لهذه الدرجة، ثم إنني لم أسمع عن أي شخص مات مسجونًا بهذه المحطة، ربما.. ربما بالمحطة الجنوبية.
فذهبت معهم، ذهبت معهم برضوضي البنفسجية من أثر الضرب والسلخ، وعندما وصلنا قال لهم المعلم أنني كنت أريد سرقة محله، وأنني أحيانًا أجلس بمحطة انتظار الحافلة حتى أراقب المحال، فأمّن البقال والترزي ومدرس الدين على قوله، ثم قال صبي المعلم الأول أنني سرقت منه قميصه، فخلع الشرطي قميص صبي المعلم الأول وأعطاه لصبي المعلم الأول، ثم قال صبي المعلم الثاني أنني سرقت منه حذاءه، فخلع الشرطي حذاء صبي المعلم الثاني وأعطاه لصبي المعلم الثاني.
وبعدها أمرني الشرطي أن أدير ظهري وأنظر إلى الحائط.
وحينما انتهوا من المشاورات التي لم يدعونني إليها، قرروا أن ينفونني إلى المحطة الجنوبية؛ فهربت منهم.

الأهوال التي سمعتها عن المحطة الجنوبية، تجعلني دائم التلفّت والهرب.. الهرب من أي معلم أو شرطي أو طفل رضيع أو مفطوم؛ ولذا هربت.. هربت إلى المحطة الشرقية -التي تتوسط المقابر- وأحلامي وآمالي دائمًا هي العودة إلى المحطة الشمالية كي أنعم بخيراتها التي طالما ذقتها هناك.

محمد سيد عبد الرحيم

عرض الفيلم البرازيلي مدينة الله

$
0
0



غدا الأحد 1/4/2012 عرض فيلم  مدينة الله City of God  
بنادي سينما مغامير بكرمة بن هانئ بمتحف أحمد شوقي 6ونص مساء
الفيلم انتاج برازيلي/ فرنسي 2002
مدته 130 ق
إخراج فرناندو ميرليس
الفيلم يحكي عن صديقان يشبان في أحياء ري ودي جنيرو الفقيرة والمتوحشة وكلاهما يأخذ طريقا مختلفا عن الآخر: الأول يصبح مصورا فوتوغرافيا والثاني يصبح بائعا للمخدرات. فيلم عن الفقر المدقع الذي تعيش فيه ري ودي جنيرو، عن حياة الجريمة وتجارة المخدرات والأسلحة النارية، فيلم تلهث العيون وراء أبطاله هربا بحياتهم ثم تستكين قليلا للاستمتاع على شاطيء البحر أو فوق غصن شجرة.

Viewing all 80 articles
Browse latest View live