- مريم ، أكملي هذه الجملة ، إذا كنت غنيا سوف . .
إهداء : إلي من كرهوا عملهم اليومي و إستجابوا للاوعي .
ما بين أيديكم مذكرات لشاب يدعي أن اسمه "ميهي "(1)و لأن ما لاقاه يضفي علينا خبرة حياتية لذا قررت نشرها بعد أن تأكدت من وفاته ، و ملحق خبر بذلك :-
عثر أهالي الروضة علي جثة شاب يدعي "ميهي "
قالت والدة الغريق أنه اختفي منذ تسعة أيام كاملة . . . . . . . .(2) |
24 مارس 2019
حبيبها لست وحدك . . حبيبها . (3)
جذوتي المشتعلة يطفئها نوران / ينبثقان من عيناها ، عيناها الواسعتين / المكحلتين دوما ، تارة بالمعتم و حين بالفاقع و بون ذاك و هاك صبغتها المفضلة ، صبغة سمائي .
تمسك بيدك ، تهرب إليها فتستمتع بالفرار الصامت ، إلي أين لا يهم ، تدفعك إلي سيارة أجرة - يتحايل الأبيض علي الأسود كي يطغي - ، تري أسود قصر النيل الفرنسية (4) ، فتخرج إلي مكنونك هامسا "أنا لست أسدا ، أنا لست أبي الهول (5)، لست إله الشمس ، لا أستطيع مواجهة الشمس المشرقة و لا أن أكون حامي الأهرامات أو ممزق أعداء رع . . . أنا لست أبي الهول " . تبتسم ، فتفيقك هي قائلة "سوف نتوقف هنا "، تنفتح علي الكون مرة أخري و تترك الكرسي منتظرا ثنائي جديد يتابعه ، تدفع الأجرة بسخاء ثم تتبعها ، ، ، هل تسألها أين ستجلسين سيدتي أم أنا من سألتها ؟ أو ربما هو النادل ، تهز كتفيها قائلة "أجلس بمقابلي "تجلس ، تنظر إليها ، عينان جريئتان / معبرتان .
لما تبدأ دائما بوصف عيناها ؟ هل العيون بوابات ترحل عبرها إلي عالم آخر خاص ؟ . . باحتراف تحرر يدها اليسري كي يعرف الحضور أنها غير متزوجة ، تحرر يدها اليمني كي يعرف الحضور أنها غير مخطوبة ، تتلاقي عيناها بعيني شخص كي يعرف أنها غير مرتبطة عاطفيا ، تخفض عيناها مستحية كي يعرف أنها غير نافرة .
تشعل لفافة تبغ ، أشعر بالنار بيني و بينها و لكنك أقرب إليها منها ، نار خففت سبعين مرة .
اسمي أنا دعنا من الأسماء
أسخف ما نحمله يا سيدي الأسماء (6)
القاهرة الرابعة فجرا
ورق الجرائد يقفز علي الأسفلت ، يحاول الطيران بواسطة شئ خفي اسمه الريح ، تحاول أن تنتشله من الغرق في عتمة الطرقات . بعد هزيمة المنتخب القومي ، خلت الطرقات سوي من عسكري مرور . . يشوط كلب ، ينتفض مذعورا ، يهرب غير عابئ سوي بكدمته ، يأخذ العسكري الورق المقوي الذي كان الكلب نائما فوقه ، يمشي متعثرا هنا و هناك ، وصولا لعامود الإشارة ، يفرش الورق المقوي و يستلقي عليه .
تعريفات لابد منها :-
عدم الحيلة : أن يتقصي ضابط دورية بنظره طول لمة شفة إمراتك العليا و تكور بطنها و نهديها . و عندما تنبهه مستفسرا "في حاجة ؟ "يرد عليك في ابتسامة خفية "مساء الفل " .
أراه ، أري الإحباط علي أعتاب عيونهم ، يظن انه خفي / مستتر ، إحباط أبله و لكنه مؤثر . عكس كل الخلق أذهب إلي شارع "جامعة الدول العربية "يوم الهزيمة ، تحرسني مجموعة نجوم الميزان ، تداعبني ببريقها رغم محاولات أضواء المدينة لإخفاق سعيها المستمر و الحاني .
بعضهم يسير كالنسر و البعض الآخر كالفراش و البعض الآخر كالدب ، إلي أين ؟ كل إلي عريشته / شرنقته / وكره ، فراش خاوي ، فراش يملؤه صدر شخص ما ، فراش يملؤه ظهر شخص ما .
الوقت يسيل سويعة تلو السويعة و شخصي لم يفارق شارع "جامعة الدول العربية "، أراقب مبني من طابقين حتي تلاشي البريق من جراء النهار.
( 1 + 1) لا يساوي ( 3 ) ابدا . (7)
حينما أرحت سماعة الهاتف لتلامس أذني ، وصلتني بحة صوتها ، تريدني . . تريد أن تراني – أغتبطت – معنا شخص آخر – أرتبكت – شخص رأيته من قبل – أستفسرت – رامي – أنزاحت الغمة لتفسح موقعا إستراتيجيا لغمة أكحل .
نعرف بعض منذ . . منذ أن كان الإختلاط محببا ، تحيطني أحيطها ، تقبلني أقبلها ، تضربني أضربها ، تراني عاريا فأستكشفها ، إذن ما الجديد ؟ الجديد هو الكبر . . إذن ، فليكن فلن أنسي ما كان في الصغر ، سوف أنتظر إلي الأبد . . و لكن لم إخبر من قبل هل للأبد "هذا "زمنا معينا ؟
في باخرة غير جذابة ، التقينا ، أنا و هي و ثالثنا "رامي "، تجلس بينكم ، تداعب رامي مرة و تحاول التوفيق بينكم مرة و ترشق نظرة خارجية دوما ، أسمع نهيق إتان فتدهش ، من أين يأتي هذا النهيق و الباخرة تبحر في النهر المنساب كرقائق جبلية لا تذكر أين رأيتها و لا أستطيع أن أذكرك بها ( ملحوظة : آسف علي كبت تخيلك أحيانا ) .
دائما ما أراها تعبر الإطار و تقف خلف النافذة – نافذة سلفادور دالي (8)– الثوب القصير الذي يظهر إكتمال نضوج الساق و يبرز تكور الأرداف ، هي لا تنتظر حدثا خارج الغرفة الخاوية بل شخصا من خلفها يمسك بأردافها ، يلامس ظهرها ، يعتصر أثدائها و يتلمس نتوءات شفتيها بإنسياب علي وتيرة نهرية موسيقية لموتسارت (9) .
لم يخجل رامي من الحدث و لم تخجل أنت مؤكدا ، هذا لأن الخجل يعتمد عليكم معا و ليس علي شخص واحد ، فمعاملتك له كقرين جعله ينسي خيلاته عن موقف الآخر – الذي هو نحن – و موقفه . و لكني إستمتعت بمشاهدته يتحول كحرباء لها أصول أسفنجية من التجهم إلي التبسم و من التبسم إلي التجهم ، نظرات العين و عضلات الفك و الوجه كلها تنم علي مستوي بدائي في التعبير ، أستطيع أن أمنحه بيسر "ضعيف جدا "، فما رأيك ؟
تعريفات لابد منها :-
الحرية ليست التحرر من كل شئ ، لأن الحر لا يستطيع أن يتحرر من قانون الحرية ذاته ، مثله كمثل تنين يأكل جزءا من جسده كل يوم حتي تخور قواه فيأكله وحش أسطوري آخر ليس له مسمي .
الروضة الخامسة صباحا
النهار يسحقني بسلاسله الذهبية ، يكبلني ، يمزق مسامي محاولا التفشي بجلدي كالسرطان ، اسألك "لماذا أنتظرت حتي تمزق الليل ؟ ألا تعرف أن الظلمة هي المحمية الطبيعية للتعساء ؟ في الظلمة يحلو الترح و يستجيب العقل لأكثر من طريقة للإنتحار "
النيل الحبري و البرج القلمي يعشق أحدهما الآخر و ينتظر كلاهما ظاهرة إكلينيكية جيدة للأرض تخفف من الفروق الغير جوهرية التي تمنعهم من الملاقاة . هذا ما وقع به تفكيري و مريم بيننا وبينه .
ألا تظن أننا أحق منه بها . فملامحها من ملامحي ، تمنعها من تمنعي ، نتوءاتها و أرضيتها الخصبة أعرفها و أدركها تمام الإدراك . هو فقط دخيل علينا ، يريد الإنتفاع بكل مواردها المادية و الصورية رغم جهله التام بكيفية التعامل معها . فلا غرو أنها من الممكن أن تبتلعه يوما ما . و ربما تأتي أمه الفرنسية لتبحث عنه في جوفها ( ملحوظة : لم أعرف لمريم أصدقاء إناث ) فتلتهمها هي الأخري في بئرها السبعي . . . فاحذر ، ، فعندما تأتي النهاية ، ستأتي نهاية حياتك و أحلامك و أمالك و أوهامك و خيالاتك و تخيلاتك و أفكارك و آرائك و تحذيراتك و آلامك و أفراحك و لكن قبل كل هذا ستنتهي هذه المذكرات . . .
تعريفات حدية : -
بعض الناس كالشمس لهم بريق بازخ و جلي و بعضهم كالقمر لا يستطيع أن يشعر به أحد إلا عندما يغيب الشخص المصاحب له دائما و بعضهم كالكواكب لا بريق له و لا انعكاس و لكنه أكثر تركيبا و إلحاحا للإستكشاف .
أمشي حاملا إحساسي بالتهافت كالمسيح يحمل صليبه بدرب آلامه (10) . بعض الصور و التشبيهات تستدير فتمنحها إبتسامة و تحديقة أو تحديقتين بعد أن تكون قد تخطيتها . و تتسأل هل من اخترع القطار فكر إنه سوف يأتي يوما يرمز الفنانين للحياة بهذا الإختراع .
تسألني "ماذا ستفعل بأداة الجريمة كما يطلق عليها وكلاء النيابة ( أكثر من جيد جدا ) و المحاميين ( أقل من جيد جدا ) ؟ "لا أدري ، ربما أقذفها في النهر و . . . . و لكن لماذا أقذفها و لماذا أتخلص منهاأصلا و بدءا ؟ نعم . . فماذا يهم إذا كان القصبجي (11)خلف ثومة (12)أم ثومة أمام القصبجي ؟ طالما أن الناس لا تهتم به . مثلما إني لا أهتم الآن بكلاهما إلا في هذه النقطة فقط ، فأنا أتحدث عن نفسي عندما أريد أن أتحدث عن نفسي و أتحدث عن الآخرين عندما أريد أن أتحدث أريد أن أتحدث عن نفسي أيضا . و أضجر و أشعر بالتقيؤ و تنتابني كلستروفوبيا (13) و عدم مبالاة نحو كينونة و وجود و بالتالي حديث الآخرإلا إذا كان يتحدث عني . هذه ليست أنانية و بالتأكيد ليست غيرية و لكنـ < ي > أستطيع أن أطلق عليها نفسية . فنفسي تبغض الآخر حتي إني يوما أنكرت وجوده تماما ، ربما شماتة وربما تمنيا لذلك ؛ فافهم .
تعريفات لا تاريخية : -
لا فرق بين السادات (14) و اسيودورس (15) أو ثورة التصحيح و ثورة البوكليا .
و قد خرجنا عما كنا بسبيله فنرجع .
تضايقني رائحتها و يعف عن عيني لزوجه سائلها الذي امتلئ حوض الإستحمام به و تضمني وحدة رغم تناثر أشلائها في أرجاء أرضية الحمام . قلت لها يوماو بصوتي شجو و شجن ( لا أتذكر لماذا كنت بوهدة يتراكم عليها الشجو و الشجن ، أظن أنك كبت مخيلتي هذه المرة ، فاحذر مني و لا تعبث معي ) "حينما أعشق شخصا بحق أبغي أن أتملكه " . سألت في عدم اهتمام كارميني مقتضب "كيف ؟ "بعد أن تأكدت أن إعترافاتي لن ترسخ في عقلها / ذاكرتها ، جاوبتها "حينما أمارس معه حواسي جميعها "ضحكت و قالت و كتفيها يرتفعان و يهويان من جراء قهقهاتها المفتعلة "إذن فأنت تعشق كل من عرفتهم ! " .
كنت أقصد حينها إني لن أمارس معه / معها بصري و سمعي و تخيلي فقط ، بل استنشاقي لرائحته حتي النفاذ و تذوقي لملمسة حتي الإشباع و عبثي بأشلائه المتناسقة حتي شعوري إني أستطيع التوفيق ما بينها بعد بعثرتها .
سألتك مرارا لماذا تعشق هذه الغبية و لكنك تفحمني و تجعلني أبتلع لساني مثل لا عب نيجيريا بجوابك أني أيضا أهيم بها و ربما زدت عنك رغم تنافي و تلاشي هذا الإحتمال فكلانا متساويان بالعته بها . و ما يجمعنا هو قانون كليبتومانية (16) مريم و الإحتفاظ بها و النهل منها حتي التخمة . فافهم !
السكين الخاص بفتح الجوابات لا يجدي الآن فقد أنتهت مهمته بالوصول إلي الغرفة اليسري من قلبها (17)، تتكافأ بها الأمواج كأنها تتساقط ، أو تمور كأن الأمواج تتكافأ بها ، أقف مبهورا / مشغوفا بموعد السقوط ، بجذبني في لحظة أو لحظتين خاطفتين التقاطعات الوردية للباسها الداخلي و قد استحال إلي القاني و عيناها تضيق حدقتيها مخلفة لون أكثر غموضا من لوني المفضل .
هناك . . . كانت . . . هذه اللحيظة التي أدركت فيها أن شيئا لم يتغير و أنها لن تحبني أبدا بعد اليوم و أنهالم تحب من قبل ، حتي حبها لذاتها شككت فيه ، فكم حاولت أن تخرج من جسدها . و عندما وصل فكري إلي هذا ، اغتبطت ؛ إذن فأنا لم أفعل شيئا سوي مساعدتها ، ، ، مساعدتها علي الخروج من الجسد إلي هذا المكان الذي أنا به الآن .
و لكني تأكدت أيضا أني سأموت و أنا سمين مثل قط أعرج و وحيد مثل نفس القط الأعرج ، ليجدني الآخرين – إن وجدوا – بعدها بأيام معدودات و أنا نصف متحلل . فقررت أن لا يجدني أحد . وأدركت أن رغبة ملحة في الغربة قد استحوذت علي .
لست أنا النبي لأدعي وحيا
و أعلن أن هاويتي صعود(18)
( أعرف أنك تريد أن تعرف ما شكل و تكوين و ملامح هذا المكان الذي أسكنه الآن ، و لكني لن أقول لك ، فمثلما أنك مهتم بها هنا عن ها هناك فإني مهتم بها هناك عن ها هنا ) . . . انتهي .
رواها : ميهي
تجميع و تنسيق و تعليق : محمد سيد عبد الرحيم
(1) هيروغليفي تعني الغريق و تطلق علي أزوريس بسبب موته غريقا ( راجع إيزيس و أزوريس : بدون مؤلف ) .
(2) و إنني أرجو القارئ أن يبقي هذه الملاحظة في ذهنه الخصب .
(3) للشاعر المصري كامل الشناوي .
(4) هدية من فرنسا إلي مصر .
(5) أبي الهول لا يتزوج و لا ينسل ، فقدره أن يحيا و أن يموت وحيدا .
(6) للشاعر السور نزار قباني .
(7) أوليات بديهية .
(8) فنان تشكيلي أسباني .
(9) مؤلف موسيقي ألماني .
(10) في العقيدة الإسلامية يهوذا .
(11) عواد و ملحن مصري .
(12) مطربة مصرية .
(13) مرض الخوف من الأماكن المغلقة
(14) رئيس مصري .
(15) قائد ثورة البوكليا بمصر الرومانية .
(16) مرض هوس السرقة .
(17) راجع حي بن يقظان للمؤلف ابن طفيل .
(18) للشاعر الفلسطيني محمود درويش .